أدركو هذه الأجيال ..وعلموهم الواجب والأخلاق قبل فوات الأوان

لا نحن مرهفين .. ولا نحن أولاد ذوات ( كما يقول أبناء شمال الوادي ) .. ولا نحن ولدنا والملاعق الذهبية في أفواهنا .. ولا الخدم والحشم حولنا .. وإنما نحن جيل ولد في عهد الإنقاذ عهد الفقر والجوع والفساد .. وعهد الظلم .. والعهر ومن بئية تعانق فيه الشرف والفقر .. في أعماق الريف السوداني الأصيل .. يجب على هذه الأجيال الموجودة على الأرض أن تتعلم هذه العبارات .. وعلى وسائل الإعلام الحرة ترديدها عليهم هذا إن أردنا أن نخرج بهذا الجيل إلى بر الأمان وعلينا الكف عن أي حديث آخر لأنه ليس بأهمية تعليم الأخلاق لهذه الأجيال على الأقل في الوقت الراهن بما فيها قصص الفساد المروعة والدمار الذي صاحب كل شيء لأن هذه القصص أصبحت لا تدهش ولا تهزّ شعرة في من يستمع إليها أو حتى من الذي يراها من كثرتها والتعود عليها وهنا مكمن الخطورة … أن يعيش هذا الجيل على ثقافة الفساد والأمر الواقع .. وأنا هنا لا أبرئ نفسي
فالأجدر مخاطبة الأجيال القادمة بالأخلاق وتعليمهم بالواجبات وكيفية إعدادهم لمرحلة البناء والتعمير لما بعد الإنقاذ .. والإنقاذ ذاهبة لا محالة فقبل أن تذهب الأخلاق أيضا فعلينا إدراكها قبل فوات الأوان وكما قال شوقي : ( الأمم الأخلاق ما بقيت .. ) فالأمم تضمحل وتندثر إذا ما إنعدمت فيها الأخلاق .. وإذا أصيب القوم في أخلاقهم .. فأقم عليهم مأتماً وعويلاً … وقد أتى اليوم الذي كنا نخشاه ويخشاه كل شريف وحر اليوم الذي أصبح فيه الخلوق القوي الأمين غريباً منبوذاً لا يؤخذ له رأي، ولا تسند إليه أمانة !!
وعلموا هذه الأجيال بأن الفاسد الذي سرق ليس سوداني .. وإن الكذاب المنافق ليس سوداني .. وإن الذي يقبل الذل والإهانة ليس سوداني .. وإن العنصري الذي يقتل ليس منا .. وبهذا نعدّهم لبناء الدولة التي إنهارت فيها الأخلاق في هذا العهد الذي هزم هذه الأجيال نفسيا وجعلها أجيال غير مؤهلة لتحقيق طموحاتها وتطلعات وطنها وهزمها بالجهل وبالقهر والظلم وسلب الإرادة وجعل كل خبراتها تتمركز في النفاق وتملق الحاكم من أجل منحهم وظيفة في الحياة … وتعمد هذا النظام أن يربي هذه الأجيال على الخضوع والمذلة وجعلهم كالعبيد لا يطمحون للحرية وصناعتها ولعدم معرفتهم بالحرية فلا يطالبون بها فهم معذورون لأنهم لم يعيشوها
نعلم هذه الأجيال بالواجبات : وإذا ما الواحد منهم طلب من الذي يصنع الحذاء أن لا ينسى فيه المسامير .. وإذا طلب من الذي يرصف الشارع ألا ينسى سد النقر أو (الحفر) ومن الذي يأتي بالماء ألا ينسى قطع الثلج .. ومن الذي يبيع الطماطم ألا يغش .. ومن الذي يكنس الشارع ألا يترك فيه الزبالة .. ومن الذي يرمي الزبالة أن يرميها في مكانها الطبيعي .. ونعلمهم بأنهم هنا لا يشكون أحدا إلى أحد .. وإنما هم يتشاكون .. يشكون أنفسهم إلى أنفسهم
نعلمهم بأن الشخص في هذه الحالة ليس مترفا ولا باحثا عن الكماليات .. وإنما يطلب الكمال وإنه يطلب من الذي يعمل أن يتقن عمله .. فهذه الحفر في الشوارع وفي الكباري التي لم يحسن صانعها الفاسد عمله قد لا تهم من يمشي على قدميه .. وقد تهم من يركب السيارة .. معظم الناس مشاة .. ولكن أداء الواجب على أكمل وجه هو الذي يهمنا .. فالذي يرصف الشارع يجب أن يتقن الرصيف .. والذي يصنع الكبري عليه أن يتقنه .. والذي يكنس الشارع عليه أن يحسن الكنس .. والذي يمشي في الشارع يجب أن يراعي علامات المرور وعلامات المشاة .. والذي يصنع الخبز والذي يصنع الفول والطعمية وكل من يعمل شئيا يجب أن يتقنه .. والذي بين يديه معاملات الجمهور عليه أن يحسن تعاملهم وعدم استغلالهم والإساءة إليهم
وعليهم أن يتعلموا بأنهم في هذه الحالة ليس بمترفين ولا باحثين عن الكماليات وإنما الكمال هو الذي ينشدوه
وفي نفس الوقت على هذه الأجيال أن تعلم علم اليقين أن هناك أخوة لهم كانوا لا يجدون الماء النقئ الوفير الذي تجدوه ولا الدفء الذي تنامون فيه ولا هذه المسافات والمساحات الزراعية الواسعة التي ترتعون فيها من شارع إلى شارع ومن مدينة إلى مدينة ومع ذلك إنهم نهضوا وبنوا بعد جوع وعطش
وعلى الرغم من ذلك فإننا جميعا يجب أن نتمسك بكل ما هو واجب .. وبكل ماهو طريقنا إلى كمال العمل وكمال الإنتاج
وقد لا أتفق مع صديقي الذي دائما يقول …طموحات هذه الأمه ربما تحققها أجيال ستأتي بعد ازمنه من الكفاح ضد المستعمرين المحليين أولا من لصوص الثروات وسارقي الحياه وعشاق الجهل والموت وليست هذه الأجيال …
بل أقول هذه الأجيال الموجودة على الأرض ربما تحقق طموحات هذه الأمة لو تعلمت أنه إذا نحن جميعا حرصنا على أداء الواجب .. في الصغيرة والكبيرة على كل المستويات سنبني ولا خوف علينا
[email][email protected][/email]