الكتابة الإبداعية وجدواها في عصر الأزمات

الأسيوطي: أكتب لإحداث ذلك التوازن الذي يختل بالامتناع عن الكتابة ولا أعتقد أن فعل الكتابة أقل أثراً في حياتي من أفعال كثيرة تقوم عليها الحياة.

القاهرة ـ من وكالة الصحافة العربية

الكتابة تواصل وتعبير عن الألم

سؤال يطرح نفسه: ما جدوى الكتابة في عصر الأزمات الاقتصادية والانترنت وتكنولوجيا المعلومات التي جعلت العالم بين أصابعك في ثوان معدودة؟ هناك لحظة يأس تستبد بالشاعر أو المبدع إذا استسلم لها وشعر أنه لا جدوى من إبداعاته قد تؤدى به إلى الانتحار كما حدث مع الشاعر اللبناني خليل حاوي الذي انتحر بإطلاق الرصاص على رأسه غداة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.

ولكن معظم الكتابات تحارب اليأس والقنوط وتخلق لذاتها أجواء من التأثير وتفجر قضايا كبيرة وتحاول علاج الخلل في المجتمع بل هناك كتابات قد تفجر ثورات وقصائد تهز عروش الطغاة وكتب لا تزال أنظمة القهر تصادرها وتخاف منها. فهل لتلك الكتابات الابداعية حقا جدوى أو أثر في مواجهة قضايا الانسان العادي؟

علينا أن نتذكر ماقاله كبار أدباء العالم ..

الكاتب البرازيلي جورج أمادو قال: “أكتب لكي يقرأ ما أكتبه الأخرون، ولكي أؤثر فيهم، ومن ثمة أستطيع المشاركة في تغيير واقع بلادي وحمل راية الأمل والكفاح”.

وقال الأديب الكولومبي جابريل ماركيز: “أكتب لكي أنال المزيد من حب أصدقائي”. أما الأديب الصيني باجين فقال: “أمارس الأدب لكي أغير حياتي وبيئتي وعالمي الفكري”.

وقال توفيق الحكيم: “أكتب لهدف واحد هو إثارة القارئ لكي يفكر”. أما محمود درويش فقال: “أكتب لأني بلا هوية ولا حب ولا وطن ولا حرية”.

? التنوير

يقول الشاعر درويش الأسيوطي: أكتب لإحداث ذلك التوازن الذي يختل بالامتناع عن الكتابة ولا أعتقد أن فعل الكتابة أقل أثراً في حياتي من أفعال كثيرة تقوم عليها الحياة، ولا أظن أن الأديب ينتظر أن يحدث إبداعه انقلاباً فورياً في النظم السياسية والاقتصادية في المجتمع والعالم؛ لكنه ينتظر أن يحدث عمله مع عوامل أخرى ذلك الأثر التنويري الذي هو بداية الإحساس بوجوب التغيير والشاعر أو الروائي أو الكتاب المسرحي يجب ألا ينتظر من قصيدته أو روايته أو مسرحيته أن تجعل الناس تتظاهر في الشارع أو يطالبون بالتغيير لكن حين يخرج الناس إلي طلب التغيير سيكون في خلفيتهم الوجدانية والعقلية بيتا من الشعر أو موقفاً في مسرحية أو مشهداً في رواية يبلور بوضوح ما خرجوا من أجله.

? الكتابة للكتابة

القاص أشرف البولاقي قال: لا أكتب بديلاً عن الانتحار ولا أكتب بديلاً عن الموت ولا أكتب بديلاً عن الجنون، ولا رغبة في التغيير أو الخلاص كما يحلو للكثيرين أن يرددوا لكنني أكتب من أجل الكتابة نفسها، فالكتابة هي أعظم وأجمل اكتشاف إنساني عرفته البشرية وهي وحدها القادرة علي منحنا ذلك الإحساس العبقري بذواتنا وبالآخر معاً، فأنا بالكتابة عرفت نفسي. وأحب أن أذكر لك واقعة ترتبط بالكتابة فمنذ سنوات تعرضت ابنتي في طفولتها إلى مرض مميت، ووقفت عاجزاً أمامه ولم أجد سوى الكتابة للتعبير عن لوعتي فكتبت لها وأهديتها مجموعتي الثانية “المروح غناها” وكنت أقرأ لها قصصي رغم أنها كانت في عمر الرابعة وطريحة الفراش وفي الأغلب لم تكن تعي ما أقرأ ولكني كلما بدأت بالإهداء أبدأ بـ (إلي أميرة.. التي طالت رف المذياع”.

ويضيف البولاقي قائلا: إن من ينظر إلى الكتابة بوصفها قيمة عليا تتميز عن الحاجات الإنسانية الأخرى هم من يساورهم القلق تجاه جدوى الكتابة إنهم مثل الأنبياء وأصحاب الرسالات يظنون أنهم يملكون اليقين المعرفي وتقديم الإجابات والوصفات الناجحة للمجتمعات ومن ثم يريدون من المجتمع أن يدين لهم بالفضل وأن يستجيب لكل ما يكتبون. ثم إن الجدوى شيء نسبي ومتغير وفقاً لظروف العلاقة بين المرسل والمستقبل، أما الشيء الأخطر، فهو أن الميديا التكنولوجية وثورة الاتصالات، وضعت الكتابة في فضاء شديد الاتساع والتنوع، وجعلت السؤال عن الجدوى بلا إجابة فما الجدوى في أنك تكتب نصا وتبثه في هذا الفضاء المخيف، إنها مساوية لجدوى أن تلقي حجراً في محيط.

? لحظات معاناة

ويقول القاص عبدالسلام إبراهيم: الكتابة هي صوت داخلي يولد في لحظة ما، وقد يموت في المهد وقد يولد مبتسراً. أو يولد مكتملاً فيرضي غرور الكاتب فينشئه عملاً أدبياً راسخاً في وجدانه وعقله، فالكتابة هي التي تجعل الكاتب يعاني على الدوام، فهي إما معاناة وإما سعادة فالمعاناة تستمر حتى يخرج العمل من فك القلم، وهناك فقط يستريح الكاتب حتى يقع تحت طائلة عمل آخر. عندما أكتب لا أضع مقياساً لذلك العمل بل أتركه يخرج كيفما يشاء كما لا أنتظر من هذا العمل نتائج وإنما أتركه لنفسه ولا أدافع عنه. أحياناً تمر الأيام والسنوات دون كتابة جديدة، ولكن يظل دائماً هناك رحم الكتابة متأهباً على الدوام لميلاد جديد.

? تواصل وتلاحم

وفي رأي الشاعر محمد جاد المولي: كلما ازدادت الأرض جفافا وصلابة ازدادت الحاجة إلى إرادة أقوى وأيديولوجيا مختلفة للوصول إلى أغوار هذه الأرض واكتشاف الإجابة عن ذلك السؤال المفزع ما جدوى الكتابة؟! ما جدوى أن تلقي البذور في أرض من وجهة نظر البعض أنها لن تنبت؟ وهل صارت الكتابة في هذا العصر كما قال الشاعر أمل دنقل: “أيها الشعر يا أيها الفرح المختلس”؟ لا أعتقد أن الكتابة أصبحت مجرد فاكهة لروح الكاتب بل هي تواصل وتلاحم مع مجتمعه وإذا كان هناك بحث عن جدوى الكتابة ألن يدفعنا ذلك مع مرور الزمن للبحث عن جدوى القراءة؟! والحقيقة أن مجتمعنا في حاجة حقيقية لخلق آلية لدفعه إلى قراءة واقعية وتطوير فكرة من خلال الكتاب لتكون هناك جدوى أكثر للكتابة.

? التأمل والمواجهة

أما الشاعر عماد غزالي فيؤكد أن الكتابة هي فعل التأمل والمراجعة المستمرة. وهي فعل المواجهة مواجهة الذات ومواجهة الآخر، وهي فعل التعري على المستوى العميق أي خلق الأقنعة التي يتوسل بها الكاتب لمدارة الحقائق الجارحة حتي يتمكن من المضي عبر الجدران التي ينصبها حولنا الآخرون أو نقيمها حول أنفسنا. فالكتابة هي نزع تلك الأقنعة وهدم حالة السلام التي تخدعنا بها الأرض الرخوة الباردة وصولاً إلى الأرض الخطرة ذات القشرة المشتعلة دوما والتي تنصهر في باطنها المعادن كافة حيث تجابه النفس ركامات الكذب والتمويه وتمسك بالمعول ? القلم ? وتهوي على تلك الطبقات المتراكمة وتسعى دون يأس إلى إزاحة الغبار عن جوهرها العميق.

? ألم الكتابة

ويرى الشاعر والمترجم الحسين خضيري: أن الكاتب حين يكتب فإنه يترك بعضاً من ذاته يتحرر منه قليلاً ليحلق في عالم ربما يكون أفضل ويرى أن الكتابة مخاض وألم يقل: أنا لا أكون سعيداً حين أكتب، إنني استعذب آلام الكتابة فحسب وأنا مثقل القلب، مثخن الذاكرة ولكن مأساتي أن ما أكتبه ليس كل ما وددت أن أقول، يبقى دائما وما لا تطاله الكتابة وأنا أكتب لأثقب الوجود، وأطرق بوابات الكون أسمعه شجون، ونحيبي استمطر ذاتي وأحررها. وأفرض لحظتي الخاصة ولغتي الخاصة لعلي أخلق جمالاً يسلب هذا العالم دهشته. والحديث عن جدوى الكتابة بمثابة توقع جني الثمار قبل نضوجها، فلنا أن نتصور لو أن الأنبياء وأصحاب الرسالات أصابهم شعور اللاجدوى فكيف سيكون شكل الدنيا حينئذ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..