مغتربى السعودية بين المطرقة والسندان

مغتربى السعودية بين المطرقة والسندان

دوام الحال من المحال، لم تعد المملكة النفطية قبلة ترضاها العمالة الوافدة إليها بعد أن غدت بيئة طاردة عكس ما كانت عليه فى العقود الماضية. ويواجه حوالى ثلاثة مليون مغترب سودانى ضمن الأجانب المقيمين هناك، قسرية العودة للسودان فى ظل تطبيق قرارات مجحفة بحقهم و فرض ضرائب ورسوم أثقلت كاهلهم خصوصا محدودى الدخل منهم، إضافة إلى إرتفاع الأسعار بشكل لا يتناسب مع تحمّلهم الغربة، والشقاء لأجل لقمة عيش كريمة، فشرع الآف منهم وسبقهم أسرهم فى مغادرتها ويتوقع مغادرة ربع المقيمين حتى عام 2018.
تواجه السعودية سنوات عجاف من العجز المالى، حيث أعلن صندوق النقد الدولى أن معدل نمو إقتصادها قد يقترب هذا العام من الصفر، مع إستمرار إنخفاض أسعار النفط وهى تحتاج إلى سقف 70 دولار للبرميل حتى تغطى إنفاقها الحكومى و الحرب فى اليمن تبلغ تكلفتها الشهرية 600 مليون دولار إضافة إلى التوترات فى منطقة الخليج و تحديدا الحصار على قطر الذى كلفها 22 مليار دولار كان خصما على صادرات قطاعها الخاص للدوحة. السعوديون يُدركون تماماً أن اقتصادهم سيُواصل تعثّره، وقادم التمويل لتخفيض نسبة العجز سيكون من جيوبهم لا محالة، عبر فرض الضرائب، ورفع الأسعار. جُيوب المُواطنين ليست وحدها المُستهدفة من قبل الحكومة، فالمُقيمون ?الأجانب? على أراضيها ستفرض عليهم رسوماً، وذلك في الربع الأول من العام 2018 تبدأ من 400 ريال وتصل إلى 800 ريال في العام 2020، وذلك في القطاعات المُستهدفة بالسعودة، أما القطاعات التي تقل فيها السعودة، فستبدأ الرسوم من 300 ريال، وتصل إلى 700 ريال العام 2020. هذا بالإضافة إلى فرض رسوم على تحويلات الأجانب الماليّة خلال العام2017 وضريبة الخروج والعودة الجديدة بواقع 200 ريال لكل شهرين غياب و100 ريال لكل شهر إضافى. وجاء إرتفاع أسعار الطاقة والمياه والضريبة الإنتقائية على السلع الكمالية تتراوح بين 50 % و1000 % وزيادة رسوم وضرائب أخرى مباشرة وغير مباشرة بعضها لم يسبق له مثيل ليزيد الطين بلة، و يفاقم الضغوط المترتبة على المغتربين والأضرار الجسيمة التى ستلحق بهم وهى تفرض طرح أسئلة جوهرية ? فأين السبيل للخلاص بعد أن أغلقت الوطأة الإقتصادية الأبواب بوجههم وجار عليهم الزمن؟ حذارى من عواقب سوء تقدير المآلات، أو الأخذ بعين الإعتبار جدليات البعض التى يغلب عليها السطحية، تغفل الحقائق و تدفن الرؤوس فى الرمال!
العائدون للسودان عاجلا أو آجلا فئات مختلفة فيهم المهنيين كالأطباء والصيادلة والمهندسين والمحاسبين والإداريين وأصحاب المهن الحرفية و قطاع كبير من العمال غير المهرة. منهم من وطد منذ سنوات إستثمارات تدر عليه دخلا محترما وأصبح من الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون، منهم من جمع القرش الأبيض لليوم الأسود حرم نفسه من الكثير طوال سنوات الإغتراب وعليه أن يعرف جيدا من أين يبدأ؟ منهم كل ما يملك سقفا فوق رأسه أو أرضا تنتظر البناء والتشييد، ومنهم من دارت عليه الدنيا بطريقة فجة تعرّض لإنتكاسات عديدة وتجارب مريرة أضاعت تحويشة العمر و أسقطته فى بحر من الديون المثقلة، يحمل همومه الواسعة بين جنبيه و يخشى عند العودة تواطوء الماردان الفاقة والمرض عليه. لكل منهم رواية و لكل منهم حكاية تسرد بدرامية تفاصيل النجاح الباهر أو مآسى الفشل الذريع من على أكتاف كفاح عبر سنين طويلة سحبت من رصيد العمر، سواء أثمر وينعه أو لم يثمر. وهؤلاء المغتربين بمختلف فئاتهم المتأهبون منهم أو المبطئون فى المغادرة، وجهتهم واحدة هى الخرطوم. منهم العائد بعد طول غياب من مغترب يعرفه إلى وطن لا يعرفه لم يعد موجودا إلا فى خرائب الذاكرة، فما أشقى المرء أن يكون غريبا فى وطنه. وطن تبدلت فيه الوجوه وتباينت السحنات وتعددت الجنسيات أكثر من ثمانين جنسية طبقا للمصادر الرسمية، وتزايدت أعداد الوافدين و كثر المتجنسين وهم أصحاب الحق والحقوق، وطن تردي فيه أحوال الناس المعيشية وانتشار الجريمة، إختلت الموازين فى المجتمع، فالجاه والرفعة من نصيب اللصوص والذل والهوان والبؤس من نصيب الشرفاء.
العائدون تنتظرهم العاصمة القومية، تسربلت شوارعها، أسواقها وساحاتها بالأوساخ والقمامات تنبعث روائحها الكريهة لتزكم الأنوف، ويصفق ذبابها المنتشر بكثافة فى الأرجاء لموكب الوالى فى حله وترحاله، وأعلموا أن الرئيس عمر البشير ليس على شاكلة الرئيس التنزانى جون ماغوفولى الذى أمر بإلغاء احتفالات عيد الاستقلال وجعله يوما وطنيا للنظافة شارك مواطنيه في جمع القمامة أمام مقر الرئاسة في العاصمة دار السلام، أما سابلة الولاية فهم لا يعلمون أن الوطن ليس أغنية وطنية أو مقال فى جريدة ولكنه الشىء الذى يمنعك من إلقاء زجاجة الماء الفارغة فى الطريق العام. ولن يستقبلكم جهاز المغتربين هذه المرة بحفاوة، فيما أعلن رئيسه أن الدولة ليست جهة خيرية لتوظيف العائدين! هؤلاء الأوغاد ينكرون الجميل لمن رفدوا خزينة الدولة بالعملة الصعبة أحقابا من الزمان، ومولت مخصصات الجهاز المالية بالكامل وما زالت تمول من ريع جبايات الضرائب والرسوم المفروضة قهرا على المغتربين بأسلوب النهب المنظم لاحقوهم حتى فى مرافئهم، و العائدون ملزمون بتسديد المتأخرات بطريقة أو بأخرى، فالوفاء عند القائمين بأمركم، هو داء يصيب الكلاب عملا بمقولة الرفيق جوزيف ستالين.
وهناك نخب المجتمع المترف لا يعبئون بكم مطلقا، يمتطون السيارات الفارهة ويقطنون الفلل الفاخرة بالأحياء الراقية، يتهامسون ويقهقهون فى مناسباتهم الباذخة، يعيشون دائما خارج المألوف عن الناس، كلما يزداد فقر القطاعات الشعبية العريضة تزداد أرصدتهم المالية بالمصارف فى الداخل والخارج حيث ملاذاتهم الآمنة! هل أصابكم الدوار؟ أنا البعيد يملأني الإحساس بالمرارة لأقول لكم من العار لأى سودانى داخل وطنه أن يتفوق عليه وضعا وتميزا وافدا من دولة مجاورة دخل البلاد خاوى الوفاض ليس محسوبا على النظام الحاكم فى شيىء حتى فاز فوزا عظيما بل هو أقل منه علما وتأهيلا لا يرقى لمستوى المقارنة ينتحل زورا وبهتانا صفة الخبير الأجنبى بينما فى دول الخليج والسعودية يعتبر ضمن العمالة الرخيصة أسوة بالعمالة الآسيوية الوافدة . . وأنتم تعرفون و تشهدون على ذلك!
المقهور العائد للوطن بعد غياب السنين، يجد نفسه كالمستجير من الرمضاء بالنار. فهى ليست كعودة عصافير الخريف التى ألفها فى الماضى يوم كان يزقزق قليلا ثم يعود من حيث أتى. الحياة هنا أشد قساوة ومعركة البقاء فيها أشد ضراوة، إما أن يكسبها بجدارة أو يخسرها بجسارة. البعض عليه أن ينحت الصخر كل وفق أدبياته ونوازعه الشخصية والبعض الآخر مطلوب منه إعادة حفر حياته بجهاده وتاريخه وفق معطياته.
ذهب فلاح إلى جاره يطلب منه حبلاً لكي يربط حماره أمام البيت. أجابه الجار بأنه لا يملك حبلاً ولكن أعطاه نصيحة، قال له يمكنك أن تقوم بنفس الحركات حول عنق الحمار وتظاهر بأنك تربطه وسوف لن يبرح مكانه. عمل الفلاح بنصيحة الجار وفي الغد وجد الحمار في مكانه تماماً. ربَّت عليه وأراد الذهاب به إلى الحقل، ولكن الحمار رفض التزحزح من مكانه! حاول الرجل بكل قوته أن يحركه ولكن دون جدوى، أصاب الفلاح اليأس فعاد إلى الجار يطلب النصيحة. فسأله هذا الأخير هل تظاهرت أمامه بأنك تحل رباطه؟ فرد عليه بإستغراب: ولكن ليس هناك رباط! أجابه: هذا بالنسبة إليك، أما بالنسبة إليه فالحبل موجود. عاد الرجل وتظاهر بأنه يفك الحبل، ثم قاد حماره دون أدنى مقاومة هذه المرة.

يجب ألا نسخر من هذا الحمار فالناس أيضاً قد يكونوا رهائن لأعتقادات أو تصورات وهمية خاطئة وما عليهم إلا أن يكتشفوا ما هو الحبل الخفي الذي يلتف حول عقلهم الباطن ويمنعنهم من القفز فوق الحواجز، ما بيننا و بين الخلاص من كل المشاكل و النهوض حبال وهمية، البعض منكم توهم العجز والهزيمة مسبقا قبل أن يخوض المعركة ويحقق النجاح والطموح المنشودين أسوة بالآخرين. المطلوب المثابرة والصبر والإصرار مهما تكرر فشل المحاولات، كلما حاصركم الفشل إحترفوا النجاح، وكلما حاصركم اليأس إحترفوا التفاؤل، فرب العباد يقول (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) . . إعقلها وتوكل.

عزالدين حمدان – لندن
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هناك خلط واضح في احصاءات المغتربين الارقام الحقيقية تشير الي ان العدد اقل من مليون لكن لإظهار ان لديهم تأثير في اقتصاديات دول المهجر يتم تضخيم الأرقام

    تحويلات المغتربين في عام 2015 م 500مليون دولار – تقسيم مليون مغترب معناها كل واحد حول 500 دولار في السنة
    يعني دولار ونص في اليوم وهو مبلغ يمكن ان يوفره لو اشتغل يومية داخل البلد

    من فوائد الاغتراب غير مادية ? هي تراكم الخبرات ? وبناء الثقة والانتماء للبلد والاهل – و خلق علاقات اجتماعية مع شعوب متعددة وعكس قيم ومبادي الانسان السوداني الحقيقي – مجرد العمل بالخارج اكسب الدولة خبرات ضخمة وفتح أذهان الشباب وجعلهم مواكبين لأحدث النظم والوسائل ، مما يشكل نواة حقيقية لنهوض البلد وادارة مواردها متي ما توفرت الظروف الملائمة للنهوض

    وعلي ما يبدو ان التأخير في النهضة والتطور ياتي من أسلوب النظام الحاكم ( الحزب والدولة ) ومن سياسة رزق اليوم باليوم وفوضي الإدارة والترهل في مستويات الحكم ( عدد الوزراء والوكلاء والمدراء اكبر من عدد الشعب )

    لذلك عجزنا او بالأصح هرمنا وفقدنا الامل في النهوض
    لكن اذا اعتبرنا ان هذه الحقبة من التاريخ لتغذية اذهاننا بمعني الممارسات السلبية ، والوعود الخادعة ، وكيفية بناء الفساد وتفخيمه ، وشراء الذمم ، واسكات صوت الحق وتزيين الباطل ، لو وضعنا كل ذلك في الاعتبار سنجد اننا حاليا في مرحلة تعفير الأرض وبذر أسس النهوض في قلوب الجيل الحالي والامل في الله عز وجل كبير في ان يولي من يصلح ويأخذ بأيدي الناس الي سبل السلام والامن والاستقرار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..