الصحيفة والرغيفة..!

٭ أدرت جهاز التسجيل وإذا بي مع قارئة الفنجان التي كتب كلماتها نزار قباني استمعت لها بصوت عندليب الشرق عبد الحليم حافظ.. الموسيقى أخذت تؤدي دورها في أعصابي المشدودة وذهني المشتت ما بين المستقبل الغامض المحفوف بالمخاطر للصحافة السودانية التي يريد مجلس الصحافة أن يطورها بزيادة عدد صفحاتها في زمن التحرير وتصاعد سعر الدولار وغلاء الطباعة والورق وكل مدخلات صناعة الجريدة التي تبعدها هذه العوامل قسراً عن جمهرة قرائها الذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين المفاضلة بينهما واضحة.. الرغيفة أو الصحيفة ذات الخمسة أو الأربعة جنيهات.. والمنتصرة بلا كثير جدال هي الرغيفة ذات اللقمة الواحدة.. ولتذهب الصحيفة والمعرفة وأهلها إلى الجحيم.
٭ وكعادتي رحت مع كلمات الأغنية:
جلست والخوف بعينيها
تتأمل فنجاني المقلوب
قالت
يا ولدي لا تحزن
فالحب عليك هو المكتوب
فنجانك دنيا مرعبة
وحياتك أسفار وحروب
٭ انفصلت عن الكلمات وذهبت بعيداً مع قراءة الفنجان إلى عالم المنجمين.. تذكرت حارسي النجوم في قصة سالي فو حمر لأديبنا الراحل جمال محمد أحمد حين كان المنجمون يحددون عمر الملك أو المملكة من حركة النجوم إلى أن تمرد (فارلماس) بقوة الفن وسحر الكلمة والنغمة وأنفذ عكاف وبقيت قصة حبه لسالي.
٭ واستعرضت في ذهني الانسان في التاريخ القديم حين كان يعيش مستسلماً للمنجمين قراء الطالع.. بل مر التاريخ بفترة كان فيها المنجمون هم الذين يحكمون العالم كما في مملكة كوش فكل حاكم أو رئيس قبيلة أو زعيم شعبي يكون بجانبه دائماً منجم يفرض كلمته عليه بما توحي به إليه قراءة النجوم.
٭ إلى أن ارتقى العقل البشري واقتنع ان المنجمين ليسوا سوى أقوام أذكياء يستغلون اعتزاز الانسان بقوته أو خوفه من ضعفه ويستغلون أحلامه وأطماعه وشهواته كما يستغلون ما يعانيه ليضعوا أمامه صوراً لمستقبل يختارونه ويقذفونه به.
٭ وتطور الانسان وأصبح ايمانه أقوى من خياله وواقعه أقوى من أوهامه وساعتها استطاع أن ينعتق من استعباد المنجمين وقراءة المستقبل وأمن بأنه لا يمكن كشف الغيب من خلال التطلع إلى النجوم أو من خلال قراءة الكف أو اللعب بأوراق الكتشينة أو القراءة في بقايا فنجان قهوة.
٭ ولكن مع ذلك مازالت هناك بقية من التمسك بالاهتمام لمعرفة الطالع ومحاولة كشفه تسيطر على الانسان ذلك الكائن اللغز تجاه اللغز الأكبر الحياة ولكنها حالة نفسية تتطلب سماع الكلمة الحلوة.. كلمة يستبشر بها كما يستبشر بشروق الشمس أو بتفتح زهرة أو وردة.. كلمة تجعله يقبل على عمله وهو مرتاح نفسياً وعصبياً دون أن يكون لهذه الكلمة أثر مباشر على فكرة الذي يخطط به حياته وهي حالة نفسية تشغل كل الناس مجرد استبشار أي حالة نفسية لا علاقة لها بالواقع ولكنها تصل حد الخطورة ان سيطرت على صاحبها وجعلته يستسلم لذلك العالم.
٭ أفقت من رحلتي هذه لأجد عبد الحليم حافظ فرغ من أغنية قارئة الفنجان وبدأ ترباس في أغنية يا ريت واستطعت أن أواصل قراءتي ويا ريت ينصلح حال الصحافة والصحافيين
الصحافة