هكذا يعجز الرثاء جهارا عن رثاء عظماء القوم

هكذا يعجز الرثاء جهارا عن رثاء عظماء القوم في حضرة غيابهم الأبدي و رحيلهم السرمدي!!

إنا بك اليوم يا عم بكري لمحزونون ؛ و إن العين لتدمع ؛ و إن القلب ليحزن ؛ و إن الفؤاد لينفطر ؛؛ ولا نقول إلا ما يرضي الله ؛؛ إنا لله و إنا إليه راجعون ؛؛ و كل نفس ذائقة الموت ..
هكذا يتجلى ضعف و هوان من يعرف حقيقة قدرك يا بكري ؛ يا عديل !! يا بكر الرجال ؛ و يا عز الرجال ؛ و يا درة الرجال ؛ و يا عدل الرجال ؛ و يا صدق الرجال ؛ و يا فارس الرجال ؛ و يا مقدام الرجال ؛ و يا صنديد الرجال ؛ و يا عديل الرجال ؛؛ يا الشهم الأصيل و يا الراسي العنيد !!..
كنت فينا إسم على مسمى ؛؛ فكم هتفت بإسمك ألوف الحناجر في لحظات الضيق و الهوان !!
كنت في الناس بكر كلمة الحق ؛ و بكر العدل ؛ و بكر التواضع مع عامة الناس صغيرهم قبل كبيرهم ؛؛ و وضيعهم قبل عزيزهم !!
كنت غير وجل ولا هياب ولا مرتجف ولا مرتعد في أحلك الظروف و أشد المواقف و الصعاب !! جاءتك مصيبة الموت و أنت على المبدأ تعض ؛؛ و على هضبة الصواب تقف ؛ و على طريق الحق تمضي و تسير ؛ غير ملتفت ولا مكترث لمغريات الدانية الدنيئة برغم ما عانيت من مرارات و مشاق ؛؛ و برغم ما كابدت من شدة مرض مهلك عضال ؛؛ و برغم ما جابهت من قساوة و شظف عيش عفيف كريم يرتكز على عفة يد لم تسرق و لم تختلس و لم تكتنز غير العفة و الشرف ؛؛ متوشح دوما و متسربل دائما بغنى النفس الصادقة الصافية النقية ؛ حتى لاقت ربها و هي راضية مرضية بإذن الله !!
كنت فينا الطمأنينة و الثبات و السكون ؛؛ بل كنت فينا الجرأة و الإقدام ؛ و الجهر و الصدح بالرأي السديد !!
سنينا عددا و نحن نحصي خيباتنا عندما صممنا و عقدنا العزم و النية الناقصة العرجاء على تكريمك و الاحتفاء بفضائلك على السودان و أهل السودان و ها أنت اليوم تفلت من كل تلك الخيبات و تنجو من كل تلك الإنهزامات و الانكسارات و تلفظها و تلفظنا جميعا مريدين و محبين و معجبين لتتركنا في ذات الحال و ذات المآل و ذات المصير الحالك المظلم الكئيب !!..
كنت فينا النسر القوي الذي يقف شاهقا على علو و سموق قمم الحق شاهرا قوة الحق و العدل ضد بيادر الظلم التي اعتادت أن تقتات و تعتاش دوما على إلتقاط و إلتهام عصافير و زغب حواصل الحق المبين !!
كنت السد المنيع ضد الزعازع التي ألمت بنا سنينا عددا ولا زالت !!؛؛
كنت الملجأ و المتكأ و شجرة الظل الظليل لكل طلاب الحق و العدل !!

هكذا يغيب القمر المضيئ فجأة ؛ ليترك فينا ظلاما دامسا مخيفا في لجة و عتمة و فراغ مديد ؛ و يبقى داويا صدى صوت كلماتك النبيلة التي ما فتئت ولا يئست ولا خارت ولا وهنت ولا عجزت ولا كلت ولا ملت برغم كل عناصر الخوار و البوار التي ألمت بالجميع !!
كنت الفأل و الأمل برغم تراكم الخيبات و تناسل الإنكسارات و الإنهزامات !!
كنت عندما تصعد المنصة في أم درمان و قبل أن تتحدث تهتز الأرض من تحت أرجل الرجال و النساء هتافا داويا يخيف الإنحناء و الإستسلام و يطرد الإنهزام و الإنكسار لتبقى الجسارة و الشجاعة و ليستمر الإقدام حين يزول اليأس و الخنوع !!
شهدت لك منصات الخطابة و الجرأة و الشجاعة في ساحات و ميادين دنقلا و الكاملين و الجزيرة أبا و كوستي و أم روابة و الرهد أبو دكنة و الأبيض فحل الديوم و الخوي و عيال بخيت و النهود و أبو زبد المرين و ود بندة و غبيش و مركب و أم لبانة و أم دفيس و السعاتات و أبو قلب و أم عويشة الأنصار و خماس المحطة المحببة إلى قلبك دوما !!
شهدت لك كل هذه الساحات رجالا و نساء ؛؛ شيبا و شبابا و أنت تصول و تجول مبشرا بدولة الحق و العدل التي ستهزم الظلم و الباطل حتى تنعم و تهنأ جحافل و جموع المهمشين المظلومين بطعم المساواة لا أكثر ؛؛ تلك الجموع التي ظلت تنتظر على الرصيف منذ عهود الأجداد و الآباء ولا زالت منتظرة متفرجة في موضع النكرة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا !!..

ختاما لا يسعنا إلا أن نتضرع إلى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد العزيز الراحل المقيم بعظيم غفرانه و أن يدخله فسيح جناته و أن يلهم أسرته الصغيرة الصبر و السلوان و ألا تنطفئ الشعلة التي حملها العمر كله ؛؛ و إنا لله و إنا إليه راجعون ؛؛..

م. حامد عبداللطيف عثمان/جدة

إبنك/ و تلميذ مدرستك الخالدة الباقية بإذن الله ؛؛
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..