جحافل التتار على أبواب جوبا..!!ٍ

لا زالت الحكومة في جنوب السودان بعد كل هذه السنوات من تجربة الحكم تجهل قواعد لعبة (السياسة الدولية) وأسرارها وخيوطها التي تنسج في الظلام، وعطش القوى العظمى إلى إمتصاص دماء الشعوب الفقيرة للإستحواذ على مواردها، تجهل حكومة السيد كير ميارديت هذه اللعبة تماماً جهلها بقواعد الحكم والممارسة السياسية الرشيدة والإدارة في بلادها، وهو الشيء الذي ألقى بظلاله القاتمة على تجربة إنفصال دولة جنوب السودان التي يبدو أنها تترنح نحو الفشل لتصبح قريباً مثالاً حياً وعظة لكل الشعوب التي تريد أن تنفصل عن بعضها.
وتجيء (إنتباهة) حكومة جنوب السودان مؤخراً إلى خطورة ما ظلت تقوم به من إذلال لشعبها للدلالة على ما نوّد الحديث حوله كـ(صيحة) في وادي الصمت، فقد تضاربت ردود أفعال حكومة جوبا تجاه قضية الساعة كعادتها في (تشّعُب وتعدّد وتضاد) خطابها الإعلامي الرسمي، وهي مسألة التدخل العسكري الأممي في محاولة دولية ? ربما أخيرة ? لحسم أزمة الحكم في جنوب السودان، وقد بدأت الأمم المتحدة عملياً بإرسال المزيد من التعزيزات لقواتها الموجودة على الأرض حتى يصل كامل العدد إلى 16 ألف مقاتل (محترف) بعد إعادة النظر في تسليحهم وتفويضهم للتدخل في الحرب تحت المادة (42) من الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة.
وإستنطق الإعلام العالمي بجوبا عدداً من (أبواق) النظام من وزراء ومقرّبين إلى القصر بحكم العشيرة والقبيلة أمثال الوزير (مايكل مكوي) والسكرتير الصحفي للرئيس (أتينج ويك) وغيرهما ممن أدلى بتصريحات (بين مؤيد ورافض وبين بين) … ولكنهم جميعاً نطقوا كفراً وكذباً وبهتاناً، مردّدين ذات (الأسطوانات) القديمة و(التكتيكات) المعلومة لإرضاء أرباب نعمتهم، وذلك لأن الرفض القاطع لهذه القوات ومهامها الجديدة، شأن يعلو على أي قرار يمكن أن يتخذه القصر الحاكم في جنوب السودان، فقد نفد صبر المجتمع الدولي و… Game over.
يقول مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن القوة الأممية المكونة من 12 ألف جندي في جنوب السودان بموجب البند السادس من النظام الأساسي للمجلس لا تكفي لحماية المواطنين العزل الذين هددتهم القوات الحكومية والجماعات المسلحة في جنوب السودان خلال الأزمة، فالمجلس يعلم أن وجود هذه القوات بكامل عتادها وتسليحها منذ 2005م هو صمام أمان بقاء جنوب السودان تحت قبضة القوى العظمى – وعلى رأسها أمريكا – لما بعد مشروع إنفصال الدولة الجنوبية، وهكذا راهنت الأمم المتحدة بهذا الخيار (ترك جنوب السودان بؤرة للنزاعات) للحيلولة دون عودة الأراضي الجنوبية إلى السودان مرة أخرى، فبوادر النزاعات في جنوب السودان كانت خلال الفترة الإنتقالية أوضح منها في مرحلة تكوين الدولة.
والقرار الذي يقضي بترفيع مهام القوات الأممية في جنوب السودان إلى الفصل السابع الذي يتيح لها التدخل مباشرة في الحرب ضد أي من الأطراف التي لا تأتمر بأمر المجتمع الدولي، هو قرار يُراد به أولاً إضفاء الشرعية الدولية على إحتلال أراضي جنوب السودان وحكمها بواسطة الحكومة الدولية الخفية (الماسونية)، وهو أمر وشيك على ما يبدو. لكن حكومة السيد كير تنتبه فجأة إلى أنها ليست (إبناً مدللاً) للولايات المتحدة على الإطلاق كما تعتقد، وأن العالم يُدار من خلف ستار فولاذي قوي لا تأتيتيه أباطيل سلفا كير وزمرته من فوقه أو تحته أو من بين يديه.
لقد عقد المجتمع الدولي العزم إذاً على إجراء كل ما يلزم لوضع حل لمعضلة جنوب السودان، لكن بما يضمن حقوق الذين دعموا مشروع الإنفصال وعلى رأسهم الولايات المتحدة و(الترويكا) والإتحاد الأوربي وبعض حكام إفريقيا ممن إحترفوا الإرتزاق بمهنية عالية في تنفيذ مخططات التتار الجدد.
إن أول ما يكون عليه الحال في مقبل الأيام بعد إكتمال وصول (القوة التتارية) في جوبا، هو البحث عن بديل ناجح يحذق فن التلاعب مرة أخرى بمشاعر الجنوبيين ممن تم (تجميعه) وتلميعه في معامل الغرب، تماماً مثلما إستُبدل فيما سبق (صدام حسين) بالسيد (نوري المالكي)، وبذات السيناريو الممل من تكوين (إدارية أممية) كتمويه شديد الإتقان في فيلم (إعادة سرقة موارد إفريقيا وآسيا)، وهو (مكياج رخيص) ما يلبث أن يزول في أول يوم لبدء أعمال الحكومة الجديدة.
قوات الأمم المتحدة التي بصدد الوصول إلى جنوب السودان لن تأتي للترفيه أو رحلة سياحية قصيرة، فالتجارب السابقة أكدت أن أية خطوة من هذا القبيل تتخذها الأمم المتحدة تجاه حكومات الدول المارقة، يكون ثمنها باهض جداً بالنظر إلى حال الفئات المغلوبة على أمرها (المواطنين)، الشيء الذي سيجعل من وضع دولة كجنوب السودان تحت الإدارة الدولية سيئاً؛ ولكن ليس جداً.
ولقد وقعت دولة جنوب السودان تحت الإنتداب الدولي (فعلياً) منذ الوقت الذي بدأت فيه الحكومة بإنتهاج لعبة الإلتفاف على القرارات الدولية تحت حجج واهية وإفتراءات على المعارضة ورموزها، ولعل من العجائب حقاً أن حكومة السيد كير سرعان ما تكشف كل يوم خلال هذه الأزمة عن نواياها الحقيقية الخفية رغم جهودها الحثيثة في محاولة (تغليف) ما ترتكب من جرائم ضد الإنسانية بزعم أن قبيلة النوير تريد إنتزاع السلطة بالقوة!!
كرّست الحكومة في جنوب السودان لحكم الجهويات وعليها مسئولية إصلاح ما أفسدت، وليس هناك أكثر من ذهابها ومحاكمة رموزها الفاسدة وإعادة أموال الشعب التي تم نهبها بواسطة منسوبيها ووكلائهم، تكفيراً لما إرتكبت في حق هذا الشعب الذي لم يهنأ بأمن وطمأنينة منذ تسلّمت الحركة الشعبية مقاليد حكم الدولة.
تتباين وجهات النظر بين فرقاء جنوب السودان حول وضع الدولة تحت الإنتداب الدولي، فالحكومة بدأت برفض الأمر جملةً وتفصيلاً، والتدخل يعني في فقهها فقدان شرعيتها ومن ثم وزوالها إلى الأبد، وهو الأمر الذي تؤيده حركات المعارضة المسلحة، إذ تطرح هذه الأخيرة نفسها بديلاً للنظام في حال تم إجراء إنتخابات حرة ونزيهة في ظل ضمانات ودعم ورقابة على المستوى الدولي.
وعموماً لقد وصلت (قوات تتار القرن الحادي والعشرين) إلى جنوب السودان ولم يتبقَ منها سوى جزء قليل على مشارف بوابات جوبا، وإن شئتم الحق، والحق أحق أن يتبع، فإن وضع الجنوب تحت الإنتداب الدولي أمر أهون من حكم سلفا كير، وهو رأي السواد الأعظم من كبار الساسة والقبائل المهمّشة و(المهشّمة) والخبراء والمراقبين داخل وخارج جنوب السودان، إذ تمثّل هذه الخطوة الترياق الناجع دون تشظِّي الدولة الوليدة إلى كنتونات صغيرة (دويلات تديرها العصابات والمقامرون وسماسرة السياسة)، لإستحالة بقاء الوضع على هو عليه إلى الأبد.

إستيفن شانج
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الاخ استيفن بقولها من اعماق قلبى لم نتمنى ما حصل للاخوة الجنوبيين من جهجهة شبعوا منها وجاء سلفا كير وكمل الناقصة.وجود قوات اممية بهذا العدد الهائل معناه لا اعتراف بسلطة جوبا التى تدار بطريقة رزق اليوم باليوم وبعقبية القبائل والعشائر.والايام القادمة حبلى بالمفاجات….لك كل الود والتقدير.

  2. الاخ استيفن بقولها من اعماق قلبى لم نتمنى ما حصل للاخوة الجنوبيين من جهجهة شبعوا منها وجاء سلفا كير وكمل الناقصة.وجود قوات اممية بهذا العدد الهائل معناه لا اعتراف بسلطة جوبا التى تدار بطريقة رزق اليوم باليوم وبعقبية القبائل والعشائر.والايام القادمة حبلى بالمفاجات….لك كل الود والتقدير.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..