الطريق إلى محو الأُميَّة

سوء السياسات التي وقع فيها التعليم العام خلال العقدين الماضيين وعلى إثرها تم تغيير السلم التعليمي والمناهج بطريقة مستعجلة مما يعني أنَّها خطوة كانت غير مدروسة، أثرت على كفاءة التعليم وعانت منه ثلاثة أجيال وانعسكت بشكل واضح على حاضر التعليم ووضعت مستقبله على كف عفريت كما يقولون.
ومع تدهور الأحوال الاقتصادية وانتشار الحروب والصراعات ارتفع عدد المتسربين من المدارس والمحرومين من التعليم، طيلة هذه الفترة لم تراجع الحكومة خطوتها وتركت التعليم للظروف حتى حصدنا النتيجة دماراً اجتماعياً كاملاً، حيث وصلت الأمية إلى 9 ملايين مواطن (ديل ما بفكوا الخط)، أما الذين ارتادوا المدارس ولكنهم تخرجو شبه أميين فحدث ولا حرج. وعليه فإنَّ التعليم الآن في ورطة كبيرة لن يخرج منها بالشعارات والملتقيات، والتوصيات التي يستحيل تنفيذها في ظل شح الميزانية المخصصة له.
اليوم يُصنف التعليم في السودان أنَّه الأضعف في العالم ضمن دول قليلة وقعت في نفس المأزق، ورغم أنَّ كثيراً من المنظمات ومعها البنك الدولي اجتهدت لتغيير واقع الحال بدعم السودان مادياً إلا أنَّ الأمرَ لم يجدِ، فإرادة الحكومة ورغبتها وقفت عائقاً وحيداً، وهذا ما ينقص التعليم في السودان ليرتقي، فسوء الإدارة والفساد الذي يسيطر على قطاع التعليم والقطاعات ذات الصلة وانتشار الفقر، يحتاج إلى قرارات تُغيِّر الوضع الماثل بذات السرعة التي غيرت بها الحكومة السلم والمناهج وفجرث ثورة التعليم العالي، وهزت التعليم فقلبته رأساً على عقب، وإلاَّ فلن يجدي الأمر نفعاً مهما عقدت الملتقيات والمؤتمرات، وخرجت بتوصيات فكم منها ذهب هباءً منثورا.
قبل أيام عُقد الملتقى التنسيقي الثاني لمديري تنسيق تعليم الكبار ومنسقي الخدمة الوطنية بكل الولايات وبمشاركة المنظمات ذات الصلة، الهدف من الملتقى إحكام التنسيق بين المجلس ومنسقية الخدمة الوطنية للخروج بالبلاد من الأمية في العام 2020. وخرج الملتقى بتوصيات أهمها إلزامية التعليم وزيادة استحقاقات المعلمين وتفعيل دور الإعلام واستبقاء الكوادر العاملة في إدارات تعليم الكبار وإنشاء قاعدة بيانات، وتحفيز وتدريب معلمي الرحل من أجل استقطاب المزيد من الأميين من شتى المناطق.
لم يبقَ من العام 2020 غير 25 شهراً فقط وهذه المدة لا تكفى لمحو أمية 9 ملايين مواطن خاصة وأنَّهم فئات عمرية مختلفة، ويحتاجون إلى وسائل وطرق تدريس مختلفة ونوع خاص من الكفاءات لا تتوفر في الخريجين الذين يستعان بهم في التدريس من الخدمة الوطنية فهم أنفسهم يحتاجون إلى المساعدة، هذا غير أنَّ أغلب الخريجين إن لم يكن كلهم يقضون الخدمة من غير نفس من أجل المخارجة فقط، إضافة إلى مدتها القصيرة وكثرة تغيرهم الذي يؤثر على عملية التعليم، ولذلك لا يمكنهم الإسهام في محو الأمية. خلاصة القول الأمية لن يمحوها عامان ولكن يمكن خلالها إحداث ثورة في التعليم تضعه في مكانة مساوية للجيش مثلاً، ومع أهميته إلاَّ أنَّ التعليم أهم، بعدها يمكن أن نقول قد بدأت الحكومة خطوة في الطريق الصحيح ونتوقع للأمية أن تمحى خلال خمس سنوات، فالتعليم مهارات تكتسب وتحتاج إلى جهود فعالة ومستمرة، ولذلك نقول لوزارة التربية والتعليم (ماشين غلط). محو الأمية درب طويل ووعر يحتاج من الحكومة الإرادة والرغبة والعزيمة.
التيار