هل يستلهم الرفاق كلمات هذا “الجلابى” الثائر النبيل “الحبوب”؟

صدق من قال كل إنسان له نصيب من إسمه، فهذا الإنسان السودانى الأصيل “الحبوب” حقيقة .. والثائر النبيل الذى لا أدعى معرفته عن قرب من قبل، رغم أننا إفتراضا من مدينة سودانية واحدة ومن أحياء متقاربة.
الا أن سيرته التى تحدث عنها الجميع من “هنا وهناك” ومن أفواه الرفاق القدامى الذين عائشوه عن قرب فى مختلف “الخنادق” تكفى لكى تكون هاديا لمن لا يعرف صورة عن شخصيته وعن كفاحه الطويل من أجل قضايا المسحوقين والمهمشين لسنوات طوال، لم يهدأ خلالها أو يستريح حتى تخطفته يد المنون، ولقد عاش طيلة حياته حرا ومات داخل الأراضى المحررة وأنه شرف لو تعرفون عظيم.
لقد سرى خبر رحيل “الحبوب” وكأنه نسمة أتت الينا من ديار”المسيح” الذى بعودته، يتأخى الذئب مع الحمل ويلعب الطفل مع الحية فلا تؤذيه، تلك النسمة هبت على الكل خلال يوم مقداره الف سنة أعلن فيه خبر وفاته، تناسى فيه الرفاق جميعهم فى كآفة “الخنادق” خلافاتهم وحزازاتهم وكأنهم لم يقتتلوا قبل اشهر قلائل فى النيل الأزرق دون داع أو مبرر وفاضت الدماء من هنا وهناك .. وكأنهم لم يواصلوا الإقتتال من بعد على مواقع التواصل الإجتماعى، على طريقة “كل حزب بما لديه فرحون” حتى جمعهم خبر وفاة هذا الثائر النبيل “الحبوب” الذى اسكت مدفعية التراشقات “اللفظية” حيث لم يكن هنالك اى حديث غير التغنى بمواقفه النبيلة.
فإذا كان الأمر كذلك، فما هو الذى يمنع تحقيق “الوحدة” مهما كلف الثمن .. صدق أحد الرفاق حينما قال بأن الرفاق لا يجمعهم الا هادم اللذات “الموت” للأسف أو هكذا قال؟
ونحن حينما نتحدث عن “الوحدة” بإستمرار وفى الحاح ولن نتوقف عن ذلك لا تهمنا إستفزازات “المغبونين” وتسطيحهم للأمور، فهذه قضية وطن وأمنيات شعب يستحق “التضحيات” وخيرا فعل خندق القائد “عقار” وباقى رفاقه حينما جعل من “الوحدة” هدفا “إستراتيجيا” تذكر فى الكثير من البيانات والإتفاقات، ونحن معهم فلا نفعل ذلك لشعور بضعف أو عن عدم قدرة أو تهافتا على أحد، وإنما لكى يكون هذا “التنظيم” أكثر قوة ومنعة ولأن ذلك كان اسلوب مبدعه ومفكره القائد الفذ الراحل المقيم “جون قرنق” الذى ما كان يهتم للخلافات مهما بلغ حجمها بل لوحدة الهدف والمصير ولنجاح “الرؤية” ولوصولها الى نهايتها الحتمية.
وعلى نحو خاص فهذا هو دور المثقف المهموم بقضايا وطنه وإنسانه فى اى مكان على أرضه بل فى خارجها، الذى يستوعب دروس وتجارب الماضى والذى حل بتنظيمات مشابهة حينما استهونت قضية الإختلافات والإنقسامات ماذا حدث لها. ذلك المثقف تكون ثقافته ناقصة إذا لم يقرأ المستقبل ولم يتوقع مآلاته.
ولولا ذلك فما هو السبب الذى يجعل “جلابى” مثلى أو مثل الراحل الثائر “الحبوب” الذى أنتمى لهذا المشروع وآمن به وبوعى كبير ومنذ زمن بعيد إذا كان هو مشروع فقط من أجل إنسان “الهامش” مناطقيا وإثنيا ولا يحقق أمانى المسحوقين والمظلومين فى كافة جهات السودان، إضافة الى اؤلئك “المهمشين” حسب التعريف السليم لا العنصرى والإنتقائى الذى يجرم الآخر مهما كان نبيلا وصادقا ويبرأ “المهمش” مهما كان مخطئا فى حق أهله ووطنه.
وحينما اردد كلمة “جلابى” من وقت لآخر، فإنى لا أقر بها أو أحتفى أو أعترف بها .. فى حقيقة الأمر إستنكفها واسخر منها وظللت دائما اذكر بعبارة فى كتاباتى اقول فيها “بأننى ضد محاكمة التاريخ الذى له ظروفه لكنى فى نفس الوقت ضد إعادة ذلك التاريخ ليحكم”.
فالذى حدث فى الماضى تجب دراسته جيدا وأخذ العبر منه وأن نعمل لكى لا يتكرر، لا أن نحاكم به إنسان اليوم بسبب مناطقيته وجهويته وإثنيته التى وجد فيها .. ولولا ذلك فلماذا نمجد جميعا هذا الثائر النبيل “الحبوب” هل لأنه فعلا اصيل ونبيل أم أننا نجامل وننافق “جلابيا” طالما كان ينتمى لإثنية معروفة قد يصل “الفجور” بالمطففين والسذج و”العنصريين” لوصفه بأنه “مستهبل” مهما كان؟
لا أحد ينكر أخطاء الماضى التى لها ظروفها مثلما لا يستطيع أحد أن ينكر تحالف الكثيرين فى ذلك الماضى المنتمين لتلك المناطق والإثنيات التى عانت أكثر من غيرها من الظلم والتهميش وعدم تحقق تنمية متوازنة والآن يتكرر نفس الشئ إذا كنا صادقين، فالتحالف الذى يتم بين النظام المركزى الإسلامى القابض فى الخرطوم مع “نخب” الهامش، أكبر بكثير مما كان عليه الحال فى ذلك الماضى المظلم الذى كانت فيه المصلحة تتحقق لبعض ضعاف النفوس من هنا وهناك بالتعامل والعمالة مع الإستعمار وفى هذا العصر تتحقق المصلحة لضعاف النفوس بالعمالة والتعامل مع “الوطنى” الباطش والظالم والقاتل الذى يستخدم إيدلوجيا دينية ويتاجر بها.
الشاهد فى الأمر من خلال قراءة عميقة ومتأملة لما وراء الحروف والكلمات التى سطرها الراحل “الحبوب” قبل وفاته، أعترف بأنه قد إختار أحد “الخندقين” – وذلك من حقه – الا ان كلماته تشعر من خلالها رفضا لهذا “الإنقسام” الذى حدث بل تشعر “بالحزن” العميق وكيف لا يكون كذلك وقد عرف “الحبوب” بإخلاصه لهذه القضية منذ بداياتها وللمشروع الكبير “السودان الجديد”؟
الذى يحقق الأمن والسلام والطمأنينة والرفاهية والعدالة والمساواة لإنسان السودان فى أى مكان وفى مقدمتهم المسحوقين والمهمشين.
لقد قرأت كلمات “الحبوب” تلك وسرح بى الخيال بعيدا متذكرا قصة المرأتين اللتان تنازعتا على وليد صغير كل واحدة منهما تدعى أنه طفلها فى زمن لم تتوفر فيه تقنية فحص “الحامض النووى” ? ال DNA ? لكن قاضيا حكيما توصل لحل المشكلة بطريقة ذكية، حيث عرض عليهما شق الطفل لنصفين كل واحدة منهما تأخذ نصفا، وعلى الفور وافقت المرأة المدعية الكاذبة بينما رفضت الأم الحقيقية وقالت إذا كان شق الطفل هو الحل، فإنها متنازلة عن نصفها للمرأة الأخرى.
عندها أدرك القاضى بأن “الطفل” من حق المرأة التى رفضت.
ذلك هو الذى خرجت به، مع إختلاف الأحداث من آخر كلمات سطرها الثائر “الجلابى” الأصيل “النبيل” الحبوب.
صحيح أنه وضع نفسه داخل أحد “الخنادق” لكنه غير راض عن الإنقسام وعن التمزق والتقزم وعن إضعاف الحركة وتراجع مشروع السودان الجديد وغير راض عن علو عبارات العنصرية والإثنية المضادة و”التخوين” المجانى لتحقيق “إنتصار” مزيف. وكيف لا يكون ذلك حاله وهو من قدامى “المؤمنين” بهذا المشروع كما تقول سيرته وربما من قبل أن يصبح أحد ابرز قادة “الحركة الشعبية” فى المواقع المختلفه.
فهل نستلهم الدروس والعبر وأن نتواضع ونجلس على “الأرض” على طريقتنا السودانية أم نكابر ونصر على الخطأ حتى يأخذنا الطوفان؟
الكلمات التى سطرها الراحل “الحبوب” قبل وفاته نقلتها من أحد الرفاق تحت عنوان “لو غلبك الصبر أصبر شواية “!!
مشاهد ومواقف وذكريات
محمد أحمد عمر ” حبوب ”
“كنا معلمين في المدراس الابتدائية حديثي عهد بالمهنة،وتم اعلان الاضراب المفتوح في الثاني من يناير 1979م،وكنت ضمن المعلمين الذين إستضافهم سجن كوبر حتي الثاني عشر من فبراير 1979م، وحدثت طرائف اثناء الاضراب عندما تم إيقاف مرتب شهر يناير، وكل من يكسر الاضراب يصرف له مرتبه كوسيلة لتقويض الاضراب.كان صديقنا المرحوم سليمان هباش يقول لكل من يقابله: (لو غلبك الصبر أصبر شوية) وصار الجميع يتناقلونها يشجعون بها بعضهم البعض.
دائماً ما أتذكر كلمات الشاعر المرحوم معين بسيسو التي قالها لأحد الشعراء والذي لم يستطع أن يصبر شويه:
” الشاعر الذي مضي وغاب ثم عاد
كطائر من الرماد … كحزمة من الدخان
وكان تحت قبة الظلام في وداعه الصباح
تذوده الاشجار عن غصونها ويبصق الصياد”
الي أن يصل الي هذا المقطع من قصيدته:
” حزار حزار
من حصاد افاق
من فرط الخوف الكذاب
من لص الحقل
حماه بسياج جراد
يا أخوني كفاكم وكفاني
نفخاً في الاكفان ”
العائدون كثر في هذه الايام، منهم من رمي في تاريخ سابق علي المقابر السلاح، وكانت تلك حقيقة العودة الاولي ولم يكن هذا مهماً في عالم السياسة السودانية، فهنالك من يلد الضحايا. وفي أواخر القرن الماضي كانت العودة الثانية في ايام اقتحام مدينة كسلا بشرق السودان، وضاعت من الذاكرة تلك المأثورة منذ قديم الزمان (لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين).
ثم أستمعنا عبر وسائل الاعلام للعودة الثالثة، هل ستكون عودة طاؤوس من الرماد داخل سحاب من الدخان؟ وهل سيلدغ من نفس الجحر مرة أخري.
نحن الان في مفترق الطرق فاحدهما مفتوح علي السلام والاخر علي قهقهة السلاح، ولقد صبرنا علي الاخير ستة سنوات وكنا ومازلنا متمسكين بشوية الصبر. وكما قال عنتره بن شداد للذي تحداه في عض الاصبع وصرخ ” لو انتظرت قليلاً لصرخت أنا .”
المؤلم للنفس أن الانسان في هوامش السودان وحتي حواضره، فقد ابسط حقوق الانسان المعترف بها دولياً وأقليمياً ولا يمكن أن اضيف كلمة محلياً، الا وهو (الحق في الحياة)، فالقتل والنهب المسلح والاغتصاب والسجن والتعذيب وحرق القري وقصف الطيران الحربي والمدفعية وغيرها حتي الكيميائي المحرم دولياً تلقي بثقلها علي المواطنيين كبيرهم وصغيرهم من الجنسين في حوادث يومية تذكرنا بتاريخ مكتوب في الصفحات السوداء للمجتمع البشري في غابر ايامه، في أزمنة الهمجية والبربرية والفاشية.
وعندما يلوح في اخر النفق بصيص ضوء نتيجة للصبر والتضحيات بوعي يتجاوز حد المعقول ويلامس المستحيل يحدث الارتباك وفقدان الاتجاه لبعض اصحاب العقول التي لا تستطيع التمييز عند وصول النضال الي مفترق الطرق، فتختار درباً قصيراً بفعل الغشاوة في العين رغم أن درب السلامة مهما طال الزمن قريب بكل الصعوبات والتحديات التي تواجه حرب التحرير الطويلة الاجل والنضال السلمي الصبور.
مازلنا نراوح وندور حول منصة التأسيس، ومازال السؤال الذي يتحاشاه من تعاقبوا علي حكم السودان قبل وبعد انفصال جنوب السودان وتكوين دولته، وهو كيف يُحكم السودان؟ ولن يتصالح السودانيين في داخل بلدهم ومع بعضهم البعض دون الاجابة علي هذا السؤال بطريقة موضوعية وصحيحة، فنذر التمزق والتلاشي لدولة كان أسمها السودان يلوح في الافق، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بشكلها القادم في خارطة جغرافية العالم… ولنا عودة”. إنتهى المقال.
.
.
ولم يعد “الحبوب” بل ذهب للقاء ربه الى جانب كآفة الثوار والمناضلين الأنقياء الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطن وشعب يستحق التضحية.
رحم الله الحبوب واسكنه فسيح جناته.
تاج السر حسين ? [email][email protected][/email]
رحم الله الاخ والصديق والحبيب القريب محمد احمد عمر الحبوب… لقد المنا فراقه وبعده ولكن كلنا امل ان لاتنطفئ الشعلة التي اشعلها ورفاقه لانارة الطريق لسودان الغد الموحد النبيل….
شكرا لك اخي تاج السر لهذا النعي المتفرد لحبيبنا الحبوب… رحمه الله وغفر له بقدر ما ثابر وصبر من اجل هذا الوطن الجريج….
رحم الله الاخ والصديق والحبيب القريب محمد احمد عمر الحبوب… لقد المنا فراقه وبعده ولكن كلنا امل ان لاتنطفئ الشعلة التي اشعلها ورفاقه لانارة الطريق لسودان الغد الموحد النبيل….
شكرا لك اخي تاج السر لهذا النعي المتفرد لحبيبنا الحبوب… رحمه الله وغفر له بقدر ما ثابر وصبر من اجل هذا الوطن الجريج….
الرحمة للفقيد
بس أود أن أذكرك بأن المريخ العالمى سيحسم الليلة بطولة الدورى في حال هزيمتك أو تعادلكم مع الخرطوم الوطنى والعاقبة لكم عند المسرات.
الرحمة للفقيد
بس أود أن أذكرك بأن المريخ العالمى سيحسم الليلة بطولة الدورى في حال هزيمتك أو تعادلكم مع الخرطوم الوطنى والعاقبة لكم عند المسرات.