بطانة الخير

إذا أراد الله بحاكم خيراً هيأ له بطانةً تحضه على الخير والترفق برعيته، وإقامة العدل بينهم على السواء، يسدون له النصح دون أن تأخذهم في الحق لومة لائم، غير خائفين من بأسه ولا طامعين فيما عنده من عرض الدنيا الزائل، وإذا أراد الله بحاكم شراً، قيَّض له بطانةَ سوءٍ تورده مورد الهلكة والشقاء فتزينُ له الباطل ليراه حقاً، وتخفي عنه الحقيقة ليرى الحقَّ باطلاً، وتحجبُ عنه أهل النُصح والاستقامة الذين لا يخشون في الحق شيئاً، فيتسلل إلى مجلسه مردة النفاق، وأصحاب النفوس الضعيفة والراكضون خلف دنيا يصيبونها، ويتقرَّبُ إليه شرار الناس والفاشلون وينأى عنه الأخيار والثقاة وأهل الاستقامة والعدل، فيختار ممن تقربوا وتزلفوا معاونيه ومستشاريه وأركان حربه فيرى ببصيرته المعطوبة أنهم أفضل العناصر وأمضاها وأنفعها، فإذا حدث ذلك فما الذي يبقى؟؟…
في هذه الحالة يفسد كل شيء ويبقى هناك نظام محدد ? سيستم- تعمل به جميع الأجهزة، التي على رأسها أولئك الصنف من العناصر التي سبقت الإشارة إليها، والـ “سيستم” المتبع سيكون فاسداً لا يسمح بوجود أي شخص “نظيف”، ولذلك نجد أن “السيستم” الفاسد يقوم تلقائياً بـ “لفظ” الشخص “النظيف” لأنه لا يقبل إلا فاسداً أو مشبوهاً، ولا يستجيب لأي نوع من الإصلاح بل يقاومه بشدة، وفي هذه الحالة يصبح الفساد فساداً “منظماً” تتحكم فيه شبكات يديرها المهيمنون على مفاصل الحكم في البلاد المعنية، يتستر بعضها على بعض، ويحمي بعضُها بعضاً، وهي المرحلة التي يبدو فيها إصلاح النظام ضرباً من ضروب المستحيل، وتصبح محاربة الفساد محض أوهام لأنه جزءٌ من حماية النظام، وأن بتره يعني إضعاف النظام على نحو يسهل إسقاطه، ولهذا لا يجرؤ أحد على وضع اليد على هذه “الشفرة” التي تعني سر البقاء .
وعليه يصبح من نافلة القول إن البطانة الصالحة هي المضغةُ التي إذا صَلُحت صلُح كلَّ شيءٍ وإذا فسدت فسد كلَّ شيءٍ، ولا غرو ولا عجب، فهي التي تهيئ للحاكم أسباب الفوز بخيري الدنيا والآخرة، وهي التي تحميه من شرِّ نفسه الأمارة بالسوء وهي التي تكبح فيه جماح السلطة ومغرياتها وتفوِّقه من سكرتها، وأما بطانة السوء بعد أن تهيئ له أسباب الهزيمة والخسران المبين وتورده مورد الهلاك وتقذف به في الأوحال، تتركه وحيداً هائماً على وجهه ليواجه سوء المصير و”المشانق” أو الموت غدراً وانتقاماً… لذلك كله ليس هناك دعاء للحاكم أنفع وأجلَّ من قول الداعين له : “اللهم هيئ له بطانة خيرٍ تعينه على العدل ورفع الظلم وطاعة الله في رعيته” …اللهم هذا قسمي فيما أملك…
×نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..