حصنوهم بأكل الكول

بشفافية

ذات مباراة في كرة القدم ، سمعت أحد المشجعين يتداخل مع مشجعين آخرين كان أحدهما يكيل عبارات المدح والثناء لأحد اللاعبين ، من شاكلة ( دا سيد الكورة ورب الكفر ، دا المنقطا والمجضما زي ما الكتاب بيقول ) ، فاعترضه آخر بحجة أنه بهذا الوله سيسحر الواد اللعاب و ( يديهو عين ) ، وهنا تداخل ثالث صائحا ( لا ما بتجيهو أي عوجة دا ماكل كول ، لا بتصيبو عين ولا بتلبسو شيطان ) ، والكول بفتح الكاف والواو لمن لا يعرفونه هو مسحوق داكن اللون ، له رائحة نفاذة وطعم لاذع ، خاصة عندما يضاف الى أنواع معينة من الطعام ( الادام ) مثل ملاح الشرموط والتقلية وأم بق بق الخ ، وهو يستخرج من أوراق نبتة خلوية لا تزرع وانما تنمو ( بروس ) ، يتم تخميرها وتجفيفها ثم سحنها لتصبح مسحوقا مشهيا يشتهر به على وجه الخصوص أهلنا في الغرب الكبير ( دارفور وكردفان ) ، ولكنه تجاوز كثيرا حدود منشأه وموطنه الأصلي ، ونال حظا واسعا من الشهرة والانتشار ربما جعلته ينافس حتى التركين في أقاصي الشمال ، وشأنه شأن أي أمر آخر ، للكول محبين ومتذوقين كما له أيضا كارهين ومتأففين ، وله عند الطرفين حكايات وطرائف شتى ، من ذلك مثلا قول محبيه مفاخرين ( ول ميسر تاكلو باليمين تشمو بالليسر ) ، أي تأكله بيدك اليمنى فتشمه في اليسرى ، كما خلدوا ذكراه في أشعارهم وغنائهم الشعبي ومنها الأغنية الشهيرة للفنان عمر احساس التي يقول فيها ( لنا ملاح له طعم ورائحة وبكل فخر أقول كولاي ) ، أما شانئوه فلهم عليه وضده الكثير ، منه قولهم لآكليه ( اذا بتاكلو دا مال بتخرجو ايه ، واذا كان هو بيفتح النفس طيب ايه البسدها ) ،وهلمجرا من أقوال ..
الشاهد في حكاية الكول وكونه يدرأ العين ويحمي آكله من شر الوسواس الخناس ، ويمنع عنه تلبيس ابليس وتلبس الشيطان ، كما يعتقد بعض المؤمنين به ، ليس كطعام شهي فحسب ، بل وكرقية حارسة أيضا من الوقوع في الزلل والمعاصي ، فالكول اذن بقدراته هذه يصلح تماما أن يلعب دور المقابل المعاكس والترياق المضاد ، للاعتقاد الآخر الذي يحمل الشيطان نتيجة ومغبة الجرائم التي يرتكبها البعض ، وكما سمعت من ذاك المشجع أن الكول يحمي صاحبه من تلبس الشيطان وغواياته ، فقد سمعت عن والي الخرطوم السابق عبدالرحمن الخضر أنه قال متحسرا على ضلوع أحد منسوبيه في جريمة التعدي على المال العام الشهيرة بقضية مكتب الوالي ، أنه ويعني منسوب مكتبه كان اسلاميا تقيا وورعا ومشهود له بالصلاح والفلاح ولكن الشيطان خدعه وغشاه ، ومثل ما قاله الخضر قاله آخرون في آخرين سابقين ولاحقين من اخوة صاحب الخضر الذي كان تقيا ورعا ، وعليه فقد عنت لي فكرة قد تعين على تحصين ( الأتقياء الانقياء الورعين )، وخاصة من يتسنمون منهم مواقع حساسة ،من أن يغرر بهم الشيطان فيقعوا في المعاصي أن يفرض عليهم تناول وجبة يومية من الكول ..

حيدر المكاشفي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..