الصحافة الحرة تطلع برة

إعلام الموقعين عن رب العالمين: الصحافة الحرة تطلع برة
أسامة أحمد خالد

في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي قرر ثري خليجي نافذ افتتاح سلسلة محلات للتسوق التجاري السريع/المريح أو ما يعرف لدى الفرنجة بـ (Convenient Stores). ولما كانت الفكرة تقوم أساساً على فتح محلات صغيرة لبيع المواد الخفيفة عالية الطلب في مواقع إستراتيجية يسهل الوصول إليها، فقد أوصت نتائج الدراسة التي أجراها فريق المسح بضرورة الاستحواذ على بعض المحلات التجارية القائمة نظراً لمواقعها الاستراتيجية وكذلك لتغييبها من الساحة كمنافسين محتملين. بدأ رجل الأعمال بإغراء مستأجري تلك المحلات بدفع (خلو رجل) مجزي لإخلائها فاستجاب بعضهم وتمنع آخرون. تخلى رجل الأعمال عن التفاوض مع المتمنعين ولكن لم يتخل عن فكرة إبعادهم فلجأ إلى مالكي العقارات التي تقع فيها تلك المحلات وقام بشراء العقارات بأكملها ومن ثم قام بطرد مستأجري تلك المحلات بصفته المالك الجديد للعقار.
ما كان لهذه الفكرة المخالفة لأخلاقيات العمل التجاري – لما فيها من إخلال بمبادئ التنافس الحر الشريف – أن تجد طريقها إلى صناعة الصحافة السودانية كحل أخير يلجأ إليه النظام الحاكم للسيطرة على الصحافة وإضعاف دورها الرقابي كسلطة رابعة لولا الأيادي الحكومية الخفية التي ظلت تستميت في تدجين الصحافة وتجيير وسائل الإعلام لصالح برامجها. لقد ظل ظلت النظام الحاكم يتبع مع الصحافة والصحفيين سياسة الجزرة مرة والعصا مرات عديدة فاتخذ من توزيع الإعلانات الحكومية والمشتريات الحكومية من الصحف والدعوة لمرافقة الوفود الرسمية في الرحلات الخارجية وأخيراً قيام بعض الوزارات بتقديم الإكراميات والعيديات والرمضانيات المباشرة إلى الصحفيين اتخذت من كل ذلك جزرات تمدها إلى الصحافة. فكانت المعاملة التفضيلية للصحف المنحازة والمحسوبة عليها بالإغداق عليها بالإعلانات الحكومية وحرمان الصحف غير الموالية من هذه الميزة التفضيلية كما أن هنالك التزام شبه رسمي ? إن لم يكن رسمياً بتوجيهات عليا- للدوائر الحكومية بشراء صحف بعينها إسهاماً في دعمها بزيادة التوزيع وحرمان صحف أخرى من هذه الميزة أما مسألة الرشاوى المقدمة في شكل إكراميات مباشرة فاسألوا عنها الصحفي الذي أفشى سر المظروف المحمول إليه في مكتبه من جهة حكومية لم تستح.
هذا عن الجزر أما عن العصي والسياط التي ألهب بها النظام ظهر الصحافة فهي كثر إذا ما عدت بدءً من التضييق على الصحف والصحفيين من قبل جهاز الأمن والمخابرات واضطرارهم لأضيق العيش بل أرغام بعضهم على الهجرة في أرض الله الواسعة بحثاً عن مراغم كثيرة وسعة لم يجدوها في أوطانهم. وقبل هذا وذاك لجأ النظام إلى الرقابة القبلية الأمنية الشديدة التي تراوحت بين تعديل وسحب للمقالات وتحوير طريقة عرض العنوانين وصولاً إلى سقفها الأعلى في منع الصحف من الصدور قبل الطبع أو حتى مصادرة الكميات المطبوعة قبل أن تذهب إلى المكتبات وكل ذلك بيد سلطة أمنية تعز من تشاء وتذل من تشاء. وقد ذهب النظام إلى أبعد من ذلك حين قام بإغلاق بعض دور الصحف ومصادرة ممتلكاتها وإيداع محرريها في قعر مظلمة دون مراعاة لحال من يعولون من والدين بلغوا الكبر وأطفال زغب الحواصل حيث لا حطيئة يسترحم ولا عمر يرحم. أما حادثة حبس المحرر الاقتصادي لصحيفة السوداني من قبل حرس وزير المالية لإجباره على الكشف عن مصدر معلوماته فهي سابقة تفتح الباب للجديد المبتكر في عالم البطش بالصحافة والصحفيين في عهد كنا نتوقع فيه تفهم المسئولين لما يجري في العالم من حولنا ولكن من يعش رجبا يرى عجبا.
كنت من الذين يرون بضرورة القيام بعمليات دمج مدروسة وجادة للصحف الكثيرة التي تعج بها الساحة حتى ننعم بصحافة مهنية في أدائها، قوية في رقابتها، ورصينة في طرحها وتناولها للقضايا لا تغشاها غاشية الأزمات المالية التي تجعل وجوه الصحفيين خاشعة وأقلامهم عاملة ناصبه وتحول الناشرين إلى جوكية يحتالون على الممولين. ولعلي قد طرحت هذا الأمر قبل سنوات ضمن تعليق لي بصحيفة الرأي العام ولكنني عدت فعدلت عن رأي بعد التنبيه المهم الذي لمسته في مداخلة للدكتور خالد التجاني في برنامج حتى تكتمل الصورة حين قامت وزيرة الدولة بالإعلام سناء حمد العوض بطرح الموضوع كمبادرة حكومية فأشار الدكتور خالد إلى العدد الكبير من الصحف الموالية للحكومة والمركز المالي الجيد الذي تتمتع به الشيء الذي يجعلها الوحيدة القادرة على شراء أصول وخصوم الصحف الأخرى الضعيفة فينتقل الأمر من مجرد الدمج إلى الاستحواذ الذي تكون الغلبة والسيطرة فيه للناشرين الموالين للحكومة فتروح استقلالية المستقلين شمار في مرقه الموالين.
أخيراً لجأ النظام إلى ما لجأ إليه رجل الأعمال الخليجي بالاستحواذ على الصحف عن طريق شرائها من قبل تجار موالين للحكومة ثم شرعت في التضييق على الأقلام التي لا تتبع خط النظام ولقد رأينا شيء من ذلك في طرد بعض الأقلام من بعض الصحف كما لحظنا أيضاً الإشارات المرسلة على عينك يا تاجر من بعض مسئولي الإعلام بالمؤتمر الوطني إلى مالكي الصحف من أعضاء الحزب الحاكم للقيام بالواجب تجاه بعض الأقلام الحرة. ففي دفاعه عن الرموز – لا أدري رموز البلاد أم رموز الفساد فقد أختلط الحابل بالنابل- وبطريقة رهم العفلاء مع ضرتها التي رمتها بدائها وأنسلت تنفيذاً لوصية أمها بأن تبدأ ضراتها بالعفال إذا ما عيرنها- أفتى الخبير الوطني ومستشار وزير (إعلام الموقعين عن رب العالمين) بفساد الأقلام التي طالت بالكتابة بعض رموز الفساد والإفساد وحماة المفسدين، ثم أرسل رسالة لا مواربة فيها إلى الناشرين ومالكي الصحف المنتمين إلى المؤتمر الوطني إلى بتر وكسر هذه الأقلام. فهل لنا أن نقول دعك عن قلم (الفاسد) ساتي الذي يستحق البتر والكسر كما تزعم وآتنا بالأقلام الطاهرة المتوضئة التي تجتهد في محاربة الفساد والمفسدين وأترك لنا بعد ذلك مهمة الكسر فصاحب العقل يميز!!! حقاً إنها حكاية (تيس السرة اللبلاب لا يعشر ولا يخلي التيوس تعشر).

تعليق واحد

  1. ماقصرت يا اسامة ومادايرين نبيع الموية في حارة ……….انتو العليكم التكل بعد الله وانتو فرسان المرحلة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..