مقال.. هل تسلحنا باكتوبر.. ولم نرجع شبرا؟

صحوت صباح هذا اليوم العظيم.. الذي حمل الذكرى الثالثة والخمسين لثورة اكتوبر الشعبية الأولى على أول حكم دكتاتورية في السودان.. فأهاجت في نفسي ذكريات شتى، حزينة..
والى الشعب السوداني في ذكرى ثورة أكتوبر، الثانية، غنى الفنان الراحل محمد وردي نشيد اكتوبر الأخضر، للشاعر العملاق محمد المكي إبراهيم..الذي أثار مشاعر الشعب السوداني وحمله إلى دنيا من الأمل العريض..
تقول كلمات الاغنية:
إسمك الظافر ينمو في ضمير الشعب
إيمانا وبشري
وعلي الغابة والصحراء..
يمتد وشاحا
وبأيدينا توهَّـجت َ ضياءً وسلاحا
فتسلحنا بأكتوبر لن نرجع شبرا
سندق الصخر حتي ..
يخرجٌ الصخر لنا
زرعا وخضرا
ونرود المجد حتي يحفظ الدهر لنا
إسماً وذكري
بإسمك الأخضر يا أكتوبر الأرضُ تغني
والحقول إشتعلت ..
قمحا ووعداً وتمنـي
والكنوز أنفتحت .. في باطن الأرض تنادي
بإسمك الشعب إنتصر ..
حائط السجن إنكسر
والقيود إنسدلت جدلة عـُرس ٍ في الأيدي
كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل
كان عبر الصمت والاحزان يحيا
صامدا منتصرا حتي إذا الفجرُ أطل . أشعل التاريخ نارا فإشتعل
كان أكتوبرَ في غضبــتنا الأولي
مع المك النمر
كان أسياف العـُشر
ومع الماظ البطل
وبدم القرشي..
حين دعاه القرشي
حتي إنتصر
اسمك الظافر ينمو
في ضمير الشعب إيمانا وبشرى
وعلى الغابة والصحراء يلتف وشاح
فتسحنا باكتوبر.. لن نرجع شبرا
سندق الصخر.. حتى يخرج الصخر لنا زرعا وخضرة
ونرود المجد.. حتى يحفظ الدهر لنا اسما وذكرى
باسمك الاخضر يا اكتوبر الأرض تغني
والحقول اشتعلت قمحا ووعدا وتمني
والكنوز انفتحت في باطن الأرض تنادي
باسمك الشعب انتصر
حائط السجن انكسر
والقيود انسدلت.. جدلة عرس في الأيادي
كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل
كان خلف الصبر والأحزان يحيا.. صامدا منتصرا
أشعل التاريخ نارا واشتعل..
كان أكتوبر في نهضتنا الأولى مع المك النمر.. كان آسياف العشر
ومع الماظ البطل.. ومع القرشي.. حين دعاه القرشي.. حتى انتصر.
عندما تفجرت ثورة اكتوبر 1964، ونحن في المدارس الثانوية آنذاك، فاضت مشاعرنا وسبحنا فوق السحاب.. كنا نحس ان المعاني التي تغنى بها وردي، والمضمنة في هذا النشيد، قد بدأت تتحقق دون شك.. وكنا نشعر أن مشكلتة السودان قد حلت حلا لا نكسة بعده.. وكنا نحس بنشوة عظيمة إلى حد السكر..
ولكن.. ما أن مرت الأيام والشهور والسنين، إلا وقد بدأت تتبختر هذه الأماني التي ظننا انها قد صارت واقعا..
وسرقت الأحزاب الطائفية وزارة سر الختم الخليفة، وقللت دور النقابات التي صنعت الثورة وفجرتها في الشارع..
واتضح لنا اننا لم نتسلح بأكتوبر و رجعنا أميالا الى الوراء، وليس شبرا واحدا..
ولم ندق الصخر واستسلمنا للدكتاتوريات العسكرية، حتى المهووسة دينيا..
ولم تشتعل الحقول قمحا ووعدا وتمني.. ونحن نمتلك أكبر مشاريع القمح في المنطقة.. ومساحات شاسعة من الأراضي الخصبة؟. وماءا وفيرا.. يجعل من السودان جنة في الأرض.
بل سمحنا للحكومات العاجزة أن توقف اندفاع الانتاج وتبيع للاعراب أرضنا يزرعون فيها القمح بأسعار تصل إلى نصف اسعاره في العالم، وظللنا نحن نستورد الدقيق المشكوك فيه من الخارج..
إن انتصر الشعب للحظات، فإن حاجز السجن الذي انكسر، عاد عاليا ليضم خيرة أبناء وبنات السودان فيتم تعذيبهم وإهانتهم..
اشتعل التاريخ نارا، ثم خمدت نار الثورة.. وتحولت إلى رماد.. ولو لا أننا نعرف أن تحته الجمر، لفقدنا الأمل تماما في ثورة قادمة..
وما عادت ذكريات المك نمر ولا سيف العشر ولا الماظ البطل تجدي نفعا.. وظللنا، فقط نردد أمجاد هؤلاء الأبطال.. في حسرة والم.
ولم تعد الكنوز التي انفتحت في باطن الأرض تنادي.. التقطها الاجانب من الإعراب والصينيين والروس والأمريكان قادمون..
وما عادت الغابة والصحراء إلا مرتعا للحرب الأهلية والتصفية العرقية..
ولم نرد المجد ولم يظهر لنا، حتى، ضوءا في الأفق…
ولم ندق الصخر ولم يخرج لنا الصخر زرعا وخضرة.. بل جاع اهلنا في الارياف وفي اطراف الخرطوم..
إذا أردنا أن نتسلح بأكتوبر فلنعي جيدا ان الحماس العاطفي لا يجدي وان فكرة التغيير، الان هي الأهم..
وأرجو أن نقرأ معا ما كتبه الأستاذ محمود محمد طه، الذي حمل هم السودان والإسلام.. طوال حياته وهو يتحدث عن ثورة اكتوبر والوحدة القومية، تحت تحت عنوان: السبيل إلى اكتوبر الثانية، فقد وجدت فيه ما يبعث الأمل إن ثورةأكتوبر ثورة فريدة في التاريخ، وهي لم تجد تقويمها الصحيح إلى الآن، لأنها لا تزال قريبة عهد فلم تدخل التاريخ بالقدر الكافي الذي يجعل تقويمها تقويما علميا ممكنا.. ولقد يكفي أن يقال الآن إنها ثورة فريدة في التاريخ المعاصر تمكن بها شعب أعزل من اسقاط نظام عسكري استأثر بالسلطة مدى ست سنوات.
وثورة اكتوبر ثورة لم تكتمل بعد، وإنما هي تقع في مرحلتين.. نفذت منها المرحلة الأولى، ولاتزال المرحلة الثانية تنتظر ميقاتها.. المرحلة الأولى من ثورة اكتوبر كانت مرحلة العاطفة المتسامية التي جمعت الشعب على إرادة التغيير، وكراهية الفساد، ولكنها لم تكن تملك من إرادة التغيير، فكرة التغيير حتى تستطيع أن تبني الصلاح بعد إزالة الفساد.. من أجل ذلك انفرط عقد الوحدة بعيد إزالة الفساد، وأمكن للأحزاب السلفية أن تفرق الشعب وأن تضلل سعيه حتى وأدت أهداف ثورة اكتوبر تحت ركام من الرماد، مع مضي الزمن.
والمرحلة الثانية من ثورة اكتوبر هي مرحلة الفكر المستحصد العاصف الذي يتسامى بإرادة التغيير إلى المستوى الذي يملك معه المعرفة بطريقة التغيير.. وهذه تعني هدم الفساد القائم ثم بناء الصلاح مكان الفساد وهي ما نسميه بالثورة الفكرية.. فإن ثورة اكتوبر لم تمت ولا تزال نارها تضطرم، ولكن غطي عليها ركام من الرماد. فنحن إنما نريد أن تتولى رياح الفكر العاصف بعثرة هذا الرماد حتى يتسعر ضرام اكتوبر من جديد فتحرق نارها الفساد، ويهدي نورها خطوات الصلاح وليس عندنا من سبيل إلى هذه الثورة الفكرية العاصفة غير بعث الكلمة (لا إله إلا الله) جديدة دافئة، خلاقة، في صدور النساء والرجال كما كان العهد بها في القرن السابع الميلادي”.. من مقدمة كتاب (لا إله إلا الله).. للأستاذ محمود محمد طه.
خلف الله عبود الشريف
[email][email protected][/email]
روائح الجنة في الشباب وهي تتلبسكم قادمة من اثواب استاذكم الجمهوري العظيم متدثرا بارياح الجنة ومحبة الشعب السوداني اليذ آمن به وقال فيه تلك الكلمات الزاهرات/هنيئا لك يا خلف بهذا اليقين الراكز بمستقبل عظيم وكل اكتوبر وانتم بخير