السودان في جوبا.. مشهد آخر! ?4?

منذ أن بدأت هذه الحلقات.. تواصلت مع نخبة من المهتمين الأجلاء بشأن علاقات البلدين.. تباينوا من زملاء مهنة.. إلى ساسة.. إلى عسكريين.. إلى رجال أعمال.. ومن البلدين أيضا.. غير أن أكثر ما لفت نظري تلك الرسالة تلقيتها من الأخ والزميل الدكتور الفاتح المهدي مدير مكتب السيد نائب رئيس الجمهورية.. كان نصها.. (التحولات القادمة بالجنوب ينبغي أن تبنى على خيارات الدولة الأم التي تستوعب كل المكونات والتباينات ذهاب الجنوب صوب شرق أفريقيا يضعف الشمال اقتصاديا وسياسيا).. هتفت دون أن أشعر.. هذا هو يا فاتح لا فُض فوك.. ثم أضفت.. أن العشر كلمات الأولى في رسالتك ينبغي أن تكون هي العبارة المفتاحية لأية سياسة نرغب في انتهاجها تجاه الجنوب في الفترة المقبلة.. وهي العبارة التي تقول.. (التحولات القادمة بالجنوب ينبغي أن تبنى على خيارات الدولة الأم).. هل أفشينا سرا نوويا رهيبا.. وقد ينسف العلاقة بين البلدين..؟ كلا.. لا أسرار ولا يحزنون.. فهذه العبارة لخصت ما ظللت أنادي به هنا لليوم الرابع على التوالي.. بل ما قاله دكتور الفاتح هو عين ما يفكر فيه الجنوبيون.. بل عين ما يتمنونه.. الفاتح فقط أثبت أنه رجل دولة.. يقف في الموقع الصحيح.. لينظر من الزاوية الصحيحة.. ليقرأ القراءة الصحيحة..!
قل بربك ماذا يعني أن يقول لك مسؤول في حكومة الجنوب بوزن تعبان دينق.. ماذا نستفيد من يوغندا؟.. ماذا نستفيد من كينيا؟.. مصالحنا مع السودان.. كل مساحة ملأها الآخرون كان ينبغي أن يكون فيها السودان.. بل ماذا تفهم من رواية تعبان نفسه حين يقول.. طلب مني وزير خارجية تنزانيا أن أعتمد المنهج السواحيلي في مدارسنا وأنهم سيلتزمون بتوفير المعلمين والكتب على نفقة الحكومة التنزانية..!! ولكن تعبان لا يكمل القصة.. بل يتركها بلا نهاية كالمسلسلات الهندية الرائجة هذه الأيام.. ويقفز إلى السؤال التالي.. أين السودان..؟ أين دعمه لتعليم اللغة العربية في الجنوب..؟ نخشى أن يأتي يوم تنقرض فيه اللغة العربية.. نطأطئ رؤوسنا خجلا وحيرة..! ستقول لي مدارس المجلس الأفريقي.. سأقول لك.. إنهم هناك يبحثون عن الدولة.. دولة السودان..!
وحديث تعبان لا ينتهي.. هل قرأتم حواره بالأمس.. في صحيفتي الصحافة والسوداني؟.. يستحق أن يقرأ فعودوا إليه لتفهموا على الاقل معنى عبارة دكتور الفاتح المهدي.. ولحسم ما انتهينا إليه بالامس من جدل حول كيفية التعامل مع جنوب السودان.. هل كدولة عدوة نسعى لزعزعة استقرارها.. أم كدولة صديقة نجتهد في دعم استقرارها..؟!
ولئن كنّا قد عرضنا بالأمس الدور المتقدم لوزير الخارجية.. فما زلنا ننتظر تقدم دور وزارة الخارجية.. صحيح أن الآذان قد سمعت بروفيسور غندور يقول لسفير السودان في جوبا.. وبصوت ربما تعمد أن يكون مسموعا.. إن سفارة جوبا هي أهم سفارات السودان.. ولكن الصحيح أيضا.. أن (الأهم سفارة) هذه لا تملك فيها الخارجية غير موظفين.. أحدهما السفير عادل ابراهيم.. ثم مساعد له.. مقابل عشرات الدبلوماسيين في سفارة دولة مجاورة.. تنافس السودان في جنوبه.. بل ولم تتورع في عرض خدماتها على الصعد كافة.. وغني عن القول إن الخارجية إن أرادت أن تلعب دورا في دولة ما.. خاصة إذا كان هذا الدور إيجابيا.. ومشروعا في الأعراف الدبلوماسية.. فسفارتها في تلك الدولة هي ذراعها التي تنفذ بها خططها.. ولكن.. يجب الاعتراف أن الخارجية إنما تعبر عن الدولة.. وعن مؤسساتها المختلفة.. فمتى تقتنع مؤسساتنا أن سفارة السودان في جوبا ذراع استراتيجية مهمة..؟! ونواصل.
اليوم التالى