حالة إحباط خطيرة..

ألاحظ في الشهور الأخيرة أنَّ إقبال السودانيين على وسائط التواصل الاجتماعي الإلكترونية.. مثل تطبيق التراسل الفوري ?واتساب?، قد انخفض بصورة كبيرة.. صحيح أنَّه يفور أحياناً حسب سخونة الأحداث العامة ويخبو، إلا أنَّ الانحسار أصبح سمة عامة..

ربما يفسر البعض الأمر ? الانحسار- بأنه رد فعل لقانون المعلوماتية والعقوبات الصارمة التي تطال الاستخدام العشوائي للوسائط.. لكن في تقديري أنَّ الأمر لا علاقة له بالقانون أو الرهبة من شبح العقوبات..

في تقديري الأمر يرتبط بحالة (تخمة) حقيقية من الإحباط والإحساس بالفراغ والروتين الثقيل، فالرسائل التي يتبادلها الناس في الأثير الإلكتروني باتت من فرط تكرارها أشبه بحصة مملة.. حتى النكات التي غالباً ما تبدأ بـ(كان في واحد مسطول) ضجر منها الناس وأضحوا لا يطيقون حتى خفة دم (المساطيل).. بعد أنَّ ثبت تماماً أنَّ (العاقلين) الذين يؤلفون هذه النكات لم يعد لديهم جديد..

ورسائل (منقول) التي هي غالبها ملفق و(مدبلج).. هي الأخرى أصبحت مكرورة لدرجة يكفي أن تقرأ أول سطرين منها لتعلم ما فيها.. ولم يتبقَّ إلا بعض الرسائل الأخرى التي تنتهي بعبارة (انشرها لعدد 10 من أصدقائك وسينالك أجر كبير..) وهي الأخرى لم يعد فيها جديد..

هذه الحالة (المحلوجة).. خطيرة للغاية، لأنَّها تكشف إلى أيِّ مدى وصل الحال في البلاد.. تجمد وتبلد سببه الرئيسي أنَّ الوضع العام لم يعد فيه جديد.. الحكومة تجتهد في تكرار نفسها.. والمعارضة تعيش على بعض الأحداث التي تتفضَّل بها عليها الأقدار.. وبقية الشعب ينظر يمنة ويسرى فلا يرى في الأفق سوى (ظلام كفيف البصر) على قول شاعرنا ?الحسين الحسن? ..

بكل المقاييس هذه الحالة تستوجب البحث عن رؤية جديدة للبحث عن مستقبل البلاد.. فالقائمون على الأمر الآن باتوا أقرب إلى معاشيين انفضت أحلامهم وطموحاتهم، وما بقي لهم سوى (اليوميات) التي تسرق الزمن وباقي العمر في انتظار لا شئ.. سوى الانتظار.

أجيال حاضرة وأخرى قادمة ذنبها معلق في رقبة هذا الجيل، أن لا يكون في خاطرنا رؤية لمستقبل البلاد.. فتمر السنوات ويظل الحال على ما هو عليه من سوء بل وأكثر..

هذه دعوة للتعجيل بجمع ما تبقى من رشد وراشدين.. للنظر في رؤية سديدة لمستقبل هذا الوطن الحبيب.. ليس مطلوباً أكثر من فكرة تبدأ بذرَّة صغيرة، ثم ما تلبث أن تكبر مع الزمن لتصنع واقعاً يغلب الواقع المقيت.
التيار