عائشة والسجن: ممنوع الإقتراب أو التصوير!

إحتجزت شرطة النهود الصحفيّة عائشة السمانى ، وحقّقت معها وأطلقتت سراحها بالضمان، بعد أن قُيّدت فى مواجهتا بلاغاً ، تحت المادة ( 57 ) من القانون الجنائى ، الشاكى فيه – كالعادة وبالضرورة – ( جهاز الأمن ) تحت ( زعم ) إرتكاب ( جريمة ) تصوير منطقة عسكريّة ، وهى سجن النهود !.
هذا الخبر ، وذاك البلاغ ، لابُدّ أن يقودانا إلى فلسفة ومفاهيم القوانين فى السودان ، وبخاصّة مفهوم الأسرار العسكريّة ، فى عصر ما بعد الحداثة ، وفى وجود مُحرّك البحث المعروف والشهير ( قوقل ايرث )، وما سجن النهود أو غيره ، عليه – أى قوقل ايرث- ببعيد (!)، حيث تسقط ذريعة تصوير منطقة عسكرية ، تُعتبر سريّة فى مواجهة المواطنين ، بينما هى مفتوحة ومكشوفة أمام سطوة الأقمار الصناعيّة .
لنفترض – جدلاً – أنّ الصحفية المذكورة ( المُتّهمة ) ، كانت ترغب أو ” شرعت ” بالفعل ، فى إجراء تحقيق صحفى عن سجن النهود ، فما الغضاضة ، وما المانع فى ذلك ، وما هو ذلكم السر العسكرى الذى ستكشفه ، وستترتّب عليه أضراراً مادّية أو معنوية ، للمؤسسة العسكريّة فى السودان ، بما فى ذلك، مؤسسة السجون ، و ما هو ذلكم السرالخطير ، الذى سينكشف بمُجرّد قيام صحفى/ة بتصوير جدران سجن النهود أو الفولة ، أو غيرهما من سجون السودان المُتهالكة البنيان ؟ وماهى تلكم الأضرار التى تترتّب عليها سلامة الوطن وأمنه ، فى حالة تصوير حائط أو مبانى سجن ما ؟
من المعلوم بالضرورة ، فى عصر الإنترنيت ، أن تكنلوجيا التجسّس تطوّرت ، وأنّ الأقمار الصناعيّة ? بما فى ذلك التجسُّسيّة ?تقدّمت تقدُّماً كبيراً ومُذهلاً ، وما عاد القائمون على أمر التجسُّس ، وقادة مراكز التجسُّس العالميّة والإقليميّة ، فى العصر الحديث ، يحتاجون إلى تجنيد صحفى/ة ، يكلّفونه/ه بمهام ( سريّة ) على شاكلة تصوير سجن كوبر المركزى ، ناهيك عن سجن النهود الهامشى ، فكُل المطلوب نقرة على ( كى بورد ) جهاز الحاسبوب ، من على البُعد، تأتى بعدها المعلومات المطلوبة ( المُخبّأة ) طائعة ( مُختارة ) أو ( مُحتارة ) ، لمن أرادها ، ولهذا فإنّ الإصرار على وضع لافتات فى أماكن كثيرة فى قلب المُدن، يُكتب عليها بخطٍ ردىء ? وغالباً غير مقروء ? ( ممنوع الإقتراب أو التصوير ) هو فى حقيقة الأمر جهلٌ مفضوح ، ومضيعة للمال والوقت والجهد ، ونوع من مواصلة التفكير والتدبير بعقليّة العصور السابقة ، وليس عصر الإنترنيت ، والفضاءات والسموات المفتوحة ، وأزمنة تسريبات ( ويكيليكس )..ولذلك نقول لهؤلاء ، أنقلوا مُنشآتكم العسكريّة خارج المُدن ، وأحكموا تأمين أسراركم ، بأساليب ومناهج أُخرى ، بعيداً عن ورقة توت ( ممنوع الإقتراب أو التصوير ) لأنّها لن تخفى ، ما تظنُّون حجبه عن أعيُن الآخرين .
نُطالع قصّة الصحفية ( عائشة والسجن ) وفى البال قصص سجون ” سيئة السُمعة ” تمّ و يتم تصويرها وعرضها وكشف أسرارها بصورة يوميّة فى وسائط الإعلام ، ومنها ( غوانتنامو ) الأمريكى ، و( أبو غريب ) العراقى ، و ( قندهار ) الأفغانى وسجون القذافى السرية ” تحت الأرض ” فى بنغازى …إلخ ..
المنطق والعقل السليم ، يُرجّحان شطب البلاغ الكيدى ( الأمنى ) ضد الصحفية عائشة السمانى، فوراً ، رغم الإصرار والكيد والترصُّد الأمنى البغيض ،ولكن ، يبقى على النائب العام ، نصح حكومته ، بإلغاء هذه المواد وكُل حزمة القوانين البالية والمُتخلّفة والجائرة، عبر الإصلاح القانونى .
وحتّى إشعار آخر ، للصحفيّة عائشة ( مُصوّرة سجن النهود ) ، ولزميلها الصحفى المُعتقل ، حسن إسحاق ، الذى يقبع ? الآن – فى سجن ( الأبيّض ) ، والذى وصله منقولاً من سجن ( النهود ) ولكل الصحفيين والصحفيات ، نهدى رائعة شاعرنا وشاعر الشعب العظيم ، محجوب شريف ( حنبنيهو ) وهو القائل : ” مكان السجن مستشفى ، مكان المنفى كُليّة … مكان الأسرى ورديّة // مكان الحسرة أُغنيّة … مكان الطلقة عصفورة ، تحلّق حول نافورة // تمازح شُفّع الروضة “.

فيصل الباقر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مره واحد مغترب اتصل بغفير منزله بالخرطوم وقال له
    العربية الواقفة قدام بيتي ده منو؟؟
    الغفير اصابته لوثة …الزول ده شاف العربية دي كيف؟؟
    هههههههه

  2. حياك الله ابن الباقر،
    هؤلاء القوم يعلمون بـ Google earth وبما هو أكثر من ذلك، فقد تم استجلاب أحدث أجهزة الكمبيوتر والسرفرات من إيران ومن أمريكا رغم المقاطعة وتم تدريبهم عليها وعلى أسرار استخدام التكنولوجيا لأغراض البحث والرصد والتعقب والحجب ويدركون تماماً أن تصوير حيطة أي سجن لم يعد من الأسرار العسكرية، وحتى اللافتة المكتوب عليها “هنا منطقة عسكرية، ممنوع الاقتراب أو التصوير”
    هي في حد ذاتها إفشاء للأسرار لو كانت هناك اسرار، ولفت للنظر. ولكن ما يفعلونه نوع من المماحكة واستغلال لقانون بشع من أجل الكيد الأمني واظهار لقوة متوهمة تكشف من الضعف أضعاف ما تعبر عنه من قوة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..