أيها المهموم … االضحك بالكوم

أيها المهموم .. الضحك بالكوم
عرف المخرج محمد نعيم سعد كيف يعبد طريق العودة لمجال الإخراج المسرحي بعد غيبة طويلة حيث التقط نصاً مسرحياً بعنوان (ملف سري) وعكف على إخراجه دون جلبة أو ضوضاء إلى أن تيقن من تماسكه فأعلن قبل أسبوع عن بداية العروض المتواصلة حالياً بمسرح قاعة الصداقة. وحين يكون الممثل الكوميدي عوض شكسبير هو المؤلف، لابد أن تقوم محاور النص على أعمدة البناء الفكاهي. وهنا حشد المخرج للمسرحية ألمع نجوم الكوميديا الذين لا يشق لهم غبار، وهم جمال عبد الرحمن ومحمد عبد الله وعوض شكسبير وأمير عبد الله وسامية عبد الله والنجم القادم بقوة محمد جلواك، فتناغم أداء هذا الطاقم المنسجم ليرسم بالقول والحركة والايحاء لوحات كوميدية انتزعت سيلاً من الضحك المتواصل وجعلت الجمهور يحرص على استصحابه معه للديار ليحث الآخرين لحضور العمل المسرحي.
عندما ترفع الستار يتشابك ويتداخل الراقصون في تشكيلات استعراضية وهم يرتدون أزياء بيضاء من جانب وسوداء من الجانب الآخر مما جعل الإضاءة تمارس مهارتها في الإيحاء لنا بأنهم أنصاف شخوص طولية متحركة، ثم يتكرر ذات المشهد الاستعراضي عند بداية الفصل الثاني أيضاً. ومع أن الاستعراض يحرك في نفوسنا عوامل التهيئة والإدهاش لم أر ضرورة لذلك خاصة وأن هناك مقدمة غنائية مشحونة بعبارات وشعارات جاذبة تنتمي للمسرحية لحماً ودماً. ولعلنا نلاحظ في الآونة الأخيرة أن أغلب المسرحيات باتت لا تخلو من المشاهد الاستعراضية حتى إذا لم يكن هنالك رابط يبرر إقحامها، الشيء الذي يتطلب وقفة نقد عليمة بمستجدات أبو الفنون تبرر لنا دواعي هذا النمط.
تدور أحداث المسرحية داخل دار للعجزة أو المصابين بمرض الزهايمر وعبر الحوار تتكشف لنا دواعي تواجد كل واحد من النزلاء. فهناك مثلاً من تم اقصاؤه من الوظيفة التي أبلي فيها بلاء حسنا فأثر ذلك على تفكيره حتى أقعده عالة لا يملك إلا اجترار الذكريات والعيش على أمجاده السابقة بينما لم يجد أدني عناية حتى من أبنائه الذين دفعوا به إلى الدار. وهناك من ترك وراءه أرضه المعطاءة زراعة وخيراً وذلك لأن ابنه الوحيد الذي كان يحرص عليه منذ الصغر غادر المنزل بعد أن شب عن الطوق، فجاء إلى المدينة يهيم على وجه الأرض إلى أن أدخل الدار. وهناك من لم يتزوج وليس له أبناء يهتمون به بل حتى أبناء أخوته لا يستجيبون لمناداته فشعر بالعزلة التي ألجأته إلى الدار، وهناك من قامت على رعاية أخوتها الصغار تعليماً وتربية إلى أن أدخلتهم بيوت الزوجية لكنهم رغم ذلك تخلوا عنها وتركوها تعاني من ضياع عمرها دون زواج، فصار ذلك هاجسها الأكبر الذي قادها للدار. ومن هذه النماذج يتضح أن كبار السن لا يرضون الضيم أو التجاهل أو نكران جمائلهم في وقت يحتاجون فيه للرعاية والعناية الصحية.
ولعل إدارة دار الرعاية يقف على رأسها طبيب يفتقد لمكونات الشخصية الجادة ويعاونه ممرض عبثي الأداء رغم المسئولية الملقاة على عانقه من حيث الإشراف الإداري والبرمجة العلاجية. وهما يذكران المرء بما درجنا على ترديده من أن الذين يعملون وسط المرضى النفسانيين قد يتأثرون بسلوك وتصرفات مرضاهم. ولذلك قد نلمس عند الطبيب والممرض أحياناً نوعاً من الأداء المتماشي مع تصرفات النزلاء أو ذلك المكمل لشطحاتهم. ولكي ينكشف المستور تتهيأ الفرصة لباحثة ترغب في التقصي حول مرض الزهايمر ومعرفة أهداف ومهمة الدار لكنها تجد نفسها جامعة لكل ما يدين الإدارة من مخالفات وفساد في ملف سري تحرص عليه. ومن خلال الحوار يتجلى لنا الكثير من إخفاقات ومزالق وأدبيات واقعنا الحياتي. إذ نجد دار العجزة أو الرعاية ناقصة الخدمة والخدمات، عديمة الانضباط والنظافة، ومفتقرة للكوادر المؤهلة. ونجد ما يشير إلى بدايات الجفاء والتفكك الأسري وإلا لما وجدت مثل هذه الدار للعجرة والمعوقين، ونلمس علو نغمة الماضي الجميل في مقابل الواقع القبيح من خلال اجترار الذكريات، كما تبدو لنا جلية تلك المظاهر الخادعة لإرضاء المسئولين الذين سيتفقدون الدار حيث تنهض بعد زيارتهم فكرة التغول على مباني الدار وازالتها لإقامة غرض آخر قيل انه موقف للمواصلات، مما يذكرنا بظاهرة التغول على الميادين العامة لصالح بعض الأفراد. ورغم تمسك المرضى بالدار باعتبارها الملاذ الوحيد لهم مع قصورها في الخدمات إلا أن الجهة الأقوى تدير معاول وأدوات الهدم والإزالة ليتم اسدال الستار على أصوات الجرافات.
من ناحية إخراجية استعان محمد نعيم سعد بالبروجكتور ليعكس لنا جوانب حياتية عاشها بعض النزلاء وكان ذلك بالانتقال من الحاضر المهيض المجسد أمامنا الي الماضي الزاهر المصور فذكرني تلك التقنية التي أبدع فيها شباب كسلا عند مشاركتهم في مهرجان البقعة الأخير بمسرحية أحجية اليكترونية. أما من حيث الأداء فلن تزيد إشادتي بهؤلاء النجوم شيئاً يذكر، فشكرا للجميع.
صلاح يوسف
[email][email protected][/email]