واقعة من وقائع الإسلاموفوبيا

واقعة من وقائع الإسلاموفوبيا

ذات صباح باكر فى بداية صيف هذا العام إستيقظت مذعورا على سماع قرعا قويا متتاليا على باب بيتى مترافقا لرنين مزعج متواصل لجرس الباب. نزلت بسرعة من الطابق العلوى للدور الأرضى، وقلت بصوت عالى وانا أقترب من الباب بحق السماء من الطارق فى هذه الساعة؟ أوه – مسز براون. إنها جارتى الإنجليزية الستينية التى تقطن آخر الشارع طالعتني بوجه متجهم، وجها يمطر حزنا وقبل إستفسارى عن سبب تعاستها، صرخت فى وجهى وهى تندفع داخل البيت: تخيل الكارثة التى ستحل بى إبنتى تريد الزواج من مسلم!! ياللهول مسلم من أصل باكستانى وأضافت كرشاش يطلق رصاصه بلا إنقطاع وهى تدور فى أرجاء الصالون: يا للكارثة سيجر إبنتى الإنجليزية الراقية إلى عالمه البشع. لك أن تتخيل ستقف إلى جانبه تحمل رشاشا حين يطلقون الرصاص بدم بارد على رواد غير مسلمين بمطعم بلندن جاؤوا للإستمتاع بوجبة عشاء، فكانت وجبتهم الأخيرة – أو أن تتخنصر بحزام ناسف يحصد المئات فى محطة للقطار فى مانشستر أو بيرمنجهام، وفجأة أشاهد صورة ابنتى على شاشة التلفاز مع زوجها المسلم الإرهابـى البشع وأشلاء جثث الضحايا متناثرة وسط بحيرة من الدماء. يا للهول ستتجمهر كاميرات التلفزيون أمام مدخل بيتى ورهط من الصحفيين يلاحقونى بكاميراتهم أينما أذهب ثم تابعت وأنا صامت صمت القبور. سيضرب ابنتي (التي لم أصفعها أبدا فى حياتى) لتأديبها وعليها بأمر الشيخ ان تقول له شكرا. سيتزوج إمرأة إضافية أصغر سنا منها وستنظف لهما غرفة «ليلة الدخلة» وتبدل ملاءات السرير، وستشتري سريرين إضافيين لزوجتين قادمتين بعد ذلك! قلت لها: أنا مسلم فوجئت نظرت إلىّ بذهول مشوب بالخوف كأنها تراني للمرة الأولى، ثم ترنحت وجلست على أقرب مقعد وسألتني بلهجة تسيل دهشة: أنت مسلم؟ هذا لا يُصدق قلت لها: وثمة مليار ونصف المليار من المسلمين مثلى وتحيتنا: السلام عليكم، لا القتل لكم!! سقط فكها الأسفل ولم تقل شيئا. إلتقطت أنفاسها فتحت حقيبة يدها، اخرجت نوتة صغيرة وقلما كتبت شيئا على ورقة بعصبية ثم مدتها إلىّ قائلة: هذا رقم جوّال ابنتى جين ورقم زوجها برهان الدين خان. أرجوك أقنع ابنتى أن تعود لصوابها وأطلب من زوجها أن يتركها لشأنها. نحن جيران منذ عشرين عاما إنك رجل لطيف ومسالم أرجوك أرجوك ساعدنى. قلت لها وأنا أشيعها إلى الباب: دعى الأمر لى.
بعد بضعة أيام كنت أصلى الجمعة بمسجد (ويمبلى سنترال) فى شمال غرب لندن، وعقب الصلاة طلبت من إمام المسجد الشيخ عبدالستار (البنغالى الأصل) نسخة من القرآن الكريم باللغة الإنجليزية. وسردت له ما حدث لى مع مسز براون. قلت له إنها مدمنة للقراءة، تقرأ بنهم كل ما يقع على يدها نلتقى دائما فى قاعة المكتبة العمومية بالمنطقة التى نقطن بها. كثيرا ما نتبادل الآراء حول بعض الإصدارات و أحيانا تناقشنى فيما أكتبه بعمودى الدورى بإحدى الصحف الإنجليزية المحلية. ثمة سوء تفاهم هائل بيننا والحضارة الغربية. يقف بيننا ويتفاقم يوما بعد آخر ويتسبب في (الإسلاموفوبيا) التي صارت حقيقة أوربية مؤلمة لا يمكن إنكارها أو تجاوزها ونعيش نحن المسلمون تداعياتها المخيفة وتلاحقنا إرتداداتها المرعبة فى شوارع لندن ومدريد وباريس وأمستردام وفرانكفورت وكوبنهاجن وإستكهولم وغيرها من المدن الأوربية، نقف عاجزين تماما حيالها لا نحرك ساكنا. وأعتقد أننا لا نستطيع تصحيح صورتنا إذا لم نصحح حقيقتنا، والعلة ليست في المرآة بل في حقيقة ممارسات بعضنا. فالإرهاب هو أهم الهدايا التي قدمناها لعدونا وما زلنا، ناهيك عن حروب الإتهام الأخوي فيما بيننا. فى طريق عودتى لمحت مسز براون تقوم بغسل سيارتها أمام مدخل الجراج بمنزلها. ذهبت إليها . . بادرتنى متسائلة هل عادت إبنتى جين لصوابها؟ لم أجبها أعطيتها المصحف قائلا: هذا هو القرآن الكريم كلام الله. وأدرت ظهرى ملوحا لها بيدى مبتعدا وتركتها تهمهم بعبارات حال إبتعادى عن سماعها.
مضت بضعة أشهر لم أعد ألتقى مسز براون أو أشاهدها كما جرت العادة. قبل أيام وعند الظهيرة دق جرس باب بيتى بروتينيته المعهودة. فتحت الباب إنها مسز بروان واقفة أمامى طلت علىّ بعد طول غياب قالت لى بأدب جم: هل تأذن لى بالدخول – تفضلى جلسنا فى غرفة الصالون. ساد بيننا صمت لبرهة من الزمن فتحت حقيبة يدها وأخرجت المصحف الشريف ووضعته بعناية على المنضدة التى أمامها. قالت لى: يوم أعطيتنى نسخة هذا القرآن جئت فى صبيحة اليوم التالى وأودعت تماما مثل ساعى البريد رسالتك الخطية لى عبر فتحة صندوق البريد بباب بيتى الأمامى. لمحتك من نافذة الطابق العلوى وأنت تبتعد. دعنى أقرأ رسالتك:

جارتى العزيزة هيلين
أسعدت صباحا
ربما قرأتى فى الصحف فيما أوردته قصة الممثلة العالمية ونجمة هوليود الشهيرة ليندسى لوهان عندما أسند لها دور فى فيلم مسيىء يظهر إفتراءا مزعوم بعنف القرآن ورعونة الإسلام وكان سينتجه منتج يهودى وأعطوها نصوصا من القرآن الكريم حتى تتمرن على آدائها، لكنها تأثرت بهذا الكتاب المجيد، وبحثت عن عمق الإسلام، فوجدت نفسها أمام دين عظيم وشعرت بالراحة والإطمئنان فى حياتها بعد أن كانت تائهة كئيبة. تعمقت فى الإسلام وفاجأت العالم وهى ترتدى الحجاب و تحمل نسخة من القرآن تمشى فى أحد شوارع نيويورك.
الوصول إلى مغارة الإيمان له عدة مسالك وخيار المسافر فى أيهم سيسلك تختاره له المشيئة الإلهية. لن أطلب منك أن تحملى نسخة القرآن وتمشى فى شوارع لندن ولكننى سأصلى من أجلك لكى لا تضلى الطريق إلى المغارة.
المخلص جارك
ع. حمدان

وبعد فراغها من قراءة الرسالة، أخذت المصحف وضمته لصدرها ثم قالت: أبشرك بأننى وصلت المغارة بسلام. أريد أن أشهر إسلامى- قلت لها بهدوء: حسنا. ثم أردفت: أريد منك أن تختار لى إسم إسلامى ليكون إسمى المعروفة به من الآن فصاعدا – إسم هيلين براون لم يعد يناسبنى بإعتبار من أنا منذ اليوم. إستحضرنى على الفور إسم فاطمة، نعم فاطمة الزاهراء إسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء الجنة. على الفور هاتفت الشيخ عبدالستار: السلام عليكم أخى عبدالستار جاءنى صوته من الطرف الآخر يرد التحية بوده المعهود وقبل أن أبدأ حديثى معه باغتنى: أية أخبار عن جارتك الإنجليزية مسز براون؟ قلت له ضاحكا: تقصد أختنا فى الله . . فاطمة، هلل وكبّر ثم أثنى وحمد. طلبت منه لو تتطوع إحدى الأخوات بالمركز لتشرح لفاطمة على الجوّال كيفية الغسل حتى تغتسل قبل حضورها للمسجد برفقتى لإشهار إسلامها أمام الشيخ عبدالستار. وقد كان – وقبل أن تنهض سألتها إن كانت هاتفت إبنتها خديجة (جين سابقا) لتزف لها خبر المليون دولار كما يقولون. سأخبرها لاحقا عندما أزورها فى بيتها أريدها مفاجأة. أوه – كدت أن أنسى أرجو منك متوسلة أن تقبل إعتذارى لإزعاجى لك المرة السابقة فى ذلك الصباح الباكر عندما ضغطت جرس بابك وقرعته بعنف عدة مرات بطريقة مزعجة للغاية ودخولى بيتك لأول مرة مندفعة من غير إستئذان ولتحملك وقاحتى فى عقر دارك دون ضجر. كان بإمكانك طلب الشرطة ولكنك لم تفعل. قلت لها: لا داعى للإعتذار ربما أرسلتك ملائكة السماء. وما أن غادرت فاطمة، إتصلت على الفور بأخى برهان الدين خان زوج إبنتها وطلبت منه أن يحضر برفقة زوجته للمسجد قبل صلاة المغرب بوقت كافى لأمر هام لم أفصح له بماهيته. وصلنا المسجد فى الموعد المحدد كانت هناك قاعة صغيرة ملحقة، تتوسطها كراسى محدودة العدد ومنضدة فى الأمام يحفها ثلاثة مقاعد. جلست فاطمة الزهراء متشحة خمار أخضر أمام الشيخ عبدالستار (الذى شرح لها مسبقا كيفية النطق بالشهادتين) وفى الكراسى الخلفية بمحاذاة باب الخروج جلست أنا بجانب برهان الدين وخديجةوهم لا يعلمون من هى المرأة المتحجبة الجالسة فى المقدمة المستديرة لهم بظهرها والتى تتأهب لإشهار إسلامها. وبدأت المراسم وما أن نطقت فاطمة الزهراء بالشهادتين وسمعت خديجة صوتها حتى صرخت: أمى . . أمى هرولت مندفعة نحو أمها إلتفتت الأم لتفاجأ بوجود الأبنة تعانقتا طويلا وسط تهليل وتكبير الحاضرين. كانت دموع الفرح تختلط بدموع الإيمان بحضور نورانى جماعى مشترك مهيب، الأم تحضن الأبنة وزوجها فى عناق طويل عكس روعة التآلف والتراحم والمودة فى ديننا الحنيف. إلتفت إلى الشيخ عبدالستار قائلا: إنها هداية رب العالمين يصيب بها من يشاء من عباده فمن يهده الله فلا مضل له.

عزالدين حمدان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..