أرقام قياسية: زرت كوريا الشمالية مرتين ..!! (2- 2) ..

نواصل رحلة كوريا الشمالية، عام 1967، وكنا اول وفد سوداني يصل الى هناك، ممثلا لاتحاد الصحافة السودانية، برئاسة الاستاذ صالح عرابي، رئيس تحرير جريدة التلغراف والاستاذ احمد سهل محمد، ممثلا لصحيفة السودان الجديد وشخصي، بصفتي الأمين العام لنقابة الصحفيين. وكان الاستقبال حافلا في مطار العاصمة بيونج يانج، ومعناها ” أجمل أرض في العالم”.!
وكان مقر اقامتنا في بيت الضيافة، الذى يقع في ضواحي المدينة، اشارة الى اننا لا نستطيع مغادرته إلا وفقا للبرنامج الرسمي وبالتالي لا يمكننا اجراء مقابلات أو تحقيقات باختيارنا.. كنا مدركين لطبيعة الظروف التي تعيشها كوريا الديمقراطية، باعتبارها من البؤر الساخنة في مواجهات الحرب الباردة.. وكان عزاؤنا، صحبة الاستاذ صالح عرابي، الذى يعد من ظرفاء عصره، دائم الابتسامة والسخرية، أضفى علينا بهجة، بددت صرامة مضيفينا !. وبالفعل بعد فترة وجيزة من وصولنا بيت الضيافة ، اكتشفت وزميلي أحمد سهل، أن الجناح الذي خصص للأستاذ صالح تتوافر فيه كماليات، باعتباره رئيسا للوفد، وهذا تقليد طبيعي في معظم الدول، إلا أننا لاحظنا عدم وجود أقلام وأوراق للكتابة مثل ما عنده، والمفروض مساواتنا جميعا في هذا الامر، فذهبنا إليه ضاحكين ومستنكرين لهذه التفرقة، وبعد دقائق من شكوانا، طرق باب الجناح ودخل موظف يحمل أوراقا وأقلاما !، عندئذ، أشار الأستاذ صالح إلى فمه بسبابته، وكتب لنا على ورقة امامه ” الغرف ملغومة بأجهزة التنصت”، ” سيكون حديثنا بالإشارة وونستنا بالكتابة “!
وبدأ يتحدث باستفاضة عن عظمة كوريا وزعيمها الرئيس كيم ال سونج ، بينما يومئ بيديه وأصابعه بإشارات ساخرة، ونحن في ضحك مكتوم، وفجأة توقف وكتب لنا،” إلى البلكونة،”
وأسرعنا إلى هناك، وقال بجدية، هل سمعتم قصة ذلك الوزير المصري، الذى أقاله الرئيس عبد الناصر فجأة، فذهب إليه أحد الشبان من العاملين في مكتبه مواسيا، وأخذ الشاب يستدرجه في الحديث، والوزير يشك في أمره، ولم يجاريه وعلى العكس، أشاد بالرئيس عبد الناصر وعدله، وفي الوقت نفسه، كان يرفع يديه إلى السماء، شاكيا ومستنكرا للقرار!، وعند نهاية المقابلة قال الوزير للشاب: يا ابنى، اعرف أن الساعة التي في يدك جهاز تسجيل!، لكن الشاب قاطعه: لا معاليك، إانها جهازي تسجيل وفيديو !!
كانت صراعات الحرب الباردة، بين المعسكرين الشرقي والغربي على أشدها في ذلك الوقت من ستينيات القرن الماضي. وكان الصحفيون، من الأهداف المرصودة من الجانبين، مما يتطلب التعامل معهم بحذر شديد!
وبدأنا برنامج الزيارة المرهق، وتضمن متحف الثورة والذى يوازى في مساحته، حيا سكنيا كاملا، احتوى على تفاصيل التفاصيل، الأسلحة، حطام الطائرات والسفن والدبابات، الملابس، صور الاسرى الخ… و تماثيل لا تحصى للزعيم كيم ال سونج وتحركاته طوال سنوات الحرب التي امتدت من عام 1950 إلى 1953.. امضينا يوما كاملا في المتحف .. وكان برنامج اليوم التالي، زيارة جميع البيوت التي سكن فيها الرئيس كيم ال سونج منذ مولده، ثم توقفنا عند شجرة ظليلة مسيجة بأناقة .. وانبأنا المرافق: عندما كان الزعيم كيم ال سونج في السابعة من عمره، تصارع مع واحد من أنداده تحت هذه الشجرة وتغلب عليه وطرحه أرضا في هذا المكان…!
قد يصعب علينا، فهم هذا التقديس للفرد، لكنها ثقافة وعقيدة أسيوية، ضاربة الجذور في الصين واليابان وكوريا، ونتيجة للحروب المتواصلة في المسار التاريخي لتلك الشعوب، تجسد رمز المخلص في أشخاص زعماء ومصلحين مثل بوذا والدلاى لاما !
ونجح كيم ال سونج في إقامة دولة، معتدة بتاريخها، وعبأها وفقا لنظرية “جوجى” وتعني الاعتماد على النفس والادارة الجماعية، وطور نظرية البلورتاريا بتحالف العمال والمزارعين والمثقفين، وأصبح شعار الدولة، المنجل والمطرقة والريشة …
وكان من ضمن برنامج الزيارة، زيارة مصنع للنسيج، ووجدنا مفاجأ ة في انتظارنا .. أخبرونا أن مناخ كوريا الشمالية لا يتناسب وزراعة القطن، لذلك كان التحدي، كيف ينتجون أقمشة، بدون قطن؟، وتبارى العلماء حتى وصلوا إلى سر لم يباح به حتى الان، بما في ذلك أقرب الأصدقاء، الصين .!..ودخلنا المصنع فوجدناه عبارة عن طواحين ضخمة مماثلة لطواحين الدقيق في القرى السودانية!! أمامنا أخذ العمال كتل من “الحجر الجيري” وأدخلوها في الاقماع الكبيرة للطواحين وأضافوا إليها بعض المواد، تابعنا طحنها حتى تشكلت خيوطا رقيقة ثم ادخلت في مناسج آلية لتتحول إلى أقمشة ناصعة البياض! وقدم لنا مدير المصنع قطعا منها تكفي لحياكة جلباب، هدية تذكارية !!
وزرنا مصنعا آخر لصناعة الجرارات، وحكى لنا مدير المصنع بصراحة، أنهم استفادوا من الحظر الدولي الذي فرضته عليهم الأمم المتحدة، فأصبحوا غير مقيدين بحقوق الملكية، فجمعوا نماذج من الجرارات المعروفة عالميا وعكفوا على دراستها وتقليدها قطعة، قطعة، حتى نجحوا في تصنيع الجرار الأول، لكنهم عندما أداروه كان يسير فقط إلى الخلف!، وأمضوا عدة أشهر لحل هذه المعضلة، ونجحوا أخيرا في تسييره إلى الأمام والخلف!! واعتقد أنهم ثابروا بجهد مماثل، حتى تمكنوا من تخصيب اليورانيوم وصنع قنبلة نووية، وإن كانت بدائية !
وخوفا من قصف مصانعهم، في أي حرب محتملة، شيدوا معظم مصانعهم، بتصميمين، فوق الارض وتحت الارض !
طوال الزيارة والتي امتدت لأسبوعين، كنا معزولين عن العالم تماما، التلفزيون على محطة واحدة وكذلك الراديو! والمسرح يعج، بالروايات الممجدة، لنضال الشعب والزعيم !، وفي احتفال نظم بمناسبة انتهاء الزيارة، تحدث الأستاذ صالح عرابي عن الوشائج التاريخية التي تربط الشعبين الكوري والسوداني، وقال إن الشعب السوداني يتغنى بانتصارات الشعب الكوري، وردد الاغنية الشعبية الشهيرة في السودان ” الله لي كوريا يا شباب كوريا ” وأضاف إليها من عنده أبيات تشيد بالرئيس كيم ال سونج، قائلا ” كيم ال سونج يتعلى وتاني مابيندلا “! وقوبل بالهتافات والتصفيق الحار ..وكانت المصيبة عندما قال، إن السودانيين فخرا بنضال الشعب الكوري، اطلقوا اسم “كوريا” على العديد من الأحياء في مختلف أنحاء السودان، وكان صادقا، إلا أن معظم هذه الأحياء التي تحمل اسم كوريا، كانت مرخصة بيوتا للدعارة في ستينيات القرن الماضي!، وقوبل خطابه بالهتافات ونشر في مانشتات الصحف، وأاعلن في اليوم الثاني أن وفدا إعلاميا سوف يزور السودان، خلال أسبوع، لزيارة أحياء كوريا، وانتاج أفلام سينمائية عنها وتوأمتها مع أحياء هنا، خاصة ذلك الحي المجاور لمقابر فاروق، في الخرطوم !!
ولعلها مفارقة، لا بأس من ذكرها، في هذا السياق .. اثناء حفل وداع وفدنا، كنت أقف مع المترجم الشاب، وهو في منتصف العشرينيات من عمره، ويتحدث اللغة العربية الكلاسيكية المتقعرة، وقد تناول كميات كبيرة من شراب “الجينسنج” المسكر، فسألته عن علاقات الشباب وكيف يرفهون عن انفسهم؟ فأجابني … يا رفيق حتى الان لم أذق طعم القبلة ولن يتاح لي ذلك الا بعد زواجي !
وقلت في نفسى : سبحان الله انه لا ينتمى إلى أي دين سماوي !

من ذاكرة الأوراق:
? إنه مثل الدمية الخشبية الروسية المزخرفة، تخفي داخلها دمية أخرى والأخرى تخفي أخرى وهكذا لأخر دمية ولا تنتهى الأقنعة!
? الشيطان لا يعرض على الانسان الطمع لأنه يعرف انه أطمع منه.!
تبدأ المأساة حين ينظر الناس إلى الأمر غير العادي كأنه من الأمور العادية، فتصبح القاعدة هي الاستثناء الاستثناء هو القاعدة وتضطرب القيم وتفسد المعايير
“برتولد بريخت”
? أحزاب تتبادل عمليات الطرح ضد بعضها وتتبادل النكاية بغريزة موروثاتها كل محور يعمل على سد الطريق على المحور الآخر!
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كنا نعتقد بأن انسان مثلك يمكن ان يكتب شيئ مختلف عن البروبغاندا التي نسمعها

    يوميا عن كوريا الشمالية . ماذا اضفت لمعلوماتنا بمقالاتك الأثنين . لا شيئ بل

    يمكن ان نجد في الكثير من المواقع ما هو افيد من ما طرحته هنا .

    ياخي ما دايرنك تشكر … لكن كمان ما تجتر لينا الكلام المجوج اللي بنسمعوا

    يوميا . دا فعلا ضياع قروش ناس فاقدي الموهبة الصحفية يمشوا يزورا بلاد ويكرروا

    في كلام البربقاندا المعروف سلفا .

  2. سيد مجودي
    والله العظيم لا اعرفك ولا اعرف يحيي العوض الا من كتاباته لكن الحقيقة تقال . قد تكون انت ملم بالمعلومات التي قالها الكاتب فلماذا تحرم الذين لم يعرفوها خاصة من كاتب ضليع مثله . في كل مقاله بل في كل مقالاته لم اجد غلطة واحدة لا املائية ولا نحوية عكسك تماما في السطر الاول فقط مما كتبت توجد ثلاث غلطات نحوية اريحونا من نقاتكم والتي لا تضيف شيئا نافعا !

  3. كنا نعتقد بأن انسان مثلك يمكن ان يكتب شيئ مختلف عن البروبغاندا التي نسمعها

    يوميا عن كوريا الشمالية . ماذا اضفت لمعلوماتنا بمقالاتك الأثنين . لا شيئ بل

    يمكن ان نجد في الكثير من المواقع ما هو افيد من ما طرحته هنا .

    ياخي ما دايرنك تشكر … لكن كمان ما تجتر لينا الكلام المجوج اللي بنسمعوا

    يوميا . دا فعلا ضياع قروش ناس فاقدي الموهبة الصحفية يمشوا يزورا بلاد ويكرروا

    في كلام البربقاندا المعروف سلفا .

  4. سيد مجودي
    والله العظيم لا اعرفك ولا اعرف يحيي العوض الا من كتاباته لكن الحقيقة تقال . قد تكون انت ملم بالمعلومات التي قالها الكاتب فلماذا تحرم الذين لم يعرفوها خاصة من كاتب ضليع مثله . في كل مقاله بل في كل مقالاته لم اجد غلطة واحدة لا املائية ولا نحوية عكسك تماما في السطر الاول فقط مما كتبت توجد ثلاث غلطات نحوية اريحونا من نقاتكم والتي لا تضيف شيئا نافعا !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..