عطشان يا صبايا ..دلوني على مجرى النيل ..!

حتى اللحظة وبكل اسف اسيف .. لم يستشعر المسئؤولون أوالمختصون المعنيون بالأمر ولا اعلامنا المقروء والمسموع والمرئي بقرون تتبعهم وبصورة جادة تجاذبات المواقف من قضية سد النهضة العالقة بين أثيوبيا دولة المنبع للنيل الأزرق ودولتي المصب.. السودان ومصر ..مثلما يتفاعل الإعلام المصري بأنواعه اعلاءً لصوت المنافحة عن حق مصر الحالي في المياه التي تعتبره قيادتها في تهديد مبطن ..خطاً احمر لايمكن التساهل حيال تخطيه من أيِ كائن كان !
بل فقد جلس بالأمس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي متوسطاً قادة جيشه وهو يعلن طمأنة شعبه بأن مياه مصر مسألة مضمونة لديه .. فصفق الجميع تباهياً و تاييداً !
فمن الواضح أن الأشقاء المصريين لا يريدون القبول أوحتى التفكير بمستجدات الزمن الفاصل بين توقيع اتفاقات جرى في أزمنة غابرة لم يكن الكثير من دول المنبع مالكاً لسيادته الوطنية الكاملة ولا كانت الحاجة للمياه بمقدار حاجة اليوم لها في شتى تطوير مناحي الحياة في هذا الزمن التي اصبحت فيه الطاقة من أهم مدخلات التنمية .
فالحديث الإعلامي المصري بهذه النبرة المتعالية عن حق مصر الذي أوصلوه درجة القدسية التي لا يمكن المساس بها تحت أي ظرف .. إنما هو يمثل تجاهلا لحق الآخرين من شركاء المياه .. بل و نرجسية .. لابد من الإستيقاظ من غيبوبتها و إعمال لغة تحكيم العقل في مخاطبة زمالة المجرى التاريخية .
فأثيوبيا اليوم لابد أن يعلم الجميع ليست هي أثيوبيا أمس في تطورقوتها الداخلية وارتفاع درجة تأثيرها الإقليمي .. مثلما أن مصر مع احترامنا لها حضارة وشعبا ووعياً لم تعدهي أم الدنيا التي سادت بعلو كعبها في المنطقة زمناً فتضاءل دورها بحكم تبدل أحوال و معطيات الموازين التي غابت فيها حتى سطوة بريطانيا وقد إعترفت بذلك دون مكابرة وكانت شمسها تشرق صباحاً في مكان من اليابسة وتسطع مساء في ركن آخر من مياه العالم.. فتقدمت لآخذ مكانها دول كانت الى أن وضعت الحرب الكونية الثانية أوزراها .. أثراً بعدعين ولكنها نهضت من وهدتها لتصبح في مقدمة الإتحاد الأوربي سياسيا واقتصاديا وعسكرياً !
أما السودان.. فلا يلومنه أحد .. إن هو قال كلمة الحق ولوفي خجل موقفه الحرج بين اليافطتين طالما أنه يبحث عن مصلحته هو الآخر في استغلال حصته كاملة .
فليتذكر ابناء شمال الوادي شعبا وحكومة ..انه لولا تنازله دون ثمن يذكر أو حصوله على نصيب مستحق من كهرباء وعدته بها مصر ..ما كان للسد العالي ليصبح منتصبا في مكانه بعد أن غمرت مياه بحيرته العريضة رقعة غالية من جسد السودان ..وإذا كان سد النهضة الأثيوبي القريب من حدوده سيجعل السودان مضطرا للإستفادة من فائض مياهه الذي كان يذهب في المجرى شمالاً وليس بالقدر الذي يثير ولولة وهلع الجارة الشقيقة .. فإن المزيد من التفاوض بين ثلاثي النيل هو الحل الأمثل لإيجاد التصور الأنسب لتدرج عملية ملء بحيرة السد وفق جدولة تُبني على قاعدة لا ضرر ولا ضرار من مشوار ذلك الفيض من نعمة السقيا التي جعلها المولى تجري منذ الأزل وتتفتح معها خضرةالأرض وتذهب تشققات شفافهها العطشى ..وهوالقادر على جعلها تكفي الدار وجار الجار .. لوأن الجميع قد ارتكنوا الى صوت الواقع الحالي في تدبر مستقبل العلاقة بينهم بعد أن أصبحت رسومات السد وخطوات تنفيذه حقيقة على أرض الحبشة ..بينما لا زال الإخوة المصريون يسعون الى اعادة الدراسات الإستشارية الى المربع الأول !

[email][email protected][/email]