ابا انقداح الشرارة

لم يكن احد يتصور ان جيش الخديوي الذي لايقهر والذي فتح السودان وملا قلوب الاهليين رعبا والذي جندي واحد منه يخيف الجموع العديدة الاهالي ويرعبهم. ولم تسطتع ثورات السودانين المتلاحقة طيلة العهد التركي المصري ان تفق وتصمد امامه فقمعها واحدة تلو الاخري ان ياتي حفنة من العراة الجياع يمزقونه شذر مذرويذيقونه الهزائم المتتالية كان البداية لهذا الطوفان الجامح الذي اكتسح كل شي في جزيرة ابا اعلن الامام محمد احمد المهدي الدعوة المهدية و,انه قد جاءته مبشرات وروي من النبي صلي الله عليه وسلم بانه المهدي المنتظر وامره ان يكاتب المكلفين وهذه امثلة لما جاء في منشوراته (اني لا اعلم بهذا الامر حتي هجم علي من الله ورسوله من غير استحقاق فامره مطاع وهو يفعل ما يشاء ويختار)(وقد امرني سيد الوجود صلي الله عليه وسلم بمكاتبة المسلمين ودعوتهم الي الهجرة معنا الي محل يكون فيه قوام الدين واصلاح امر الدارين )(فلازم تحضروا معنا في رمضان لاتتخلفوا فيحل بكم الخسران في الدارين).ارسل المهدي عدد كبير من المناشير لزعماء القبائل والاعيان ورؤساء الطرق الصوفية في مختلف انحاء السودان .ودعاهم للتصديق بمهديته وقبل ذلك قام بزيارة كردفان وحاضرتها الابيض المكان الذي ستتفجر فيه الثورة ويصبح حاضنا للثوار بعيدا عن يد المستعمر لتهيئة الاجواء للثورة وكسب الحلفاء وبالفعل وعده عدد من اعيان كردفان بالقيام ومؤازتهم حال اعلان الثورة .وقعت بعض منشورات المهدي في يد الحكومة فارسل اليه رؤف باشا حكمدارالسودان يساله عن صحة نسبتها اليه فاكد في رسالة انها صدرت منه وانه المهدي المنتظر فارسل رؤوف باشا احد معاونيه وهو محمد بك ابو السعود بباخرة لاحضار المهدي الي الخرطوم ولما وصل ابو السعود الجزيرة ابا قابل الامام المهدي ودعاه الي الذهاب معه الي الخرطوم للقاء الحمكدار والرجوع عن دعواه بالمهدية وحذره من بطش الحكومة الا ان المهدي اظهر صلابة في وجه تهديد ابو السعود ورفض الذهاب معه للخرطوم لملاقاة الحكمدار قائلا انا ولي الامر في هذا الزمان وشرع في تقديم الادلة علي انه المهدي المنتظر.امام هذا الثبات لم يكن امام ابو السعود الا العودة للخرطوم وابلاغ روؤف باشا بنتيجة المقابلة وفشل الحل السلمي مع المهدي .اعد الحكمدار فرقتين من الجند علي كل فرقة قائد برتبة صاغ ومدفع جعل قيادتهم لمحمد بك ابو السعود وارسلهم بالباخرة للقبض علي المهدي وانصاره .اما المهدي عند ذهاب ابو السعود جمع اصحابه واخبرهم ان الترك لامحالة عائدون للحرب وانه احلهم من البيعة التي في اعناقهم فمن شاء خرج بامواله وعوائله الا ان انصاره جميعهم قرروا مواجهة العدو والفتال معه حتي النهاية
وارسل المهدي للقبائل التي حول الجزيرة ابا يستنفرها للجهاد خاصة قبائل دغيم وكنانة فاجتمع عنده 350 مقاتلا
المعركة
ولما كانت ليلة الجمعة 16 رمضان 1298ه _12اغسطس 1881 م بلغ المهدي ان الحملة حضرت بالباخرة فامر رجاله بالاستعداد للحرب ان يكون علي كل عشرة منهم مقدم ,وبعد ان بايع المهدي جنوده تقدم لمقابلة العدو خارج القرية وكمن لهم في الطريق ,وفي فجر يوم الجمعة المذكور وصلت الباخرة بالعساكر فرست تجاه القرية وخرج العساكر منها وساروا نحو القرية علي غير انتظام فانه عند وصول اولهم الحلة كان اخرهم لم يزل عند الباخرة.والسبب في ذلك انه وقع خلاف بين قائدي الفرقتين فادعي كلاهما انه المقدم والرئيس فكان احدهما يامر العساكر بشي والاخر يامرهم بغيره فاختل نظامهم. كما ان ابو السعود وعد قائدي الفرقتين بحافز وترقية لمن ياسر المهدي اولا.وانفصل النصف الثاني ليطوق القرية من الشرق.وتدافع القائدان للوصول الي القرية واسر المهدي والفوز بالحافز والترقية فوصلا في وقت واحد للقرية وظن القسم الايمن ان الرايات المرفوعة فوق رؤوس محاربي المهدي هي الرايات التي توضع فوق القبور عادة ,فاستمر في التقدم الي ان اصبح علي مسافة قصيرة من صفوف المهدي,فحرم جنوده من ابراز تفوقهم الناري ومكن صفوف المهدي من الاقتحام والالتحام معه بدون خسائر تذكر .ولما تنبه اخير الي ان هذه صفوف العدو امر باطلاق النار .ولصعوبة الرؤيا اطلق كلا القسمين النار علي الاخر .وفي وسط هذا الاضطراب .انقض المهدي الذي كان كامنا برجاله في هجمة واحدة علي الجنود الذين غاصت اقدامهم في الارض الطينية ولم يستطيعوا حراكا لاتخاذ مركز ضرينار احسن .وتمكن من ابادة العدو في دقائق الا من ثلة بسيطة استظاعت السباحة لتلحق بالباخرة ,ولكن ابو السعود الذي هزته مقابلته الاولي مع المهدي امر ربانها بالاقلاع وبالتالي لم يعد احدهم للخرطوم ابدا.
وما حدث في ذلك الاشتباك يبرز سمة تلاحظ داثما في انتصارات المهدي الاولي,اذ كان يستغل الارتباك والاخطاء العسكرية خير استغلال فكان يتحن اللحظة المناسبة ليضرب ضربته القاضية ,ولحظة الضعف هذه لاتدوم طويلا كما دل الارتباك الذي حدث في ابا ,والاهمال والاستخفاف الواضح في حملة يوسف الشلالي ,حين نام جنوده ملء اجفانهم فلم يتخذوا ابسط الاحتياطات من دوريات وديدبانية ,وكذلك الخلافات الدائمة بين علاء الدين وهكس وتكديس قواتهما في ذلك المربع الذي لا يخطئه رام مهما بلغ من خطا تصويبه .
انتشرت انباء انتصار المهدي انتشارا كهربيا في كل انحاء القطر ,واسرعت القبائل التي لازالت تعطي وزنا للبقية الباقية لهيبة الحكومة وارسلت مبعوثيها الي ذلك الشيخ الذي هزم قوات الحكومة برجاله العراة الضعاف .
ولكن المهدي كان اخر من تثمله خمرة النصر ,فقد ادرك ان الحكومة لن تسكت علي هزيمتها وان ابا سوف تصبح قفصا كبيرا لو انتظروا بها,فهاجر الي كردفان بعيدا عن مخالب الخرطوم وانضم اليه في الطريق الاف الرجال مبايعين المهدي بارواحهم ,فلن يفقدوا شيئا غير القهر والضرائب والعذاب.
واختيار المهدي المهدي لتوقيت الهجرة كان اختيار جديرا بالاعجاب .ومن تلك اللحظة بدا ذلك الحس الاستراتيجي الصادق يلازم كل قرارته .فالسكان في مركز حشده الجديد كانوا قوما يهزهم الانتصار والنجاح الحربي .وعندما هاجر من ابا هاجر وهو منتصر بعد ان سحق قواات الحكومة ,ولكنه ان هاجر قبل المعركة فلن ينظر اليه خلاف النظرة الموجهة للاجي مطارد .
المصادر
تاريخ السودان وجغرافيته نعوم شيقر
كرري عصمت حسن زلفو
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تصويب
    وملا قلوب الاهليين رعباالصواب الاهلين
    كتاب تاريخ السودان وجغرافيته نعوم شقير

  2. تصويب
    وملا قلوب الاهليين رعباالصواب الاهلين
    كتاب تاريخ السودان وجغرافيته نعوم شقير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..