اوقفوا تطوير الجهل

لا يختلف اثنين حول الزراعة باعتبارها من المهن (الشريفة) والعريقة التي لا غنى عنها مهما بلغ العلم والثورة الصناعية مبلغا، لان ضرورة الحصول على الغذاء يُحَتم على الانسان الاحتفاظ بهذه المهنة قدر ما يستطيع، ودونها يصبح الانقراض أمراً محتوماً، وقد عمل انسان الدول المتقدمة على تسخير العلم والتكنلوجية العصرية لمصلحة الزراعة لذات الاهمية المذكورة، او على أقل هذه حقائق يعرفها الاطفال قبل الكبار، الا بعضاً من “بنى”. عالمنا الثالث كعادتهم، ظلوا يدهشوننا يوماً بعد يوم بقدرتهم الخارقة في تطوير الجهل الذي يعيشون فيه بدلاً من العلم والمعرفة، حتى اصبح الجهل عندهم “علماً” يضاهي علم الآخرين.
حضرت أمس الأول بتاريخ ٤/١٠/٢٠١٧ م، “ونسة جاهلية” جمعت بعض من المثقفين الشباب في حديقة فندق جنوب السودان التي اصبحت مرتعاً مريحاً لكل من يريد اهدار وقته الوفير، لا اعرف كيف بدأت هذه الونسة العجيبة غير انني سمعت أحدهم يسخر من زميلا لهم “يبدوا انه كان غائباً من هذه الجلسة” وينعته بانه كان مجرد مزارع بائس رث الثياب، ولولا فضله لم استطاع هذا الزميل الولوج الي دنيا المعرفة والعولمة ويخبر ضروب الثقافة التي ينعم بها حالياً في المدينة، وواصل يسرد باسلوب فكاهي كل ما هو دني ووضيع ويلصقه بقوم المزارعين على مسمع الحاضرين، لدرجة انني خِلتَهُ انه سيُطرِبنا في النهاية باغنية “السيرة” الشهيرة التي تقول كلماتها: شنبو يعشِّش القُمرية، نفَسو يقَوّم العربية، أكلو كلو كمونية، يُمه قولي برية، انا ما بدور المزارعية.
كل هذا “الخبث المنطوق” يحدث وسط “قهقهة” عالية لدى بعض الحاضرين الذين يبدو انهم وجدوا ضالتهم في “الونسة الضالة” التي لا تمت الثقافة وأهل العلم بصلة.
انتابني الشعور بالحزن والشفقة معاً ليس على المزارعين الذين أسييء اليهم، بل على الحال المزري الذي يعيشه شباب بلادي وبؤسهم الذي تجلى في شكل “خواء عقلى واخلاقي وثقافي، نقيض ما يتوهم تماما، وقد جسدوا بذلك على ارض الواقع المثل القائل ان “القلم ما بزيل بلم.
السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن للدولة ان تعتمد مستقبلاً على امثال هؤلاء الشباب في ادارة شئونها وتحريك عجلتها الاقتصادية الى الامام وهم يقبحون الركيزة الاساسية التى يقوم عليها اقتصاد دولتهم ويعتبرونها عيباً يدعو الى السخرية؟
بربكم متى كانت الزراعة مهنة (حقيرة) لا تليق بمقام المثقفين اصحاب الشهادات الاكاديمية وكل الدلائل تشير الى ان دول العالم الاول (معقل العلم الثقافة) لم تقم لها قائمة الا عبر الزراعة؟
بالزراعة تنتج الشركات الامريكية واليابانية والالمانية متنوجاتها، وبها يجد “حاملي الشهادات” او قل المثقفين الحقيقيين، وظائف مكتبية مريحة داخل هذه الشركات، فهل يعتقد هؤلاء انفسهم تحت ظلال الحدائق انهم مثقفون ومتعلمون اكثر من انسان العالم الاول الذي ولى الزراعة جل اهتمامه مع الاخذ في الاعتبار ان دولتنا تتزيل حتى قائمة دول العالم الثالث؟
أخوتى الشباب، ان كنتم حقاً تريدون “السمو” الحقيقي بمقاماتكم الي مصاف المتعلمين والمثقفين وليس السمو الزائف الموهوم، عليكم الابتعاد من هذا السلوك المشين في مجالسكم الشبابية، والحذر كل الحذر من اطلاق القول على عواهنه، فهذا سيكون له مردود سلبي على مجتمعنا المنكوب اصلا، وسيجد ونساتكم غير المسؤولة هذه اذانا صاغية وسط الشباب الصغار الذين لايزالوا في المراحل الدراسية المختلفة، واعلموا انه عندما يتخذونكم قدوة حسنة لهم، فهذا يعنى خراب “جنوب السودان” وليست مالطا، فخراب الاوطان لا تتحمل الحروبات وحدها مسؤوليته، لان الحرب في حد ذاتها مجرد دليل فقط على خراب العقول … أوقفوا تطوير الجهل.

ألقام

تعليق واحد

  1. استاذ سايمون مقالك فى قمة الروعة وقلمك قلم ناضج وفكرك متزن . ومداد كلماتك ذكى …ارجو ان تخبر جارنا لنا عن معنى ان يكون الانسان مفيد للمجتمع .لان هذا الجار يكتب مثلك فى الصحافة لكنه يستعمل خنجر بدل القلم ويستعمل دم بدل الحبر . يستمتع بالشتم والسب وتدمير النسيج الاجتماعى لايتحث مثلك عن زراعة وثقافة وتربيى و….و…..ارجوووووك اعارة قلمك الى الطيب مصطفى خال….

  2. استاذ سايمون مقالك فى قمة الروعة وقلمك قلم ناضج وفكرك متزن . ومداد كلماتك ذكى …ارجو ان تخبر جارنا لنا عن معنى ان يكون الانسان مفيد للمجتمع .لان هذا الجار يكتب مثلك فى الصحافة لكنه يستعمل خنجر بدل القلم ويستعمل دم بدل الحبر . يستمتع بالشتم والسب وتدمير النسيج الاجتماعى لايتحث مثلك عن زراعة وثقافة وتربيى و….و…..ارجوووووك اعارة قلمك الى الطيب مصطفى خال….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..