ثقافة وفنون

الدوائر المتداخلة.. التراث والترجمة والتأليف

نبيل فرج

على الرغم من أن النهضة العربية الحديثة منذ القرن التاسع عشر قامت على بعث التراث والعناية بالترجمة والتأليف، فقد ظلت هذه الدعائم الثلاث تتحرك كل واحدة منها بذاتها بمعزل عن الدعامتين الأخريين.

ولم يحدث لها التكامل فيما بينها إلا فى حالات قليلة جدا حين نجد محقق التراث معنيا بالترجمة والتأليف, ونجد المترجم مطلعاً على التراث والإنتاج المؤلف، ونجد المؤلف على اتصال دائم بما نطلق عليه الأصالة والمعاصرة، ومن الباحثين الذين أدركوا بخبرتهم العملية تداخل هذه الدوائر د. حامد طاهر الذى أعد عنها فى 1995 على نفقته الخاصة كتاب «الدوائر المتداخلة التراث, الترجمة, التأليف».

فى هذا الكتاب يعرض حامد طاهر لتاريخ الدوائر الثلاث فى الثقافة المصرية, وما شابها من نقص نتيجة الواقع المتخلف ويعنى به الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية وما يتعين تلافيه حتى تكتمل العلوم والمعرفة، ذلك أنه لا غنى لإحياء التراث عن الوقوف على الثقافات الأجنبية بمثل ما هولا غنى عن الإحاطة بالثقافة الأجنبية من الوقوف على التراث القومى وعلى ما تقدمه المطابع من تأليف تعد من ثمار الاحتفال بالتراث وترجمة الآثار العالمية. وعلى هذا النحو ينتفى العداء الذى يمكن أن يضمره كل فرع للفرعين الآخرين فى تياراته النمطية التى لا تأبه من قبل المجددين بالتراث الذى يؤخذ عليه تفضل النقل على العقل، وينتفى معه أيضا العداء للآداب الأجنبية التى يقاطعها أو يهمشها دعاة التقليدية من كل الاتجاهات بدعوى المحافظة على الهوية! ولا شك أن المكتبات الخاصة للمحققين والمترجمين والمؤلفين تمكننا، كما تمكننا خزائنهم وأرشيفهم من وضع اليد على مدى الإلمام بكل دائرة خارج مجال الاختصاص. وكتاب الدكتور طاهر يتناول بالتحليل والنقد هذه الدوائر الثلاث تطلعا للتوازن والتناسق بينها وبين القديم والحديث ورفع شأنها، فيأخذ على تحقيق التراث عدم جودة الاختيار وخلوه من الفهارس, ومن الدراسة أبعادها الفنية والفكرية التى تعرف بالنص وصاحبه وتضيف الجديد إلى طبعاته السابقة إن توفرت. ويأخذ على الترجمة عدم الدقة فى اللغة والمعنى بسبب ضعف المترجمين وخضوع الترجمة لهواهم, لا لخطط الدولة. كما يأخذ على الترجمة اهتمامها بالدراسات الإنسانية أكثر من الاهتمام بالعلوم التجريبية والبحتة، التى تزايد الإقبال عليها بعد ثورة 1952 للحاجة إليها فى التنمية وافتقاد عنصر التواصل لما يقدم, سواء فى الترجمة أو التأليف الذى يعانى من شدة التفاوت بين العلم والخرافة، وتشتت موضوعاته. وإذا كانت بعض هذه الأحكام التى يتضمنها الكتاب صحيحة فكثير من أحكامه عامة تغفل ما تحقق على مستوى القرن العشرين من تحقيق علمى باهر، ومن ترجمات كاملة عن الأصول لروائع الآداب الإنسانية, تفخر بها المكتبة العربية. أما فى مجال التأليف فإن أسماء لا تحصى فى مجالات الإبداع والنقد والبحث تؤكد أن التأليف العربى المحلى والقومي، مع الظروف الصعبة التى واجهته فى كل الأقطار من الحكومات والرأى العام لم يتخلف عن قضايا السيادة الوطنية والعلمانية والتحديث، وأنه ارتقى بهذه الأسماء إلى أعلى المستويات التى تضارع الإنتاج العالمي.

الأهرام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..