تحت عدسة جنيف

بينما تنعدم فضيلة الإقرار من أي نظام في العالم بممارسته انتهاكات لحقوق الإنسان، لا تجد بالمقابل هناك دولة في هذا العالم مبرأة في مراصد وتقارير الانتهاكات الحقوقية من ممارسة شكل من أشكال الانتهاكات لحقوق الإنسان.. فأعظم الديموقراطيات في العالم.. ألمانيا، أمريكا، فرنسا، بريطانيا، سويسرا نفسها تجدها تتعرض لحملات تنتقد انتهاكها لحقوق الإنسان بمستويات مختلفة ودرجات بالطبع متفاوتة .
صحيح أن بلداننا أكثر تعرضاً للانتقادات الحقوقية وهي بالفعل الأسوأ حقوقياً.. لكن اختلاف معايير القياس والتقييم يجعل الغرب يدين معظم الدول الإسلامية بممارسة انتقاص وانتهاك لحقوق الإنسان في قضايا لا تحرص الدول الإسلامية حتى على دفع مثل تلك الاتهامات عنها بكونها لا ترغب مبدأً في توفير نوع من الحقوق الجديدة المكفولة في الغرب لأنها تتعارض مع المبادئ الدينية والفطرة السليمة بمعاييرنا .
وهذه ليست مقدمة تبريرية لما تعانيه بلداننا من تأخر في ملف حقوق الإنسان، لكنها مقدمة مهمة لتأكيد أن المثال النموذجي للدولة التي ترعى حقوق الإنسان بشكل كامل بحسب معايير العالم اليوم ليس محققاً على أرض الواقع في أي دولة في العالم، كما أن الدول الإسلامية لا ترجو ولا ترغب من الأساس في نيل الدرجة الكاملة، تلك التي تعني ضمان حقوق المثليين وغيرها من القضايا التي تمثل خطوطاً دينية وأخلاقية حمراء وغير قابلة حتى للنقاش .
أما السودان وبحكم الظروف الاستثنائية التي يواجهها من تمرد ونزاعات قبلية وسياسية وتخلف اجتماعي واقتصادي، لم يكن ذلك سبباً لتصنيفه فقط ضمن الدول الأقل نمواً بمعايير السياسة والاقتصاد بل ظل أيضاً من الدول الأقل نمواً بمعايير حقوق الإنسان، لأن منظومة التطور والنهضة في المجالات المختلفة متكاملة تشترط أعلى درجة من الاستقرار والهدوء والتصالح والوفاق الذي ينتج النمو الشامل ويجعل الدولة تتجه لتطوير وضعها الدولي وتخرج نفسها من قوائم الاتهام والإدانة السياسية والاقتصادية والحقوقية كم تمضي إلى الأمام .
كل هذه الأسباب تجعلنا نعتبر أن جولة حقوق الإنسان في جنيف لم تكن سيئة في مخرجاتها، بل كانت ثمراتها مرضية إن لم نقل جيدة جداً برغم انتقادات مندوب الولايات المتحدة وملاحظاته الحقوقية وملاحظات الخبير المستقل نفسه والتي تفاوتت ما بين اللوم والثناء، لكن الحكومة السودانية رحبت في نهاية الأمر بقرار المجلس بتمديد مهمة الخبير المستقل المعني بحال حقوق الإنسان في السودان أريستيد نونوسي سنة إضافية، تحت البند العاشر لأنه إذا لم يكن هناك تقدم في موقف السودان الحقوقي تحت عدسة الفحص الحقوقية الدولية في جنيف، فإن تلك العدسة على الأقل لم تر أن هناك تراجعاً أو تقاعساً عن الرغبة في تطوير حالة حقوق الإنسان في السودان بما يستدعي فرض وصاية حقوقية على السودان .
وطالما استمرت الحروب والمواجهات مع التمرد في هذا البلد، فإن الخروقات والأخطاء الحقوقية ستكون واردة الحدوث، ويكاد أن يكون من المستحيل تحقيق أفضل حالات حقوق الإنسان في ظل وجود ظروف أمنية في أي بلد من البلدان الأخرى المصنفة في الترتيب الحقوقي المتقدم دعك عن السودان.
الصادقون في رغبتهم بتطوير حقوق الإنسان في بلادنا عليهم أن يعملوا على إبطال مفعول الرصاص أولاً قبل أن يرصدوا تداعيات هذا الرصاص الذي هو في حد ذاته أبرز مظاهر الانتهاك في حق إنسان هذا البلد في العيش آمناً بلا خوف ولا نزوح .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..