مقالات سياسية

رفعت العقوبات…أرفعوا الهمة! 2

(آه…أي وطن جميل يمكن أن يكون هذا الوطن،
لو صدق العزم، وطابت النفوس، وقل الكلام، وزاد العمل)
“الطيب صالح”
تناولت الحلقة السابقة جوانب ومتطلبات أساسية يعتقد الكثيرون أنها جوهرية من أجل الاستفادة من رفع العقوبات، التي كانت تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على السودان أحادياً. وقد ورد في تلك الحلقة الإشارة إلى ضرورة إصلاح الخدمة المدنية والاهتمام بالصحة العامة وإعادة هيكلة بعض مرافق الدولة، مع العناية الخاصة بصحة المواطن وتلبية حاجاته الضرورية حتى يتفرغ للإنتاج. بمعنى آخر، يجب أن تكون بداية الانطلاقة هي تأهيل الأشخاص عن طريق تحسين صحتهم، وتزويدهم بالمعرفة والتدريب التقني والإداري المتطور والمستمر في مجالات الإنتاج كافة. ولماذا لا نستثمر أولاً في الإنسان السوداني نفسه باعتباره أهم أصولنا التي يرتكز عليها الاقتصاد الكلي؟ ونود أن نضيف هنا أن ما سبق يحتاج لمنظومة قانونية تحكم كافة جوانب العملية الإنتاجية من حيث علاقات الإنتاج، وحسم الخلافات وتحديد الحوافز وكل ما يتصل بذلك، كما أن هذه المنظومة يجب أن تتوسع لتستوعب الاستثمار وملكية الأراضي واستخدامها، حفاظاً على موارد البلاد وحماية لحقوق المستثمرين وتشجيعاً لهم؛ حتى تدور عجلة الإنتاج وتتحقق الفوائد المتوقعة من رفع العقوبات على أكمل وجه ممكن. ومن المطلوب أيضاً، في هذا الصدد، خفض الانفاق الحكومي وتوجيه أكبر قدر من عائدات الدولة ومواردها لإصحاح البيئة الاقتصادية وذلك برفع كفاءة وسائل النقل وإيجاد بنية تحتية عصرية، وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة إعادة السكة حديد إلى سابق عهدها باعتبارها أنسب وسيلة لنقل البضائع والمنتجات في قطر مترامي الأطراف مثل السودان. وأي حديث عن النقل بدون إعادة تأهيل الناقل الوطني، الخطوط الجوية السودانية، وإعادة هيكلة إدارتها، وإحياء “سودانلاين” أي سفننا وخطوطنا البحرية وأعادتها للخدمة مع تطوير الموانئ، يكون كل ذلك نوعاً من الحرث في البحر! وبما أن “جحا أولى بلحم ثوره” هنالك ضرورة ملحة لعودة رؤوس الأموال الوطنية المهاجرة إلى العمل والاستثمار داخل البلاد، ليس هذا فحسب، بل يجب أن تكون هنالك خطة اقتصادية مدروسة من شأنها أن تشجع أصحاب تلك الأموال وتحثهم على المساهمة في تنمية وطنهم وزيادة الإنتاج بحيث تسهم منتجاتهم في زيادة الصادر وتدر عملة صعبة لعلها تحسن من الوضع الاقتصادي، على مستوى القطاع الخاص والعام. وضماناً لتنويع المحاصيل يجب ألا نضع “كل البيض” في سلة واحدة بل يجب توجيه المشاريع وتوزيعها على كافة مناطق السودان مع مراعاة ما يصلح لكل منطقة من نشاط، لكي يرتبط الناس بمناطقهم وتقل الهجرة إلى المدن ويستقر إنسان الريف حيثما كان بعد الحصول على العمل المجزي وتأمين الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وغير ذلك من ضرورات الحياة. وهذا بالطبع يتطلب توفير الإمداد الكهربائي إلى مناطق الإنتاج في الريف بقدر المستطاع حتى تقل تكلفة الإنتاج، ولكي يساعد ذلك في عمليات التخزين والتبريد على وجه الخصوص، كما يمكن أن تقوم صناعات تحويلية بسيطة في المدن الصغيرة حتى نتخلص من تصدير منتجاتنا على شكل خام؛ وبذلك نضاعف من دخول المنتجين والمصدرين ونرفد الخزينة العامة بمزيد من العملات الصعبة. وفي هذا الصدد، نتمنى على الدبلوماسية السودانية أن “تكمّل جميلها” بحيث تتحول بعثاتنا الدبلوماسية في كافة أرجاء المعمورة إلى مراكز علاقات عامة تروج لإمكانيات السودان وتنوّع وتعدد مصادره وموارده الطبيعية التي لا تزال بكرا وذلك من أجل جلب استثمارات تتوافق مع طبيعة السودان وتلبي طموحات كل الأطراف التي تشارك في تلك العملية التي نتوقع لها نجاحاً باهراً؛ إذا توفرت البيئة الاقتصادية المناسبة والخالية من التعقيد والأطماع والأجندة الشخصية والفساد بكل تأكيد. كما يستلزم الأمر فتح أسواق جديدة في مختلف بقاع المعمورة، وتعزيز علاقتانا التجارية القائمة مع شركائنا في محيطنا العربي، على أساس مبدأ تبادل المنافع، والمشاركة في تحقيق الأمن الغذائي العربي؛ إذ السودان هو الدولة الوحيدة المؤهلة لتوفير ما تحتاجه الأسواق العربية؛ خاصة من اللحوم والعلف وبعض المنتجات الأخرى، مثل الصمغ العربي، والسمسم وغيرها من المنتجات الزراعية التي تستخدم لإنتاج الزيوت النباتية، ومعظم هذه المنتجات لا تصلح لها إلا بيئة السودان! وعلى ذكر هذه الأشياء أين دور شركة الصمغ العربي وشركة الأقطان وشركة الحبوب الزيتية وكل تلك الشركات العملاقة التي كانت، حتى وقت قريب، تنسق كافة الأنشطة ذات الصلة، كل في مجال اختصاصها، من تنظيف وتعبئة وتخزين ونقل وتصدير بكل كفاءة ونزاهة! أما إعلامنا فمنوط به أن يكون رأس الرمح في هذه العملية؛ فالترويج الآن تخصص له قنوات وبرامج تشرف عليها جهات علمية وذات خبرة واسعة في كافة المجالات من تسويق وعلاقات عامة ودعاية وإعلان، وينبغي على تلك الجهات أن تعرف ما تريد بكل دقة وإدراك لمتطلبات هذا العصر من أنشطة إعلامية ترتبط بالسوق وأماكن الإنتاج ومؤسسات الاقتصاد مباشرة حتى تتوفر لها كل التسهيلات والمعينات الأخرى المطلوبة من كوادر بشرية وأجهزة ووسائل اتصال ومواصلات، تحقيقاً للفائدة المبتغاة.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..