الكلام الجد

الكلام الجد (1)

أما كفانا ؟ ثلاثون عاما ونحن نشتم وهم يحكمون .. ثلاثون عاما ونحن نلعنهم وهم يسرقون .. ثلاثون عاما ونحن نسخر منهم وهم يخربون .. ثلاثون عاما ونحن نحذرهم وهم في طغيانهم يعمهون .. ثلاثون عاما ونحن نتوعدهم وهم يقتلون !!!! ؟؟؟
إذن دعونا نفكر جديا في الحل .. كل الشعوب تغير تكتيكاتها واستراتيجياتها للوصول لأهدافها .. لكننا ظللنا نلف وندور في ذات الحلقة المفرغة .. نخسر زمنا ويزدادوا تمكينا.. حفظوا ما نفعل وما نقول واحتموا بالبندقية والمال .. وكلاهما ترجحان كفة الخصم المجرم .. ماذا تفعل مع اللص وهو يحمل بندقية وقد سرق خزنة الدولة ؟ وهو أيضا على استعداد ليلقي للمستسلم والمستجدي والمنافق حزمة نقود !!؟ ..
تضحيات كبيرة ضاعت سدى .. دماء الشهداء روت الأرض وسنوات من عمر المناضلين ضاعت في الزنازين.. ولم يتغير شيء !!.. لا لأن النظام عصي على السقوط بل لأننا مجمعون على إسقاطه ومختلفون فيما بيننا وتمكن النظام عبر المال من استمالة كثيرين .. خلق الأحزاب على مزاجه ومزقها شر ممزق واستمال أخرى وفرق بين الأخ وأخيه وأخته والأب وابنه وبنته وراح يوزع العطايا والمناصب للمؤلفة قلوبهم .. وأخيرا ساوم على عقيدته وبرنامجه وشعاراته وباعها كلها في سوق الله أكبر وله مع كل ذلك لسان كذبة يزينون له ما يفعل ويبررون له ما يجترح .. يميل مع الريح حيث تميل، يرفع الشعار ثم يدوس عليه ويستبدله بآخر .. يحالف ثم يخالف دون أن يرف له جفن حيث لا مبدأ يحكمه ولا أخلاق تضبطه ولا مبادئ تلزمه .. لذلك استفهم الطيب صالح استفهامه الاستنكاري ” من أين جاء هؤلاء ؟ وقد صدق فهم لا يشبهون أهل السودان في شيء..
الآن نريد أن نغير كل ذلك وقد تغيرت الكثير من الأوضاع الإقليمية والدولية .. علينا ألا نراهن بعد الآن على ما لا يُعقل .. المحكمة الجنائية الدولية تراجعت في جديتها بل وتراجع التأييد لها إفريقيا ودوليا .. النظام تحالف مع دول خليجية وباع لها أبناءنا وهي لن تتخلى عنه إذا تعرض لمخاطر عسكرية أو حتى شعبية .. والمعارضة العسكرية نفسها تعاني من انشقاق وصعوبات .. وجوبا ، بضغط وترتيب أمريكي وغربي، في طريقها للتسوية مع النظام وها هو سلفا كير في طريقه إليهم والشعب جرب في سبتمبر كيف يدفع الثمن الغالي فلذات أكباده بالقتل في الطرقات ثم يدعي النظام أنه لا يعرف قاتلا واحدا من أكثر من مائتي قاتل في يوم واحد !! العصيان تم تجريبه وأدى غرضه في هز النظام وتكرار التجربة على ذات النمط قد لا يفيد إلا بأساليب أخرى مبتكرة.. أمريكا أسقطت العقوبات لتنفيذ أجندتها ويبدو أن النظام بصم بالعشرة على تنفيذ كل ما طلبت منه خاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب لأنه كان عرّاب الإرهاب في المنطقة منذ ثلاثين عاما ولديه باع طويل في صناعته ويمكن أن يكون له باع طويل في هدم الأوكار والمخابئ التي صنعها .. وله في ذلك سوابق فقد استضاف كارلوس ثم سلمه واستغل بن لادن وسرقه وطرده وجلب مصطفى حمزة لينفذ مؤامرته ثم أرسله لأفغانستان ليلقى حتفه وأكرم عمر عبد الرحمن وأرسله للسجن في أمريكا وأعاد الصادق المهدي من المهجر مصالحا ثم لم يجد من وعوده غير الريح وجرد عبد الرحمن الصادق من قواته وأدخله القصر كما أدخل ابن زعيم الختمية مستشارا تارة ومساعدا تارة أخرى .. ومن قبلهم استدرج زين العابدين الهندي واستنسخ من النفاق تمثالا يدعى أحمد بلال واستخدم مبارك الفاضل ألعوبة يدوس عليها فيبكيها ويربت على كتفها فيضحكها وتضحك عليه وغيرهم كثير..كثير ..
الهدف هو إسقاط النظام وقد توفرت فرص إسقاطه في أوقات مضت وضيعت المعارضة بسذاجتها وتفرقها تلك السوانح حيث كان النظام أضعف ما يكون ، مكروها من الشعب، منهكا ، محاصرا ، مهزوما على جبهات القتال ، معزولا عن محيطه العربي والأفريقي ، محاصرا بعقوبات دولية ، متهما برعاية الإرهاب ، مطاردا من محاكم دولية ، يتصدر نشرات الإدانة من لجان حقوق الإنسان وتنقل الفضائيات صور القتل والدمار والنزوح ويتعرض لانشقاق داخلي ويكاد يتهاوى من الفساد و… و… ولكن !!!
الآن لا بد أن نعترف أن النظام قد وجد فسحة من الأمل في البقاء لفترة أطول بتغير كثير من أدوات الضغط عليه وتمكنه من إدخال الكثيرين في ” حظيرة الحوار ” والمفتاح بيده ، حتى أن الأمل يراوده في تجديد ترشيح البشير بمباركة من شيخ الطبالين أحمد بلال مسابقا قبل أن تدق دفوف الطبول الجوفاء للرقص في جوقة الرجرجة والدهماء.
ألا تلاحظون أننا ننشغل بتوافه الأمور التي يرتب لها النظام بدقة ؟ .. وما فات علينا أن هذا النظام لم تعد تهمه الفضائح ولا تؤثر على جلده الشتائم بل صار يسعى لصناعتها ليشغل بها الناس ” والبرقص ما بيغطي دقنو ” .. راجعوا فقط ما أثير خلال الفترة الماضية من قضايا ، على سبيل المثال.. الفريق أو التمرجي طه وكيف شغل الناس ليظهر آخر أمره متدثرا بجنسية بلد آخر ومستشارا في بلد آخر ولم يرف للنظام جفن وهو ينقل أسرار الدولة إلى دولة !!.. قضية شيخ الأمين شيخ الجكسي، قضية قتل جنائية مثل قضية المرحومة أديبة تصبح الشغل الشاغل لشعب بكامله ويروج النظام لقصص خيالية بشأنها ، مزاعم عن سرقة أعضاء بشرية تخلق حالة من الجدل والفزع لوقت ليس بالقصير ، سرقة سيارة ” إدخال جمركي ” يملكها إمام مسجد تستهلك من الحبر والحناجر الكثير .. وإشاعة تصادم بين هلال وحميدتي وتسجيلات تتعلق بأزمة صنعوها وسكتوا عنها .. حادثة رأسمالي نصاب تم سجنه في دبي .. فضائح جنسية دبلوماسية ، فضيحة جنسية أخرى لمليونير تخصص في فض عذرية صاحبات الحاجة ” مع أنها ليست بجديدة فقد فعلها أخ له ” مسلم ” من قبل “!! .. وقروبات يدخل أطرافها في تسجيلات صوتية تشغل الناس بتوافه العبارات والاتهامات .. حوادث وتسجيلات مفبركة عن محاولة تفجير رئيس الوزراء ” ولم أفهم قط لماذا يحاولون تفجير طائرته بينما بقيت طائرات من هم أكثر منه إجراما تصول وتجول ثلاثين سنة ؟” .. حادثة كوافير ونقل نظامي لا نعرف ماذا فعل قبل القبض على صاحبة الكوفير و” بتدق يا عبد الله ” لينشغل الناس بها عما سواها .. وغير ذلك من القضايا الصغيرة التافهة مثل ” المكواة والعقرب وأبو القنفذ ” والبحث عن الثراء في أوهام الفقراء .. بعض ما سلف قضايا هامة لا ريب ويجب ألا نتجاهلها لكن لا ينبغي أن نخوض فيها كلنا مع الخائضين وتشغلنا عن الأهم ، وهي تشير إلى أمراض سلطوية واجتماعية لكنها لا تسقط نظاما بل أجزم أن بعضها يصنعها النظام ويساهم في ترويجها لتشغل الناس عنه وقد بلعنا الطعم القاتل الذي يتقبله الناس بتلذذ وشغلنا بعضها عن ذكرى من قتلوا في سبتمبر غدرا لإشعالهم نار الثورة وليصرفنا عن ذكرى أكتوبر وصنع بعضها ليغطي على قتل طلاب الجامعات ولصرف الناس عن مشاكل الجوع والمرض والفقر والقتل المستمر.
ألا تلاحظون أننا ننفس عن الغضب بكتابة مقالات تلعن سنسفيل أجداد كبار وصغار المسئولين بالحكومة وتعليقات لا تبقي ولا تذر .. ويذهب كل منا إلى بيته يتمطى وينام مرتاحا وكأنما عاد من غزوة جندل فيها خصومه من الإخوان المسلمين وتابعيهم من المنافقين؟ ثم يسن قلمه أو يمسح ” كيبورده ” للمنازلة القادمة ؟ وهذا يعطى شعورا “نفسيا ” بالإشباع والإحساس بالمشاركة والنضال في معارضة ومقارعة النظام الجائر ” وهذا ما أحسه مثلا بعد نشر هذا المقال ولكنها في الواقع معارضة وهمية ” وقد استمرأ النظام ذلك وبدلا من أن تكون وسائل التواصل نقمة عليه أصبحت نعمة له حيث صار يستغلها لشغل الناس عما ينفع الناس .. وإذا كان هذا السلاح قد استخدم في ثورات الربيع العربي بنجاح وحاولنا تطبيقه في سبتمبر وما تلاها من محاولات الاعتصام فإنه لم يعد بعد الآن بذي جدوى ، لأن السلاح بمجرد أن يتم تجريبه سيمكن العدو من اتخاذ تدابير الوقاية وصناعة المضادات له بل واستخدامه على أقل تقدير.
الأصل والكلام الجد هو أن ندع سياسة التفريغ في الفضاء لسياسة العمل على الأرض .. أن نكف تماما عن الكتابة والتعليق ” الزائد عن اللزوم ” على كل مقال والسب والشتم في الفضاء حتى لا يمل الناس التكرار الذي لا طائل منه.. لنحول كل ذلك هتافا في الجامعات والندوات الشعبية .. ومظاهرات في الأحياء ومجاهرة بالعداء في المواصلات ومجابهة وتصديا لكل من يدافع عن النظام في كل مكان وكشفا لحال النظام في الواقع .. علينا ألا نحس بالشبع على الانترنت بل بالجوع للخروج للشارع .. لأن ترويج فضائحهم فقط على الأسافير لم يعد يهمهم فهي بضاعتهم، بل بالوقوف في الندوات والكشف عن المثالب وتحمل تبعات ذلك والدفاع عن الحريات لإجبارهم إما بقبولها أو بالقبض على معارضيهم .. دعونا نملأ عليهم السجون بعد كل ندوة لنفضحهم أمام العالم بأن ما يزعمون من حريات متاحة هو محض دجل وكذب .. دعونا نجبرهم على تنفيذ ما أوهموا به بعض المؤسسات الدولية في الفترة القادمة من التقيد بحقوق الإنسان.
والكلام الجد أن تستعد المعارضة للانتخابات منذ الآن مع أن الوقت قد تأخر كثيرا .. علينا أن تنشئ قناة فضائية تبث من داخل السودان ، ونجعل سلطات أمنهم في هلع وخوف تقف عند بوابتها لتعتقل كل خارج منها وداخل إليها ونستبدلهم بآخرين .. دعونا نرفع صوت الفم لا صوت القلم فحسب ، أما رأيتم كيف كان تأثير قليلين طردوا مسئوليهم من عزاء المرحومة فاطمة أحمد إبراهيم !! لماذا لا نحول المواجهة معهم في كل موقع .. هتافا ضدهم في كل زواج ومأتم وتجمع واحتفال حتى تمتليء الزنازين أو يكفوا عن ارتياد الأماكن العامة بمحاصرتهم داخل دورهم وجحورهم وحول قصورهم.
الحل الوحيد لإسقاط النظام ، بعد الآن ، وفي ظل المتغيرات السياسية هو الاستعداد لخوض الانتخابات ويكون ذلك بحركة سياسية فاعلة في شكل ندوات ومعارضة مرئية ومسموعة في الندوات والمظاهرات ولو تمكنت المعارضة من إدخال نصف عدد النواب فسوف يكون ذلك فتحا كبيرا وتقييدا للنظام من مواصلة الخراب مع أن أمامها فرصة إسقاطه بالديمقراطية إن حسنت النوايا وصدق العمل وشرع الناس من الآن في الاستعداد والإعداد للانتخابات، بدلا عن المقاطعة التي لن تجدي وحتى لا ننتظر ثلاثين عاما أخرى أو نمني نفسنا الأماني بأن يسقط النظام نفسه بنفسه ويكون القادم أسوأ.
إشارة: قرأت أن السيد الصادق المهدي طلب السماح له بالعودة لميدان الخليفة لإسقاط النظام ، فإن صح ذلك ، فليعلم أن رجله لن تطأه أبدا وإن كان صاحب عزيمة فليبدأ الزحف نحوه من بيته ثم من دار حزبه ثم من أي ميدان وعندها فقط ستتكفل الجماهير بدخول كافة الميادين من غير إذن ، وهذا للصادق وغير الصادق.
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

أبوالحسن الشاعر
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..