ثقافة وفنون

ريا وسكينة تعودان في فن بصري إيروتيكي

فنان مصري يستلهم من جرائم الشقيقتين أعمالاً فنية حَدَاثية

ناهد خزامي – القاهرة

تعد مجموعة الجرائم التي ارتكبتها الشقيقتان الشهيرتان، ريا وسكينة، في عشرينات القرن الماضي من بين أبشع جرائم القتل التي حدثت في مصر خلال القرن العشرين. وريا وسكينة شقيقتان هربتا من صعيد مصر، لتستقرا في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة الإسكندرية الساحلية، وبعد فترة قصيرة من استقرارهما في هذه المدينة، تحوّلتا إلى مجرمتين محترفتين متخصّصتين في قتل النساء لسرقة مجوهراتهنّ. واستطاعت كل من ريا وسكينة، جذب الضحايا إلى منزلهنّ عبر وعد زائف للحصول على السلع بأسعار رخيصة، ثم يقمن بعدها بتخدير الضحايا وقتلهنّ، ثم دفنهن في أرضية المنزل. وبعد ارتكاب أكثر من 17 جريمة قتل تم القبض على الشقيقتين وحكم عليهما بالإعدام في العام 1921، وهي أول عقوبة إعدام في القانون المصري الحديث ضد المرأة.

وقد أثارت قصة الشقيقتين ريا وسكينة، قريحة العديد من المبدعين في ما بعد، فقد تحوّلت قصتهما إلى فيلم سينمائي تم إنتاجه عام 1953 بطولة أنور وجدي وزوزو حمدي الحكيم ونجمة إبراهيم، وتم تناول القصة نفسها في إطار كوميدي في فيلمين آخرين، أحدهما للفنان إسماعيل ياسين والآخر للفنان يونس شلبي وشريهان، أنتجا في ستينات وثمانينات القرن الماضي، إضافة إلى مسرحية ومسلسل تلفزيوني. وها هي الحكاية نفسها تثير أيضاً قريحة التشكيليين، إذ تستضيف قاعة بيكاسو للفنون في القاهرة حالياً وحتى 12 من سبتمبر الجاري، معرضاً للمصور الفوتوغرافي المصري، حابي خليل، تحت عنوان “ريا وسكينة” يستوحي فيه الفنان أعماله الفوتوغرافية من قصة الشقيقتين المثيرتين للجدل.

وعلى عكس العديد من الأساليب التي تناولت تلك القضية سينمائياً ومسرحياً ودرامياً، يستكشف الفنان حابي خليل في معرضه، كما يقول، الدوافع النفسية التي أدت بالشقيقتين لارتكاب تلك الجرائم البشعة، كما يربط الفنان بين شخصيتي ريا وسكينة، وبين عدد من القضايا الراهنة المتعلقة بطبيعة المجتمع، كصراع الأجيال والثقافات، والعلاقة بين الرجل والمرأة، وغيرها من القضايا الأخرى. ونحن هنا أمام علاقة فوتوغرافية صامتة بين مجموعة من الشخصيات، آثر الفنان خلالها أن يوظف إمكانات التصوير بالأبيض والأسود لتقديم رؤيته، بما يرمز إليه هذين اللونين من صراع أبدي بين نقيضين، يمكن أن يتمثّل هذا الصراع بين الخير والشر، أو بين الإيمان وعدم الإيمان.

وتعكس المساحة المحيطة بالشخصيات في معظم اللوحات فراغها الروحي وعزلتها الداخلية، عبر الاستخدام المتكرر لدرجات اللون الأحادية، وفي أعماله المعروضة يوظف خليل تلك الحالة من التفاعل بين اللونين الأبيض والأسود، في التأكيد على رؤيته البصرية التي تسعى إلى إبراز الجانب المتناقض للشخصيتين. وقام الفنان في معرضه بتجريد الشخصيتين من خصائص الأنوثة التقليدية، ليتركنا في منطقة رمادية بين العاطفة والقسوة والإغواء، إذ يخلق توظيف الملابس التقليدية المتشابهة هنا اتصالاً رمزياً بالمصير المتشابه للشقيقتين، بينما يدعو التناظر البصري بين درجات اللون القاتمة والمضيئة المشاهد إلى التركيز على الفرق بينهما، فنجد أنفسنا إزاء حالة بصرية من الثقة والشك والاعتقاد، ولكن قبل كل شيء يحاول خليل هنا إعادة تحديد هوية القصة القديمة، التي أصبحت اليوم جزءا من التراث الحديث للشعب المصري.

واحتوى المعرض على أكثر من 15 لوحة فوتوغرافية، وظف خلالها الفنان بطلتيه الرئيسيتين في أوضاع وأنساق مختلفة، ففي اللوحات تبادلت الشخصيتان الأدوار، تختلفان وتتباعدان مرة في عدائية ظاهرة، ثم تقتربان مرة أخرى من بعضهما في حميمية، كما أضاف خليل إلى الشخصيتين الرئيسيتين عدداً من الشخصيات الثانوية والعناصر المختلفة، غير أن صورة الشخصيتين الرئيسيتين ظلت هي المسيطرة على المشهد في جميع الأعمال.

وفي واحدة من لوحاته التي أتت تحت عنوان “اعتراف” يصوّر الفنان الشخصيتين الرئيسيتين وقد اتخذتا وضعاً جانبياً، تقف فيه الواحدة قبالة الأخرى وتنظران إلى بعضهما البعض، فلا تخلو نظرة الأختين من الشغف والتوافق في ما بينهما والاتفاق، وقد ربط خليل في ما بينهما برباط من القماش الشفاف، ما يعكس العلاقة القوية بينهما.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..