وإذا الطفلة سُئلت

كثيراً ما حذرت المنظمات والجهات المهتمة بشأن الأطفال من المشاكل التي يواجهها أطفال السودان، من عدم تعليم وتسرب من المدارس وسوء تغذية وتشرد وعنف وفقر وانتهاكات واستغلال، مع استمرار في تدهور ظروف الحياة التي تخلف باستمرار جيوشاً من الفاقد التربوي والمعاقين نفسياً واجتماعياً وجسدياً. وما زالت الدراسات تخرج إلينا كل يوم بمصيبة جديدة تواجه الأطفال وتهدد مستقبل هذا البلد، وتكشف عن تراجع مجتمعاتنا حتى في الاعتناء بأطفالها كأبسط واجب، بل ويبدو الأمر أكثر سوءاً حين نعلم أنها ارتدت إلى ممارسات الجاهلية ضد البنات ونحن في القرن الواحد والعشرين، فبأي ذنب يحرمن من حقوقهن ويتعرضن للعنف والانتهاكات.
مركز (سيما) للتدريب وحماية المرأة والطفل كشف عن تنامي العنف ضد الطفلات وانخفاض نسبة تعليمهنَّ بالأساس والثانوي، وتعد ولايات جنوب دارفور وكسلا والبحر الأحمر هي الأسوأ من ناحية التعليم، وما زالت العادة الفرعونية البشعة (الختان) تسيطر على المجتمع قومياً حيث بلغ متوسطها 65%، وتعتبر الشمالية هي الأسوأ حيث سجلت نسبة 82%، كذلك ارتفعت نسبة زواج القاصرات قومياً لتصل إلى 37.7، كما أنًّ معظم وفيات الأمهات طفلات أعمارهن 17 سنة فما دون، كما ارتفعت نسبة الانتهاكات ضد الطفلات وتعتبر ولاية النيل الأزرق وبعدها جنوب دارفور الأسوأ.
مؤكد أنَّ المركز لم يأتِ بهذه المعلومات من فراغ وإنما نتيجة دراسة، ومثل هذه الدراسات لا يمكن أن تقوم بها المؤسسات الحكومية وإن فعلت لن تقول الحقيقة، فما زال المواطن طفلاً كان أم شاباً أم مسناً لا يعنيها كثيراً في ظل انشغالها بنفسها.
هذه المعلومات تكشف قصور مؤسسات الدولة بل وتؤكد غيابها سواء كانت تعليمية أو قانونية أو اجتماعية أو سياسية، فمثلاً وزارة التربية والتعليم الاتحادية لم تعد تقوم بدورها وتراقب ما يحدث وليس لديها سياسات تجعل التعليم متاحاً لجميع الأطفال، فالحكم المركزي أحال مسؤوليات التعليم العام للولايات وهي بدورها أحالته إلى المحليات، وكما يشهد الجميع فإنَّ المحليات غائبة تماماً عن المجتمعات التي يفترسها الفقر والتهميش والحروب، ما ينعكس سلباً على حياة الأطفال وخاصة البنات فيتحملن مسؤوليات لا تراعي طفولتهن ويحرمن من حقوقهن خاصة التعليم ويتعرضن للعنف والاستغلال، ولا قانون يحمي أو يعاقب ولا سياسة تغير واقعاً.
أما فيما يتعلق بزواج القاصرات أرجع المركز ارتفاع نسبته لعدم وجود قوانين فاعلة، وهو أهم سبب طبعاً ولكن هناك أسباباً أخرى منها الفقر وضعف الوعي إضافة إلى مشاكل متعلقة بالمدارس نفسها، كبعد المسافة والتعليم المختلط وغيره.
بصفة عامة ما عكسه مركز (سيما) عن وضع الطفلات في السودان هو أكبر مؤشر على حالة الانتكاسة الخطيرة التي يواجهها السودان فيما يتعلق بوضع البنات، وبعد أن قطع شوطاً بعيداً ها هو يرتد مرة أخرى، في زمن تتقدم فيه الدول وتهتم بتحسين وضع النساء باعتبار أنهنَّ الرهان الرابح في تنمية المجتمعات فقد أوصى النبي محمد (ص) عليهنَّ مراراً.
يبدو أنَّ سياسات الحكومة ستعيد السودان إلى عصر الجاهلية ومهما انتظرناها لن تفعل شيئاً، وعليه قبل أن تستفحل الكارثة على المواطنين التضامن من أجل حماية الأطفال وخاصة البنات، وأية جهة تعمل في المجتمع يجب أن يكون لديها برنامج خاص برعاية الأطفال والتوعية بقضاياهم مع التركيز على البنات.
التيار