كلنا متهمون

أشرت في المقال السابق إلى أن أزمتنا الحقيقية، هي أزمة سلوك وهي التي فرخت أزماتنا السياسية والاقتصادية، والأمنية والاجتماعية، ورضعت من ثديها… سلوكي أنا كمواطن عادي، وسلوك الموظف والعامل، والسياسي والإداري والطالب، و.. و….. المشكلة في طبيعة الشخصية السودانية ذات العاطفة الملتهبة، و”المزاج” المتقلب، الشخصية المتعجلة، المكابرة، أسيرة الحنين للماضي (نوستالجيا عالية)، المجاملة، والتي تحب أن تحمد بما تفعل وما لا تفعل…
المشكلة في طبيعة الشخصية السودانية الانطباعية التي تستقي معلوماتها من الشائعات ومن مجرد انطباع فقط، ومن معلومة سماعية تكتفي منها بـ”قالوا” دون الحاجة للتحري والتنقيب..
المشكلة في طبيعة الشخصية السودانية التي لا تكترث كثيراً لقيمة الوقت والعمل، ولا تهتم كثيراً بتفاصيل الأشياء الدقيقة التي تكمن فيها الأهمية…
المشكلة في طبيعة الشخصية السودانية التي تتعامل مع المال العام والموارد القومية على أنها أشياء سائبة لا تستحق الحرص عليها، وكم يؤلمني ذكر قصة العامل الياباني (الخفير) الذي يعمل بأحد المصانع العامة في بلاده، تقول القصة: إن العامل الياباني البسيط بعد انتهاء دوامه أغلق باب أحد المخازن الخاصة بالاسبيرات، وقفل راجعاً إلى بيته وقبل أن يخرج من المصنع وجد “صامولة” صغيرة في طريق عودته فالتقطها ورجع إلى مخزن الإسبيرات وفتح الباب ووضع الصامولة الصغيرة في مكانها المخصص، ثم أغلق الباب مرة ثانية وغادر إلى منزله… لاحظوا أن أشياء صغيرة تستحق كل هذا الاهتمام، فكيف يستوي هذا “الخفير” ومن يهدر موارد بلاده ويبعثر أموالها العامة ويبدد ثرواتها فيما يضر ولا ينفع، يبددها في خلق الفتن وإيقاد الحرائق …لا أظن أن هناك وجهاً للمقارنة بين هذا العامل الياباني البسيط والعاملين في الدولة السودانية بصولجانهم، وتيجانهم صغارًا أم كباراً، وهم الذين اعتبروا الوظيفة العامة وتوابعها ملكاً خاصاً ..
نعم مشكلتنا في طبيعة الشخصية السودانية الجانحة إلى الخلود والراحة والاستحمام المعطونة في ثقافة رزق اليوم باليوم، ثقافة (خليها على الله بس)، دون (اعقلها وتوكل على الله)، (كدي نكمل القدامنا دا هسي وبكرة الله كريم) -الآن الله ما كريم يعني؟!! ..
كلنا مشتركون في خلق أزماتنا ليس الحكومة وحدها المسؤولة، ولا الشعب وحده، ولا المعارضة وحدها ولا أعدائنا وحدهم، نحن كلنا مسؤولون بسلوكنا السالب، وممارساتنا غير الرشيدة وطقوسنا المتخلفة التي تتقاطع والعمل والإنتاج أقول ذلك ولا أبرئ نفسي من هذه السلبية، تفحصوا الأمر ونقبوا ستجدون أن المنتجين فينا قلة نادرة والبقية طبقات طفيلية ووسطاء وسماسرة وأرزقية وساسة يبيعون الكلام غير المنتج ويوقدون نيران الفتن ثم يقبضون ثمن الحريق… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.
الصيحة