لكنهم رجال دولة

لو كانوا غير ذلك لعذرنا، ولكنهم رجال دولة. ورجل الدولة سواء أكان عضواً في حزب معارض، أم حاكم، أم مشارك، أم موالٍ، يجب أن يلتزم الموقف الذي يليق به كرجل دولة، والذي يتسق مع مؤسسات الدولة وسيادتها وكرامة مواطنيها، حال كونه رجل دولة. وقطعاً أن هذا الوضع يحتِّم عليه أن يوزن مواقفه وكلماته بميزان الذهب، ويمسك لسانه عن العبارات الجارحة والمستفزة، والموغلة في الاسفاف والسباب والشتائم.. أرأيت لو أن مسؤولاً على قمة حزب حاكم أو معارض، هل ستنفصل تصرفاته وممارساته التي يراها الناس رأي العين عن الحكومة أو الحزب الذي هو على قمته؟!

عبارات ممعنة في الإساءة والاستفزاز كم ابتلعها الناس بصعوبة ممن يسمُّونهم “رجال دولة”، وما أكثر ما سمعنا وتجاوزنا..

هناك بعض العبارات المبتذلة، والتي لو أنها صدرت من طالب في إحدى الجامعات أثناء أركان النقاش لعذرنا ذلك الطالب المتحمس، ولقلنا إن ابننا الطالب يملؤه حماس الشباب، ويحمله حملاً للدفاع عن الفكرة التي “خمُّوه” بها، وتملكته.. وسيطرت عليه.. وهو لا يزال تحت تأثيرها..

ولو أن شاباً؛ أو كادراً حزبياً قليل الخبرة، يريد أن يظهر الولاء لتقديمه، أو نظامه بشتم “الآخر” واستفزازه وتجريحه، لعذرنا… ولقلنا معليش.. بكرة يكبر.. ويتعلم من الخطأ..

ولو أن مواطناً عادياً، يمشي في الأسواق، ويأكل القديد، ويركب الركشة والكارو، لعذرنا.. ولقلنا معليش.. هذا رجل بسيط لا يعي خطورة ما يقول، ولا يدرك انعكاسات الاستفزاز وما يحمله من أبعاد..

ولو أن تلاميذ؛ دون العاشرة يباهون ويتنطع بثرثرة لا تخلو من المِراء لعذرنا.. ولقلنا.. إنما هم أطفال صغار فلا تثريب عليهم..

ولكني أتحدث عن آخرين.. نسمِّيهم ــ تجاوزاً ــ مسؤولين. ما كان لائقاً أبداً أن نسمع منهم كلمات “شتراء”.. مستفزة.. وجارحة.. تسيء إلى مناصبهم ودولتهم وأحزابهم..

حال كونك رجل دولة؛ فإنك تمثل الدولة، وسلوكك يعكس سلوكها وممارساتها. وحال كونك رئيس حزب.. أو أحد رموزه المتنفِّذين.. فإن ممارساتك وأخلاقك تعكس ممارسات وأخلاق حزب…

تحضرني قصة ــ حكاها الأخ كرشوم أيام تمرد الجنوب ــ تقول القصة إن أحد جنود التمرد الجنوبيين جاء إلى دار حداد بجنوب كردفان، وكان عارياً كما ولدته أمه، وطلب منه “ملودات”، فأعطاها إيَّاه، ولما طالب الحداد بالمبلغ، رد الجندي العاري: بأنه لن يدفع شيئاً لأنه حكومة.. فتساءل الحداد مستغرباً :”حكومة حفيان.. وما عندو لباس دا قاعد وين؟”.. فعلا كان الرجل يمثل ما كانت في نظره حكومة مقاومة شرعية. لكن بدت الحكومة لغيره عارية عندما جاء من يمثِّلها عارياً..!!

اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم.. وتقلبك في الساجدين..

الصيحة