حالة الطوارئ في ولاية الجزيرة ما بين السياسة والدستور !!

يشهد الجميع أن بلادنا تنعم بقدر كبير من الإستقرار السياسي والتوافق الوطني خاصة بعد الحوار الشامل الذي خلص إلي مقررات وهي في طريقها إلي النفاذ ، وبطبيعة الحال هنالك أحداث قد تقف في طريق هذا الإستقرار والتوافق من حين لآخر وهي أحداث يمكن تجاوزها وحلها بقليل من الحكمة والدربة السياسية دون أن تترك حتى أي آثار سلبية علي مجمل الاوضاع… ولكن الحال في بلادنا أننا لا نضع السيف موضعه ولا الحكمة موضعها ، معالجتنا للمشاكل صغيرها وكبيرها تتسم بالعجلة التي تُخلف الندامة وبتجاوز الدستور والقانون الذي يهدم ركن أساسي للدولة الراشدة المحصنة بسيادة حكم القانون.
ما جري في ولاية الجزيرة في الأيام الفائتة يظهر بؤسنا وقلة حكمتنا من ناحيتين، السياسية والدستورية , من الناحية السياسية فإن إعلان الطوارئ وحل المجلس التشريعي يُعد ضربة نجلاء في خصر التحول الديمقراطي , فهذا المجلس منتخب من الشعب بغض النظر عن صحة وسلامة الانتخابات التي افرزت هذا المجلس فإن قوى الوفاق الوطني أرتضت بقاء هذه المجالس مع إلحاق بعض الأعضاء بالتعيين من رئيس الجمهورية كما وان مهام المجالس محددة بالدستور القومي والولائي ، وبالتالي فإن وأد تجربة المجالس يعني التراجع عن مقررات الحوار الوطني وفي أحسن الحالات التشكيك في إلتزام المؤتمر الوطني في إنفاذ مقررات الحوار الوطني ، مثل هذه الإجراءات يعطي الممانعين فرصة ذهبية في ضرب الوفاق الوطني والعودة بالبلاد إلي المربع الأول ، كما وأن هذه الممارسات تعطي إشارات سالبة لقوى الحوار الوطني في أن حكومة المؤتمر الوطني غير راغبة في إحداث أي تغيير في نهجها الإقصائي والإنفراد بالسلطة… ومن جانب آخر فإن إعلان حالة الطوارئ وحل المجلس التشريعي كان يتطلب إجراء مشاورات مع الشركاء ولكن الحزب الحاكم درج علي تجاوز كل القوى السياسية في كثير من القرارات التي تمس البلاد مثل قرار جمع السلاح الذي سمع به الجميع من الإعلام… وهذا القرار الرئاسي الآخير لم يحظ بأي مشاورات قبل إعلانه حسب علمنا… الخلاصة أن المؤتمر الوطني غلب عليه طبعه ولم يتطبع بعد علي ضرورة مشاركة الجميع في إتخاذ القرارات الكبيرة التي تمس البلاد في حاضرها ومستقبلها. ومن جانب آخر فان هذه القرارات بعثت برسائل سالبة تحد من حرية عمل المجالس التشريعية فهي علي ضعفها تمارس سلطاتها الرقابية علي السلطة التنفيذية أما بعد هذه القرارات فإن المجالس قد تذوب في السلطة التنفيذية كفص الملح في الماء فيصبح وجودها خصما علي المواطن بدلا أن تكون اضافة . مما يعني نهاية تجربة كانت كفيلة في إرساء دعائم حكم ديمقراطي رشيد!!
أما علي المستوي الدستوري فإن إعلان حالة الطوارئ إفتقر إلي الشروط الموضوعية لإعلان حالة الطوارئ, ومعلوم بالضرورة انه يمكن فرض حالة الطوارئ علي البلاد كافة أو علي جزء منها ويتضمن قانون الطوارئ سحب بعض الصلاحيات من السلطات التشريعية والقضائية وإسنادها إلي السلطة التنفيذية مثل إلقاء القبض علي المشتبهين لفترات قد تكون غير محدودة دون توجيه إتهام أو منع حق التجمع أو منع التجول في أوقات أو أماكن محددة الخ… ويحدد الدستور عادة الجهة المسؤولة عن إعلان حالة الطوارئ والحالات التي تسمح بها إعلان حالة الطوارئ وبالرجوع إلي الدستور نجد أن المادة”210″ أعطت سلطة إعلان حالة الطوارئ لرئيس الجمهورية وفي ذات المادة نصت علي الشروط الموضوعية لإعلان حالة الطوارئ وهي علي سبيل الحصر , حرباً أو غزواً أو حصاراً أو كارثة طبيعية أو أوبئة وأن يشكل هذا الأمر خطر حقيقي وطارئ يهدد البلاد في سلامتها أو إقتصادها… فالحالات التي تسمح بإعلان حالة الطوارئ وهي بشكل عام تعرض سلامة وأمن البلاد لمخاطر ناتجة عن كوارث طبيعية أو بشرية ، حالات الشغب والتمرد المدني حالات النزاع المسلح سواء كانت داخلية مثل الحرب الأهلية أو خارجية كالإعتداء علي حدود الدولة ، هذه الحالات لا تنطبق علي الأحداث التي شهدتها ولاية الجزيرة ، فمهما إجتهدنا في إيجاد أي مُبرر يدفع الحكومة لإعلان حالة الطوارئ في ولاية الجزيرة فإن العصف الذهبي يرتد الينا خاسئا ، الوقائع الثابتة أن خلافاً بين المجلس التشريعي ووالي الولاية قد نشب منذ مدة وهذا الخلاف لم يعطل لا عمل المجلس التشريعي ولا عمل حكومة الولاية ومعلوم أن أغلبية أعضاء المجلس التشريعي ينتمون للمؤتمر الوطني وأن الخلاف والتشاكس بينهم فقط ولأسباب أغلب الظن أنها صراع حول الكراسي والنفوذ فإن كان الحزب قد عجز عن إحتواء هذه الخلافات فأمامه وسائل أخري لحسم الصراع مثل إقناع أغلبية أعضاءه بالإستقالة من المجلس وبذلك ينتهي ولاية المجلس أو إقالة القيادات التي تسبب العكننة أو إقالة الوالي وحل حكومته… هذه المعالجات الحزبية لا تؤثر في سير العمل في الولاية إلاّ إذا كان الفهم أن الحزب الحاكم هو الدولة وإن أي صراع داخله يهدد سلامة البلاد في أمنها وإقتصادها ووجودها وهذا فهم يحتاج إلي التصحيح .
أضف الي ما ورد في دستورنا فإن القانون الدولي قد تناول حالة الطوارئ من خلال العهد الدولي للحريات المدنية والسياسية الصادر في عام1966 ، إذ حدّد الشرط الأساسي لفرض حالة الطوارئ في وجود خطر عام وإستثنائي يهدد وجود الأمة… كما نص العهد الدولي علي ألا تكون التدابير المتخذة متعارضة مع إلتزامات الدولة المعنية بموجب القانون الدولي ويحّدّد العهد الدولي كذلك من أن حالة الطوارئ يجب أن تُعلن في ضوء تقدير دقيق وموضوعي للأحداث بحيث تناسب التدابير المُتخذة الوضعية القائمة دون مبالغة ويشدد العهد الدولي علي أن حالة الطوارئ يجب ألا تكون في أي حال من الأحوال ذريعة لحرمان الأفراد من حقوقهم الأساسية. وعطفاً علي هذا فإن إعلان حالة الطوارئ يفتقر إلي الدستورية وبالتالي يفتقر المشروعية بل يظهرنا لدي المجتمع الدولي الذي نسعى بل نهرول نحوه لإدخالنا في حظيرته كأننا ما زلنا في غينا نتردد ولا ننزل عند حكم القانون ولا نسعى نحو الحكومة الرشيدة…
وفي يقيننا أن هذا الخلاف في مشروعية إعلان حالة الطوارئ ميدانه المحكمة الدستورية فعلي الأطراف اللجوء لهذه المحكمة وعلي المحكمة سرعة البت في المسألة… تفادياً لأي فراغ دستوري في الولاية .
وفي رأينا فإن تطبيق نصوص المادة”211″ والتي بموجبها تم إعلان حالة الطوارئ يكتنفه بعض الصعاب فهل يمارس رئيس الجمهورية السلطة التشريعية في الولاية. أما يفوض الوالي لممارسة السلطة التشريعية بجانب السلطة التنفيذية!! أم يلجأ رئيس الجمهورية إلي تعيين مجلس جديد وفقاً للتعديل الآخير للدستور وما هي الضمانات الاّ يتكرر هذا التشاكس في الحزب الحاكم. لا سيما أن حالات مماثلة أطلت برأسها في ولايات أخري مثل البحر الأحمر وجنوب دارفور وهلمجرا…. هل يلجأ الحزب الحاكم إلي حسم التفلتات الحزبية التي تعاني منها بالطوارئ هكذا دون مراعاة إحترام الدستور والقوانين والمعاهدات الدولة الموافقة والمصادقة عليها من حكومة السودان!! وهل نظل في دائرة الدول التي تُسئ إستخدام حالة الطوارئ لفرض حكمها وسلب الشعب حقوقه… اللهم أهدنا وحُكامنا إلي سواء السبيل .
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..