الطبقة الوسطى هي مخزن القيم الذي هدمناه

٭ الدكتور محمود عوده أستاذ علم الاجتماع بالجامعات المصرية كتب لمجلة روز اليوسف في عدد السادس من نوفمبر عام 6002 والذي اطلقت فيه حملة الاصلاح الاجتماعي.. كتب مقالاً بالعنوان أعلاه رأيت أن يطلع عليه قراء صدى.
٭ «لا شك ان هناك مجموعة من القيم والاتجاهات السلبية التي ميزت ولا تزال الشخصية المصرية نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التاريخية التي عاشها الإنسان المصري.
٭ فالإنسان المصري ليس سلبياً بطبعه في قيمه وإنما هو اكتسب هذه القيم السلبية بحكم ما تعرض له على طول تاريخه من ظروف قاهرة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولقد سارعت أن أفسر هذه السمات السلبية على الشخصية المصرية على ضوء مجموعة من الأسباب أو المفهومات.
٭ فهناك أولاً ثقافة القهر التي تنطوي على القهر السياسي والاستبداد التاريخي الذي عانى منه المصريون بحكم طبيعة الجغرافيا السياسية للمجتمع المصري بوصفه حضارة قهرية شهدت أول دولة مركزية في التاريخ، وان هذه الدولة المركزية عاشت تاريخياً وبنت حضارتها على فائض انتاج الفلاحين من خلال أشكال متعددة من الضرائب وفائض عملهم من خلال أشكال متعددة من السخرة والقهر الاجتماعي الذي عاشه المصريون أيضاً في ظل تركيبة طبيعية هرمية مكان غالبية المصريين فيها هو قاع الهرم وما يترتب على ذلك من أشكال الضغط الاجتماعي شكلت رؤية المصريين للكون باعتباره تنظيماً هرمياً.. لذلك نجد أمثالاً كثيرة مثل «اللي ملوش كبير يشتريله كبير» الميه ما تجريش في العالي» و»العين ما تعلاش على الحاجب» ماذا يفعل المصريون ازاء هذا القهر طوروا أو اكتشفوا سمات شخصية تمكنهم من التعامل مع هذا القهر والتعايش معه كالسلبية واللامبالاة والأنانية والخضوع «البلد اللي تعبد العجل خش وارميله»، «اللي بتزوج أمي أقول له يا عمي»، «الباب اللي بجيلك منه الريح سده واستريح».. أمثلة حكمت سلوك المصريين كآليات دفاع في محاولة للتحايل على القهر السياسي والاجتماعي والتحايل على القوانين.. لذلك ستجد في الشخصية المصرية صفات مثل التحايل، السلبية، الأنانية وتجنب المشاركة.
٭ ثقافة الفقر وذلك لأن الخير محدود وفرصة الحياة محدودة فالناس تتنافس على فرص قليلة وبصفة خاصة في ظل امتلاك قلة من المجتمع الطبقي معظم الثروة وترك الفتات لغالبية الناس فمن الطبيعي أن يتقاتل الناس على الخير المحدود فظهرت خصائص الحسد.. الغيرة والحقد وبصفة خاصة بين الأقران.. العنف الرمزي المتمثل في اطلاق الشائعات وتفسير نجاح الآخرين والمنافسات غير المشروعة في العمل فكل انسان صار يسعى لخطف لقمة العيش من الآخر على ضوء ثقافة السخرة.
٭ ثقافة الزحام: المصريون تاريخياً تركزوا في أماكن متلاصقة كنوع من حماية أنفسهم من الفيضان واللصوص وتلك سمة جعلت المصريين يفضلون العيش وسط أناس كثيرين «الجنة اللي ما فيها ناس ما تنداس» ومع زيادة أعداد الناس أصبحت الناس تتقاتل ليس فقط على لقمة العيش ولكن على المكان المحدود ومشاجرات الشارع والمرور وظهرت صفات العنف في المواصلات وفي المصالح الحكومية والجامعة وهكذا أصبح المصري يعاني من قهرين الدولة المركزية السوق الحرة والسوق الرأسمالية وانفجارات الأسعار.. كل هذه العناصر تعمق السمات السلبية في الشخصية المصرية. فلم يحدث تغيير نوعي في البنية الاجتماعية والسياسية كلها تغيرات سطحية فطبقة الملاك القدامى انقرضت ليظهر رجال أعمال جدد.. فهناك أشكال ديمقراطية ولكن المضامين غير ديمقراطية بالاضافة إلى ان التحول الرأسمالي الليبرالي زاد الهوة بين الأغنياء والفقراء والطبقة الوسطى آخذة في الانقراض وهي التي تعد المخزن الذي يحمل القيم واللحمة الأساسية للمجتمع.. هذه الهوة الواسعة والبطالة وندرة فرص الحياة كالسكن والعمل والتعليم وتدهور الخدمات كان هو البيئة الخصبة لظهور سمات جديدة هي للأسف سلبية كالعنف في العلاقات الاجتماعية كأن يقتل الأب ابنه مثلاً ومعارك الشوارع.. أيام الحملة الفرنسية كانوا يقولون المصريون لا يتشاجرون علي الاطلاق في الشارع.. أما الآن فالبلطجة أصبحت في الانتخابات والجامعات ووسيلة تلجأ لها جميع الأحزاب والأخطر هو التناقض الرهيب في السلوك الاجتماعي بين الانحلال إلى أبعد حد والتزمت الديني لدى الفقراء والبسطاء من الطبقة الوسطى كوسيلة لحمايتهم من الاستفزاز الاستهلاكي نوع من التبرير والهروب وانحسار قيم الشرف والجدية والعمل والانجاز».
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..