خيراً جانا وجاك

٭ عندما تلملم الشمس أطرافها وتستعد للرحيل كنا نفرح ونحن صغار.. نفرح فرحاً جزلاً فرحيل الشمس يعني قربنا من ذلك العالم السحري الجميل.. عالم (ود النمير وفاطنة السمحة واللوز الأخضر وحسن الشاطر).
ويعني اننا سنتحلق أمام عنقريب الحبوبة أو الأم أو الخالة في تبروقه الصلاة أو نحيط بها في عنقريبها احاطة السوار بالمعصم وتبدأ بقولها (حجيتكم وما بجيتكم) ونرد عليها في صوت ملائكي وجماعي (خيراً جانا وجاك).
٭ تبدأ في رواية الأحاجي.. تصور عالماً كبيراً وغامضاً وساحراً تدور فيه المعارك بين الخير والشر.. وتتحدث فيها الجمادات والطيور والحيوانات وفي النهاية ينتصر الخير مهما كان الشر قوياً ويتحول الحزن إلى فرح واليابس إلى أخضر.. ونتابع نحن الصغار هذا الصراع بكل مخزون الصدق والبراءة فينا ونتعاطف مع حسن الشاطر ومع بت الحطاب ومع فاطنة السمحة ولا ندري عن هذا التعاطف شيئاً.
٭ وفي الصباح كل شيء قبيح كان بالنسبة لنا هو الغول أب نومة سنة وقومة سنة وكل العواصف الترابية نخافها فإنها مقدمة الغول والساحر والسلطان الجائر.
٭ ونشأنا وخيالنا لاقى من التدريب ما لاقى وانزرعت كراهية الظلم والقهر في جوانحنا الطرية بالقدر الذي مدد مساحات الحب والتسامح فيها.
٭ وكانت علاقاتنا بالأماسي حميمة ومرتبطة مع عالم الابداع والأنغام والقصص وكانت براءتنا كما هي لم تقل ولم تشوه.
٭ ولكن جاء التلفزيون والرسيفر والبلي استيشن والاغتراب ليعتدى على هذا العالم الحالم ويضايق الأحاجي واللعب ببنات أم لعاب وحرينا وشدت وهودنا..
أما أطفال الاغتراب وأصحاب الفضائيات فقضيتهم أخرى ترددت هذه الأصداء داخل نفسي عندما طلبت من ابن أخي الصغير أن ينام بعد أن حاولت أن أنقله إلى عالم الأحاجي وسردت له قصة حسن الشاطر فما كان منه إلا وأن أجابني بسرعة وحزم (لمن ينتهي المسلسل).
٭ وتناولت التساؤلات في ذهني حول أثر هذا الجهاز الخطير وحول أدب الأطفال وتذكرت مكتب النشر وكتاب القرش والتعريفة وتذكرت كامل كيلاني وتذكرت مجلة الصبيان وتذكرت هدهد وتذكرت أفلام الكرتون التي أرى في بعضها معالجات أكبر من الأطفال.
٭ تساءلت مع نفسي هل من الممكن أن نبعث عالم الأحاجي والأساطير والعلاقات الحميمة مع الحبوبة والأم.. هل من الممكن أن نحاول انقاذ براءة الأطفال من متابعة مسلسلات الكبار.. هل من الممكن أن نخصص مساحة زمنية أول المساء بعنوان (حجيتكم وما بجيتكم) ونحاول أن نبحث في رصيدنا من أحاجي التراث وتنقيتها وعصرنتها حتى ينعس الأطفال دون الثامنة وينامون قبل مسلسل الكبار.
٭ هل فكرنا جيداً في الاستلاب الثقافي الذي يعمقه غياب مجلة الصبيان وهدهد وكل اصدارات النشر التربوي.. هذه مجرد تساؤلات وهموم أظنها في الحجم الذي يستوجب الوقفة علنا نصل إلى ما يشكل حماية لوجدان أطفالنا الصغار ويبقوا على براءتهم ونقائهم الفطري.
هذا مع تحياتي وشكري
الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..