مقالات سياسية

يا وزيرة: سواق ركشة ولا وظيفة أستاذ جامعي…

يا وزيرة: سواق ركشة ولا وظيفة أستاذ جامعي…

✍ كان يعمل عضو هيئة تدريس بأحد الجامعات الولائية في مجال تخصص طبي نادر، تحتاجه كل المؤسسات التعليمية في البلاد، ولكن أبت سياسة ادارة الجامعة التابعة للمؤتمر الوطني، إلا وأن تقذف به خارج التدريس الجامعي، فتقدم بشكوي لوزيرة التعليم العالي والبحث العلمي فجاءه الرد عبر وكيل الوزارة: أمشي المحكمة، ذهب الي المحكمة وله فيها ما يقارب العام ونصف العام ومازال متجولاً بساحاتها، نصحه صديق له بأن يعمل سائق ركشة بالخرطوم، فدخله الشهري يعادل مرتب الأستاذ الجامعي مرتين او ثلاث، نزل الى سوق الحياة، وهو يقول في نفسه: ياهو ده السودان.
✍ ما يجعل الانسان يتقيأ مرارة وحسرة هو ما يحدث في بعض جامعاتنا السودانية من مخالفات ادارية يندي لها الجبين خجلا، ولعمري حال بعض هذه الجامعات يعكس قمة الفساد الذي استشرى في هذا الوطن النازف، وخطورة ما يحدث فيها هو أن من يدفعون الثمن هم أجيال هذا الوطن، المنوط بهم رفعته وعلوه واذدهاره.
✍ لقد أتت التعيينات الحزبية البغيضة بأناس أبعد ما يكونوا عن العلم والعملية التعليمية، وصاروا هم النافذين بالأوامر التعسفية التعنتية، والمسيئين استخدام سلطاتهم في بعض هذه الصروح العلمية، الجامعات الحكومية والخاصة، لقد صار مدراء بعض الجامعات والمعاهد العلمية ورؤساء مجالس ادارات الجامعات ينظرون الي العملية التعليمية من باب التجارة والعوائد المادية، متناسين أن مخرجات التعليم هو اجيال متعلمة مستنيرة وليست ايرادات مادية يتم ضخها لميزانية الدولة هذا ان لم تذهب لجيوب أفراد، الخطر على الوطن صار يأتي من قبل المسؤولين، وهم أكثرهم خراباً للمؤسسات العلمية، عبر سياساتهم الادارية المُشرّدة للكفاءات وبعضهم عبر صمتهم عن الحق وتغافلهم عمّا يحدث بالوطن، صمُُ بكمُُ عُمي فهم لا يتكلمون، ربما لأن بعضهم أتت بهم التنظيمات الحزبية، والقبلية والجهوية، أمراض الإنسانية البائدة التي إندثرت حتى أعراضها من كافة البلدان الحديثة، وأتت بها (المحاصصات) السياسية في يومنا هذا، وفي وطننا هذا، وفي ظل نظامنا الحاكم الحالي هذا.
✍ بعض مدراء الجامعات في درجة بروفيسورات، حالهم كحال بعض الوزراء، اتت بهم موازنات سياسية وليست معايير علمية بحتة، بعضهم قام بالحصول على درجة الأستاذية حديثاً وسرعان ما أتى به حزبه ليكون من أصحاب المنصب مابين ليلة وضحاها، لا خبرة تشفع له ولا علمٍ يستند عليه.
✍ أساتذة جامعات حاصلين على أقل درجات التخرج في شهادة البكالاريوس، تم تعيينهم عمداء كليات، وليس هذا فحسب بل ويتبادلون العمادات مع بعضهم البعض، كتبادل الوزراء وولاة الولايات لمواقع السلطة والمناصب مع بعضهم البعض، مانعين غيرهم ممن هم أرفع منهم علماً، أجود منهم تأهيلا وأكثر منهم تجارب، ولهم من الشهادات العلمية مايفوقهم بخطوات.
✍ أساتذة جامعات يعملون بأبسط الأجور الشهرية التي قد لا تصل لربع قيمة أجر العامل الذي يعمل بالأعمال الحرة، يتحملون سياسات ادارات المصلحة والمنفعة، ادارات فتكت بهذا الوطن وجرحت كبريائه وشموخه بإهانة أساتذته ومربي أجياله، فصاروا يعملون بأقل من نصف طاقاتهم الأكاديمية وإدخروا الباقي منها لأعمال إضافية أخرى كسائقي أمجاد أو ركشات أو غيرها، تكفيهم شدّة الحياة وشظف العيش.
✍ جامعات أصبح التعليم فيها يعتمد على المادّيات، فصار القبول الخاص بعشرات الملايين، وليتها تذهب للتنمية ورفع الإقتصاد، وإنما تذهب حيث تذهب، لجيوب رفضت أن تمتلئ رغم كثرة الوارد، وفي الآخر نصيب الأساتذة الجامعيين منها الفتات.
✍ ويستحقون هذا الفتات، نعم يستحقونه، لأن معظمهم يبحث عن مصالحه الخاصة في أن يكون مديراً أو عميداً أو حتى رئيس قسم، ولا يهتمّ لطلابه وطالباته ومصيرهم وما يمكن أن يحدث لهم بصمته عن الحق، وشيطنته الخرساء التي جعلت الوطن هو من يدفع الثمن، بتخريج طلاب يفتقدون الكفاءة العلمية في مختلف المجالات.
✍ مؤسف جداً، أن يتم تعيين من ليس أهلاً للمسؤولية في موقع المسؤولية، مؤسف جداً أن ترى مسؤول لا هم له سوى الظهور الإعلامي والحشد الجماهيري ليرضى عنه رئيس الجمهورية أو نائبه ورئيس مجلس وزرائه، مؤسف جداً أن ينتهك مسؤول حرمات المال العام ويأتي به لزوجته وأطفاله ليغذيهم بالحرام، مؤسف جدا أن يهتم مسؤول بنفسه ومصالحه أكثر من اهتمامه بمؤسسته ووطنه، مؤسف جداً أن يخشى المسؤول غضبة حزبه ورئيسه أكثر من خشيته من الله عزوجل.
✍ أخطر من فساد مسؤول، شريحة أخرى من مفسدي الوطن، (المطبلاتية) و (الأرزقية) و (الهتيفة)، من يجعلون الفرعون إلهاً، ويضربون له الطبول ويعزفون له المعازف، يرافقونه في خطواته بكاميرات التصوير وعدسات الفضائيات، يمجدونه من أجل أن ينعم عليهم بعطية أو منحة، هؤلاء هم أسباب الفساد في هذا الوطن.
✍ ان لم ينصلح حال التعليم في كل مراحله المتدرجة، فلا أمل في التغيير، فما فائدة محاربة الفساد، ومن يصنعون الأجيال وينشئونها في أشد حالات البؤس والشقاء والظلم الوظيفي، كيف يمكن القضاء على الفساد وأساتذة الأجيال لا تكفيهم مرتباتهم لسد ابسط احتياجات الحياة، ويُعانون من التمييز القبلي العنصري البغيض في الترقي الوظيفي والتعيينات الوظيفية? ان لم تتوفر البيئات التعليمية المناسبة المستقرة المحفّزة علي البذل والعطاء الأكاديمي، فلنستعد لمزيداً من فساد السلطة والمؤسسات.
✍ ختاماً .. سيدي رئيس الجمهورية ونائبه رئيس مجلس الوزراء: لا خير في وطن لا يحترم العلم والعلماء.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..