الجميع يحب إسرائيل . . قراءة فى كتاب الوجع

(الجميع يحب إسرائيل) دراسة كتبها فى نوفمبر 2016 المؤرخ الأمريكى آرثر هيرمان الباحث فى معهد هدسون آرثر (مركز أبحاث أمريكي تأسس في العام 1961 في نيويورك يهتم بدراسة الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية والإسلام) الدراسة يمتدح فيها الكاتب الشعبية العالمية المذهلة التي تتمتع بها إسرائيل الآن – في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط مؤكدا أن المستقبل الدبلوماسي الإسرائيلي يبدو أكثر إشراقاً من أي وقت مضى فالأعداء السابقون يدفنون الأحقاد والصداقات الجديدة تشهد إزدهاراً واضحاً والمعجبون يتهافتون من جميع أنحاء العالم على الإسرائيليين من القادة والدبلوماسيين والجنرالات والباحثين والمستثمرين والمستشارين وأصحاب المشاريع عالية التقنية. ويبدو ان ذلك صحيحا بكل أوجاع الأسف وأسف الأوجاع . . واقع كل يوم المحلى والإقليمى والدولى يشير بأصابع متسخة الى تلك الحقيقة . . لكن روبرت ساتلوف المدير التنفيذى لمعهد واشنطن وما أدراك ما معهد واشنطن فى الموقف من العرب والإسلام والشرق برمته (المعهد تأسس 1985 بقرار لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية أيباك بغرض دعم المواقف الإسرائيلية) ساتلوف يقدم نصائح ذهبية فى شكل تحذيرات من خلال الدراسة التى كتبها آرثر هيرمان وهى جديرة بأن تقرأ وإن كانت بالفعل قراءة ألم ووجع.
هو يحذر أولا من الإفراط فى التفاؤل حول الأهمية الإستراتيجية النهائية لهذه التحولات الجارية الآن وأن شعبية إسرائيل المزدهرة اليوم ستستمر بالضرورة في سلم أولويات السياسة الدولية وأن يوافق العالم إلى الأبد على وضع القضية الفلسطينية على (الموقد الخلفي) وضرب لذلك أمثلة تاريخية كان أبرزها موقف الإتحاد السوفيتى و فرنسا وسنعرفها تفصيلا.
يلفت إلى أن سرعة التغيرات الإستراتيجية الزلزالية في الشرق الأوسط كما في السياسة العالمية الأوسع في السنوات الأخيرة وما أحدثته من تغيرات قد لا تستمر طويلا موضحا أن مستقبل إسرائيل الجيد على المستوى الإقليمي الضيق القائم على شراكة قوية مع الدولة المصرية وعلى تقارب المصالح مع دول الخليج وعلاقة مفتوحة مع تركيا هذا الواقع القائم لا يمكن التيقن من إستمراره على المدى البعيد .فمن المرجح أن التغيير المصري الداخلي لم ينته بعد (هذا كلام روبرت ساتلوف) وأن تلك الرومانسية التي تجمع بين دول الخليج وإسرائيل تحت الطاولة ستدوم طويلا هى علاقات عائلات وأنظمة فى النهاية. أضف إلى ذلك أنّه لا يمكن الإتكال بشكل جاد على أي نوع من الإستمرارية الإستراتيجية مع وجود قائد كالرئيس التركي أردوغان على رأس قوة إقليمية ضخمة مثل تركيا .
وهو بذلك ينصح إسرائيل بأن تستغل هذه اللحظة لتوسيع (شبكة علاقاتها) في مصر وتركيا ودول الخليج وذلك لتفادى التغيرات التي لا يمكن تجنبها وقد تفاجىء الجميع وعلى الإسرائيليين ألا ينسوا أبدا أنهم يشكلون (المتغير التابع) في جميع هذه العلاقات ذلك المتغير الذى تتقلب حظوظه صعودا وهبوطا إستنادا إلى الأحداث التي هي خارج سيطرته إلى حدٍ كبير . . ليس لدى ما أقوله حول طرق ووسائل توسيع شبكة العلاقات (فى) وليس (مع) مصر وتركيا والخليج . . ناهيك عن أن المتغير التابع حين يكون بوضع إسرائيل فأنت أمام معادلات رياضية خارج النسق الطبيعى لوزن المعادلات .
ثم ينعرج صاحبنا ولاحظ أنه ينعرج إلى التأكيد على أن قوة إسرائيل وإستمراريتها تشكلان مصلحةً إستراتيجية أساسية لطرفين فقط في المنطقة: المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الفلسطينية (محمود عباس) وعلى الرغم من المنافسة وعدم الثقة بين هذين الكيانين إلا أن كلاهما يعتمد على إسرائيل في عناصر أمنية أساسية قد لا يعترفان بذلك علنا إلا أن هذه هي الحقيقة الإستراتيجية ومن غير المرجح أن تتغير في المستقبل المنظور . . هكذا إنعرج روبرت ساتلوف على موضوع بالغ الحساسية وأظن أن الشواهد والشوارد والتوابع والزوابع والدلالات المقيمات منها والراحلات والسائمات منها والهائمات كلها يا سادتى تقول أن ذلك صحيحا.
يحذر أيضا من قصة إستمرار عدم إهتمام دول العالم بالقضية الفلسطينية كعنصر هام في نجاح إسرائيل الحالي ويفسر ذلك بالخلل الوظيفي في السلطة الفلسطينية (محمود عباس) والإنقسام بين الضفة الغربية التي تحكمها السلطة الفلسطينية وغزة التى تحكمها حركة حماس والأهم من ذلك ضغوط الأزمة السورية الحالية الطارئة والتوسّع الإيراني من جهة أخرى فطبيعى جدا أنه فى وسط هذا الخضم الخاضم أن ينخفض إهتمام كل من الجهات الإقليمية والدولية بالقضية الفلسطينية وضرب مثلا بما حدث عام 1987؟ فهي السنة التي سيطر الصراع الطائفى على الساحة السياسية العربية (الحرب الإيرانية ? العراقية) صدام حسين فى مؤتمر القمة العربية بعمان وضع الفلسطينيون على ملحق جدول أعمال القمة إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها رأى أن ذلك التغيير في السياسة العربية يعلن نشوء واقعية جديدة لدى القادة الإقليميين بخصوص نهج إسرائيل تجاه الفلسطينيين إلا أن ذلك الواقع لم يستمر طويلاً فبعد مرور أسابيع على تلك القمة إندلعت الإنتفاضة الفلسطينية ودخل مصطلح (الإنتفاضة) المعجم العالمي وانقلب (الواقع) الجديد والباقي معروف.
ويضيف وهذا لا يعني أن اللحظة الراهنة ستزول سريعاً على غرار عام 1987 ولا أود الحد من الأثر الذي طبعته عقود من الخلل الوظيفي الفلسطيني والفشل المتكرر لدبلوماسية السلام على مدى إهتمام العالم بالقضية الفلسطينية ولكن أحذر من أنه عندما تنفجر العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد تمتد أصداء هذا الإنفجار بشكل واسع وبعيد وبإمكانها أن تهز وقائع سياسية أخرى وفي الوقت الحاضر يسيطر الهدوء بين إسرائيل من جهة وكل من رام الله وغزة من جهة أخرى ومع إحتمال حلول أيامٍ مضطربة في المستقبل (وها هى قد حدثت بالفعل فى المسجد الأقصى) وأيضا عندما يحين وقت تغيير محمود عباس (82 سنة !!) هذا الهدوء لن يدوم إلى الأبد وسيحمل ذلك تأثيراً قوياً على الحالة الإقليمية كلها.
وماذا عن أصدقاء إسرائيل الجدد من غير العرب (روسيا والصين والهند؟) بالطبع لا يستهان بما حققته إسرائيل في بنائها لمثل هذه العلاقات القوية على مدى العقدين الماضيين مع هذه الدول القوية والمؤثرة وهي علاقات ستحصد من خلالها إسرائيل مصالح إقتصادية سياسية ودبلوماسية هائلة وسوف يواصل القادة الإسرائيليون الحكماء القيام بما بوسعهم عمله لتنمية هذه العلاقات.
لكن دولتين من هذه الدول، روسيا والصين، لا تتسمان بالديمقراطية وهذا أقل ما يمكن قوله وتفتقد علاقات إسرائيل مع هاتين الدولتين للـ(قيم المشتركة) ولا تستند سوى على المصالح المشتركة. ويمكن لهذه المصالح أن تتغير مع الوقت كما عام 1947 عندما دعم السوفييت قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين ليعودوا ويسلّحوا أعداء إسرائيل ويقودوا بعدها معركة للموافقة على قرار الأمم المتحدة الشهير تحت عنوان (الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية) عام 1975 إستخفافا بالأسس القانونية والأخلاقية للدولة اليهودية هكذا يقول ساتلوف وإذا دفع الترابط المتبادل الحالي بموسكو وبكين إلى علاقات أقوى مع قوى غير إسرائيل فلن يقف الحنين في وجه تخليهما عن الروابط مع إسرائيل.
لكنه يصف الهند بالحليف الأكثر دواما والصديق الأضمن على المدى الطويل بقدر ما تحمله من قيم ومصالح مشتركة مع إسرائيل (لا أدرى ما هي هذه القيم المشتركة!) ويدعو أصدقاءه الإسرائيليين إلى تقوية العلاقات والروابط مع نيودلهي بشكل أقوى.. لن يكذب ناريندرا مودي خبرا وسيكون أول رئيس حكومة هندي على الإطلاق يزور تل أبيب فى 4 يوليو الماضي الذي قال أيضا إن إسرائيل والهند لديهما صلة عميقة تعود إلى قرون (إسرائيل لها من العمر 69 سنة!!) هو لم يسافر إلى رام الله ولم يلتقي الزعماء الفلسطينيين كما هي العادة مع الزوار البارزين.
ساتلوف يشبه فرنسا بالهند فى رسوخ وإستقرار علاقتها بإسرائيل فهي ديمقراطية وكانت أقوى راعٍ للقوة الإسرائيلية في الخمسينات إلا أنها تعرضت لإنتكاسة عندما قرر فجأة أحد القادة الفرنسيين الشعبيين (يقصد الرئيس ديجول) إنهاء هذه العلاقة الإستراتيجية في الستينات والتحول من تحالف مع إسرائيل إلى تحالف مع أعداء إسرائيل وليس هناك شيء يؤكد أن مصير العلاقات الإسرائيلية-الهندية سيشبه مصير العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية إلا أنه من الضروري أن نتذكر أنّه حتى العلاقات مع الديمقراطيات قد تنهار بشكلٍ سريع ومفاجئ.
ثم يأتى الرجل بالطبع إلى موضوعه هو شخصيا ومهنيا وعقائديا (الولايات المتحدة) الذى يؤكد في بناء سياساتها الشرق أوسطية على التأكيد الواضح والصريح على توافق المصالح الأمريكية والإسرائيلية توافقا تاما .. لكن من الحماقة ألا يأخذ المرء بعين الإعتبار إحتمال بعض المؤشرات المقلقة فى العلاقة مع امريكا والتى قد تزداد سوءاً مثل سياسة إسرائيل بالغة القسوة تجاه الفلسطينيين والتي أطفأت مشاعر التعاطف مع إسرائيل لدى عناصر مهمة في الحزب الديمقراطي والإستياء من إذعان الدولة للحاخاميات .
إسرائيل لازالت حليفاً يتمتع بشعبيةٍ كبيرة بين جموع الأمريكيين ولا تهدد أي من هذه الظواهر في الوقت الحالي التحالف الأبرز بين قوةٍ عظمى وقوة إقليمية صغيرة في التاريخ الحديث إلا أن التحالفات تحتاج إدارة سليمة ولا يمكن أن تزدهر من دون رعاية.
هذه أهم نصائح معهد واشنطن وعلى رأسه بالطبع ساتلوف لإسرائيل . . وهى كما نرى قائمة بدرجة كبيرة وبالأساس على خيبات الشأن العربي العام . . كما قال فيهم من قال:
لا يحذرون الشر حتى يصيبهم ولا يعرفون الأمر إلا تدبرا (بعد ما يفوت الأوان).

عزالدين حمدان ? لندن
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. والله نحن زاتنا بنحب اسرائيل …احسن لينا من المصريين و العرب ..استفدنا ايه من العرب غير العتصرية و السخرية وقلة الادب………..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..