ولا الحكاية معاندة !!

إذا طُلب من أي شخص عادي أن يشخص لنا الأزمة السودانية لا أظن أنه سيُحار في عملية التشخيص، ولا في أسباب الأزمة، ومع ذلك سيستعصي عليه الحل لأنه سيواجه العناد و(قوة الرأس)، وإذا طلب مني اختصار كل أزمات السودان ومشاكله وقضاياه الملحة وأسبابها، ومصدر قوتها واستمرارها، في كلمة واحدة، لن أتردد في أن أقول فقط: (العناد)، نعم العناد السياسي، وهو المكابرة والعزة بالإثم التي أخذت بنواصي وأقدام الجميع دون استثناء إلا من رحم الرحمن ..
كل القوى السياسية الفاعلة تمارس العناد السياسي، والمكابرة، ففي كثير من الأحيان ترفض قوى معارضة حلولاً ناجعة لمجرد أن الحكومة أتت بهذه الحلول، أو لأنها لم تشارك في وضعها، أو لأسباب تافهة جداً أو مضحكة جداً، ثم يدور الجميع في الحلقة المفرغة، وترى ذات الحلول تأتي بها المعارضة التي كانت قد رفضتها، فترفضها هذه المرة الحكومة التي كانت قد طرحتها، لمجرد أن المعارضة هي التي طرحتها أو أعادت طرحها، وهكذا يستمر العناد السياسي والمكابرة وتهدر الفرص الثمينة، الواحدة تلو الأخرى، انتصاراً للذات والحزب، وتتغذى الأزمات المزمنة من هذا العناد .
هذه الملاحظة ما هي حديث مفترى، ولا هي مزاعم ينقصها السند والوقائع، ولكنها واقع عايشناه وتعززه المعطيات وقرائن الأحوال، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن الحكومة رفضت إعلان باريس، بل أقامت بشأنه الدنيا ولم تقعدها، ثم قبلته في أديس أبابا وقبلت ما هو أسوأ منه، عندما جاء الطرح من أمبيكي.!!.
ليس هذا وحسب، فهناك كثير من المقترحات والحلول تقبلها الحكومة أو المعارضة عندما تأتي من الخارج وترفضها المعارضة بشدة عندما تأتي من الحكومة ، والشيء نفسه تفعله الأخيرة دون أن يطرف لها جفن، وما تفعلان ذاك إلا عناداً، لذلك أرى أن العناد المتجذر في عقلية السياسي السوداني هو سبب ما نحن فيه من أزمات، وهو أيضاً العقبة الكأداء التي تعترض سبيل الحلول، وهو سجية سالبة تقضي على قيم التجرد ونكران الذات وإعلاء شأن ما هو وطني و استراتيجي كان يجب أن يقدم على ما سواه، والعناد السياسي هذا هو الذي يقوي شوكة الأزمات والمشكلات، السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد.
قد يختلف معي شخص ويقول إن القضية أكبر من العناد، ولكن لعمري لو أنه تمعن الأمر جيداً لأدرك أن هذا الداء المرتبط بعقلية الشخصية السياسية السودانية والمسمى عندنا في العامية بـ (قوة الرأس) هو الجحر الذي خرجت منه أفعى أزمة الثقة، وهو الذي أوغر الصدور وكدر النفوس، وأقام بينها الحواجز، وهو الذي أضاع عمر السودان في الصراع والنزاعات والحروب، وأضاع من بين يديه فرصاً ثمينة في الاستقرار والتنمية والنهضة… اللهم هذا قسمي فيما أملك. .
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين…
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..