جهاز الأمن يمنع إحياء ذكرى مفكر مجدد أعدم قبل 27 عاما

الخرطوم (ا ف ب) – منع الأمن السوداني أمس إحياء ذكرى رحيل مفكر مجدد أعدم قبل 27 عاما في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري، كما ذكر المنظمون. ومحمود محمد طه مفكر سوداني له آراء تجديدية في الإسلام وتطبيق الشريعة أثارت جدلا واسعا في السودان.

وقد ألف أكثر من سبعين كتابا تدعو إلى فكرته وأسس حركة باسم «الإخوان الجمهوريون». وفي عهد جعفر نميري حكم عليه بالإعدام بتهمة الارتداد عن الإسلام. وأيد النميري الحكم الذي نفذ فيه في 18 يناير 1985.

وقالت أسماء محمود محمد طه ابنة المفكر المغدور ومديرة مركز يحمل اسمه أقيم في 1985 في منزله في أم درمان «درجنا سنويا على الاحتفال بذكرى شهيد الفكر الأستاذ محمود تثمينا لموقفه في التمسك بأفكاره في مواجهة الديكتاتورية».

وأضافت: «هذا العام، وبعد أن أخذ المشاركون في التوافد على مقر المركز، حضرت قوة من الأمن في أربع سيارات وأحاطت بمقر المركز وطلبت منا عدم إقامة الاحتفال». وتابع أن رجال الأمن «منعوا المشاركين من دخول مقر المركز».

وتشن السلطات السودانية منذ ديسمبر الماضي حملة ضد منظمات المجتمع المدني والمراكز الثقافية، وقد أغلقت خلال الشهر الماضي مركز الدراسات السودانية ومركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية ومنظمة اري التي تنشط في مجال حقوق الإنسان بمنطقة جبال النوبة التي تدور فيها حرب بين الحكومة ومتمردي الحركة الشعبية شمال السودان.

كما قامت بإغلاق بيت الفنون وهو مركز يعمل في مجال الموسيقى والمسرح بحجة أن هذه المراكز تتلقى تمويلا من خارج السودان. ورفضت رئاسة الجمهورية السودانية استلام مذكرة اعدها ناشطون احتجاجا على إغلاق المراكز الأربعة.

[CENTER]


جانب من غرفة الأستاذ محمود محمد طه

غرفة الأستاذ محمود بعد أن أعيدت جزئيا إلى سابق عهدها

إبريق الأستاذ محمود وحوض وضوئه النحاسي ومبخره الذي لا تموت ناره[/CENTER]

النور حمد – سودان فور اوول

تعليق واحد

  1. انظروا لتواضع هذا الرجل في منزله وانظروا كيف يعيش الافاكون تجار الدين وعلى رأسهم الحية الترابي

  2. المجد و الخلود للأستاذ الشهيد الذي عاش بالدين قبل أن يدعو الناس إلى الدين.

    لم أرى في حياتي أن هنالك شخص أخاف الأخوان المسلمين حياً و ميتاً الاّ الأستاذ/ محمود محمد طه.

  3. جهاز الأمن يمنع إحياء ذكرى مفكر مجدد أعدم قبل 27 عاما
    —————————————————–

    ويجي الحاج ساطور يقول ليك الحكومة لن تعترض رأياً ولن تسكت صوتاً !!!!!!!!!!!!

  4. غرفة تنم عن التواضع والكسب الحلال والترفع عن استعباد المادة وهو ما دعى له الإسلام الحقيقي ، وعلى الرغم من ذلك أعدم السفاح نميري صاحبها بدعوى الردة . أما زبانية هذا النظام المتهالك ، والذين لا يملكون ذرة من فكر ، فهم يتطاولون في البنيان ويجلبون أثاثه من دبي على حساب الشعب المقهور ، ومع ذلك يتمشدقون بإقامة الشرع ! دلوني كيف نفهم هذه ( الغلوتية ) ؟

  5. هذا الرجل الذى تعجز امامه كل عبارات المدح والثناء. ونحمد الله اننا حضرنا زمانه وقبل ان يغتالونه تجار الدين والمنافقين وجماعات الهوس الديني وحارقي بخور السلطان والحمدلله الذي شفنا خوفهم منه حيا وميتا. وهو وحتي تاريخ اليوم لم يسئ لاى انسان وحتي قتلته والمطالبين بقتله ابتسم لهم يوم اعدامه وقد كنت شاهدا علي ذلك وقد اعجبت بصلابه هذا الرجل رقم جعفر نميرى خيره بان يعفي عنه ان هو رجع عن مايدعوا اليه ويتوب الى الله حسب زعم ذلك تجار الدين بلامس واليوم.

  6. كا ن ا عدا مة حسا رة كبيرة و فجيعة للسودا ن و الند عو الترا بي هو من د بر و خطط لجر يمة ا عدا مة كنت زا ت ية ن انا و بعض زملا ء المدرسة مدر سة الا هلية امدر ما ن فد و هبنا الي منزلة كغير نا لستمع لمحا ضرا تة وو جد نا نا س كتيرة قا عد ين علي برو ش في الا ر ض تستمع لكلا مة الرو عة و كا ن هو لا بس عرا قي و سروال طو يل و طا قية و كا ن لسيطا جدا و متو ا ضعا يلفي محا ضر تة بطر يقة يفهمها الجميع الا مي و المتعلم و كا ن تلا ميزة و كر يد ية يو ز عو ن التمر علي الجا لسين و مو ية كا ن سا حرا في كلامة كا نت ا فكا رو فهم متقد م للد ين لم يكن قكرة منحر ف كنا ز عم المر جفو ن لكنهم سا قو لة الر د ة ليتخلصو منة و كا ن ا عدا مة لا سبا ب سيا سية و ليست د ينية اللعنة علي التر ا بي و ا خو انة الا فا كين االمجر مين ان ر حلت لكتك فكرك حي لا يمو ت و لا ير جل

  7. لمحات من سيرة محمود محمد طه
    (منقول)

    مولده ونشأته
    ولد الاستاذ محمود محمد طه فى مدينة رفاعة بوسط السودان فى العام 1909م تقريبا، لوالد تعود جذوره الى شمال السودان ، وأم من رفاعة ، حيث يعود نسبه الى قبيلة الركابية من فرع الركابية البليلاب نسبة الى الشيخ المتصوف حسن ود بليل من كبار متصوفة السودان.
    توفيت والدته ? فاطمة بنت محمود – وهو لماّ يزل فى بواكير طفولته وذلك فى العام 1915م تقريبا، فعاش الاستاذ محمود وأخوته الثلاثة تحت رعاية والدهم ، وعملوا معه بالزراعة ، فى قرية الهجيليج بالقرب من رفاعة، غير أن والده لمّا يلبث أن التحق بوالدته فى العام 1920م تقريبا، فانتقل الاستاذ محمود وأخوانه للعيش بمنزل عمتهم برفاعة.
    الخلوة

    بدأ الاستاذ محمود تعليمه بالدراسة بالخلوة ، وهى ضرب من التعليم الأهلى ، كما كان يفعل سائر السودانيين فى ذلك الزمان ، حيث يدرس الاطفال شيئا من القرآن ، ويتعلمون بعضًا من قواعد اللغة العربية ، غير أن عمته كانت حريصة على الحاقه وأخوانه بالمدارس النظامية ، فتلقى الاستاذ محمود تعليمه الاوّلى والمتوسط برفاعة . ومنذ سنى طفولته الباكرة هذه أظهر الاستاذ محمود كثيرا من ملامح التميز والاختلاف عن أقران الطفولة والدراسة ، من حيث التعلق المبكر بمكارم الاخلاق والقيم الرفيعة ، الأمر الذى لفت اليه أنظار كثير ممن عاش حوله.
    كلية غردون ودراسة الهندسة

    بعد اتمامه لدراسته الوسطى برفاعة أنتقل الاستاذ محمود في عام 1932 الى عاصمة السودان ، الواقع حينها تحت سيطرة الاستعمار البريطانى ، وذلك لكى يتسنّى له الالتحاق بكلية غُردون التذكارية ، وقد كانت تقبل الصفوة من الطلاب السودانيين الذين أتّموا تعليمهم المتوسط ، حيث درس هندسة المساحة. كان تأثيره فى الكلية على محيطه من زملائه الطلبة قويا ، وقد عبر أحد كبار الأدباء السودانيين عن ذلك التأثير بقوله: ((كان الاستاذ محمود كثير التأمل لدرجة تجعلك تثق فى كل كلمة يقولها ! ))
    السكك الحديدية والنضال السياسى

    تخرج الاستاذ محمود فى العام 1936م وعمل بعد تخرجه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية ، والتى كانت رئاستها بمدينة عطبرة الواقعة عند ملتقى نهر النيل بنهر عطبرة ، وعندما عمل الاستاذ محمود بمدينة عطبرة أظهر انحيازًا الى الطبقة الكادحة من العمال وصغار الموظفين ، رغم كونه من كبار الموظفين ، كما أثرى الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة من خلال نشاط نادى الخريجين ، فضاقت السلطات الاستعمارية بنشاطه ذرعًا ، وأوعزت الى مصلحة السكة حديد بنقله ، فتم نقله الى مدينة كسلا فى شرق السودان فى العام 1937م ، غير أنّ الاستاذ محمود تقدم باستقالته من العمل في عام 1941، وأختار أن يعمل فى قطاع العمل الحر كمهندس ومقاول ، بعيدا عن العمل تحت امرة السلطة الاستعمارية.
    كان الاستاذ محمود فى تلك الفترة المحتشدة من تأريخ السودان ، وفى شحوب غروب شمس الاستعمار عن أفريقيا ، علما بارزا فى النضال السياسى والثقافى ضد الاستعمار ، من خلال كتاباته فى الصحف ، ومن خلال جهره بالرأى فى منابر الرأى، غير أنّه كان مناضلا من طراز مختلف عن مألوف السياسيين ،حيث كان يمتاز بشجاعة لافتة ، لا تقيدها تحسبات السياسة وتقلباتها ، وقد أدرك الانجليز منذ وقت مبكر ما يمثله هذا النموذج الجديد من خطورة على سلطتهم الاستعمارية ، فظلت عيونهم مفتوحة على مراقبة نشاطه.
    زواجه وأبناؤه

    تزوج من آمنة لطفى عبد الله ، وهى من اسرة لطفى عبد الله العريقة النسب والدين ، والتى تنتمى لفرع الركابية الصادقاب ، وقد كان زواجهما فى أوائل الأربعينات من القرن الماضى . كان أول أبنائه (محمد) وقد نشأ فى كنف أبويه متفردا بين أترابه ، غير أنه ما لم يكد يخطو نحو سنى الصبا حتى غرق فى النيل عند رفاعة فى حوالى عام 1954، وهو لما يتعد العاشرة من عمره ، وقد صبرت أمه آمنة على فقده صبرا عظيماً . كان الاستاذ محمود وقتها خارج رفاعة ، فعاد اليها عندما بلغه الخبر ، وتلقى العزاء فى أبنه راضيا ، قائلاً لمن حوله: لقد ذهب أبنى لكنف أبٍ أرحم منى!
    له من الابناء بعد أبنه (محمد) بنتان هما (أسماء) ، و (سمية) .
    نشأة الحزب الجمهورى

    فى يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945م أنشأ الاستاذ محمود وثلة من رفاقه هم: أمين مصطفى التنى، عبد القادر المرضى ، منصور عبد الحميد ، محمود المغربى ، واسماعيل محمد بخيت حبّة ، حزبًا سياسيًا أسموه (الحزب الجمهورى) ، حيث اقترح التسمية أمين مصطفى التّنى ، اشارة لمطالبتهم بقيام جمهورية سودانية مستقلة عن دولتى الحكم الثنائى ، وقد أُختير الأستاذ محمود رئيسا للحزب ، وعبد القادر المرضى سكرتيرا له ، وقد كان هذا الحزب هو الحزب السياسى الوحيد وقتها فى المطالبة بالحكم الجمهورى ، وفى المطالبة بالاستقلال التام ، فى الوقت الذى كانت فيه الحركة الوطنية السودانية ، بقسميها الذين يقودهما حزبا الاتحادى والامة لا يناديان الا بالاتحاد مع مصر (الاتحاديون) أو بالاستقلال فى تحالف مع التاج البريطانى (الامة). وقد عبر هذا الموقف التأريخى من مصير السودان ، أصدق تعبير ، عن الرؤية الثاقبة ، والبصيرة المسددة التى ستكون لاحقا سمة الحركة الجمهورية التى أنشأها ورعاها الاستاذ محمود محمد طه.
    وقد انتسب إلى الحزب الجمهوري في تلك الفترة، من الأربعينات: أمين محمد صديق، محمد فضل الصديق، ذا النون جبارة، عوض لطفي، مهدي أبوبكر، أحمد المبارك عيسى، محمد المهدي مجذوب، منير صالح، مكاوي المرضي، سعد صالح عبد القادر، عثمان عتباني، أحمد يوسف قِوَيْ، يحيى صالح عبد القادر، ومحمد صالح التوم.
    أول سجين سياسى فى الحركة الوطنية!

    نشأ الحزب الجمهورى أول ما نشأ على المصادمة المباشرة للاستعمار ، دون أن تقعده الرهبة ، أو يصرفه اليأس ، فحفظ تأريخ السودان للأستاذ محمود صورًا ناصعة من الاخلاص المتجرد من الخوف والطمع ، فى مواجهات مكشوفة مع الاستعمار ، ومع الطائفية السياسية التى كانت تحرك الشعب لمصلحة قادتها. ورغم أن الحزب الوليد اتخذ من الاسلام مذهبيةً له ، غير أنه فى تلك الفترة لم يكن يملك من تفاصيل تلك المذهبية ما يمكن أن يقدمه للشعب ، فأنصرف أفراده الى ما أسماه الاستاذ محمود (ملء فراغ الحماس) ، متخذين من قضايا مثل سياسة الاستعمار تجاه الجنوب ، وقضايا مزارعى مشروع الجزيرة مواضيع للنضال ولتحريك الشعب ، فضرب رجال الحزب الجمهورى وعلى رأسهم الاستاذ محمود الأمثال فى شجاعة المواجهة ، حيث كان الحزب يطبع المنشورات المناهضة للاستعمار والتى يقوم أفراده بتوقيع أسماءهم عليها ، ثم توزيعها، فى عمل فريد من أعمال المواجهة العلنية ، اضافة الى قيامهم بالخطابة فى الاماكن العامة ، حتى استشعرت السلطات الاستعمارية الخطر ، فتم اعتقال الاستاذ محمود فى يونيو من عام 1946م وتم تقديمه الى المحاكمة ، حيث خُيّر بين السجن لمدة عام ، أو امضاء تعهد بعدم ممارسة العمل السياسى فأختار السجن دون تردد. كان الاستاذ محمود بذلك أول سجين سياسى فى تأريخ الحركة الوطنية السودانية. وحتى فى السجن فقد واصل مقاومته للمستعمر بعدم تنفيذ أوامر السجن ، فى حين واصل رفقاؤه فى الحزب مقاومتهم خارج السجن ، فأضطُرت سلطات الاستعمار الى اطلاق سراحه بعد خمسين يوم من سجنه. وقد أدى نبأ اطلاق سراحه ، تماما كنبأ سجنه ، الى تجاوب واسع من قطاعات الشعب ، أظهرته برقيات التأييد التى انهمرت على الحزب من كافة محافظات السودان.
    ثورة رفاعة

    بعد اطلاق سراح الاستاذ محمود واصل الحزب الجمهورى نضاله ضد الانجليز ، حتى حانت فى سبتمبر 1946م فرصة أخرى لتصعيد المقاومة ، اذ قامت سلطات الاستعمار بتفعيل قانون منع الخفاض الفرعونى والذى كان قد صدر فى ديسمبر من عام 1945م ، حين قامت السلطات فى رفاعة بسجن ام سودانية خفضت بنتها خفاضا فرعونيا ، فنهض الاستاذ محمود الى التصدى لحادثة الاعتقال هذه ، معتبرا أنّ الاستعمار بتفعيله القانون فى مواجهة عادة متأصلة لا يمكن محاربتها بالقوانين ، انما يرمى الى اضفاء الشرعية على حكمه عن طريق اظهار نفسه محاربا لعادات الشعب السيئة من ناحية ، واظهار السودانيين كشعب غير متحضر مستحق للوصاية من ناحية ثانية.
    خطب الاستاذ محمود خطبة قوية فى مسجد رفاعة مستنهضا الشعب للدفاع عن المرأة التى نزعت من بيتها الى ظلمات السجن. فتوحدت المدينة بأكملها خلفه فى ثورةٍ عارمة تصاعدت الى اقتحام السجن ، وأطلاق سراح المرأة ، رغم المواجهة العنيفة التى ووجهت بها من قبل السلطات والتى وصلت لحد أطلاق النار على الشعب . وقد تجلت فى ثورة رفاعة جسارة الاستاذ محمود فى مواجهة المستعمر والتزامه جانب المستضعفين من شعبه ، مما خلب ألباب الأحرار ، حيث عبّر أحد شعراء السودان عن ذلك فى مقدمة قصيدة له فى تمجيد ثورة رفاعة بقوله : ((من المنبر فى مسجد رفاعة انبعثت الصيحة ، وخرج المسلمون – كالمسلمين الأوائل – فى لحظة الهية يندفعون الى الكافر ، ولقيهم هذا خلف صف من العساكر ، وأنطلق الرصاص ، وتقدم الرجال يمشون على خطى محمود !))
    تمخضت ثورة رفاعة عن سجن الاستاذ محمود لمدة سنتين ، حيث ُسجن فى سجن ودمدنى لبعض الوقت ، ثم أتم باقى مدة السجن فى سجن كوبر الشهير بمدينة الخرطوم بحرى.
    السجن، والخلوة، والمذهبية الجديدة

    فى السجن الثانى للاستاذ محمود بدأت تتضح له تفاصيل المذهبية الاسلامية التى وقف حياته للدعوة اليها ، حيث أخذ نفسه بالعبادة ، وبخاصة الصيام الصمدى ، والصلاة ، فتهيأ لأداء المهمة التى أدرك أن الله انما يعده لها.
    بعد اتمامه لمدة سجنه فى العام 1948م خرج الاستاذ محمود الى مدينة رفاعة حيث اعتكف لمدة ثلاث سنوات فى خلوة عن الناس ، حيث أتم ما كان قد بدأه فى سجنه من تهيؤ لدعوته الاسلامية. كانت أيام خلوته واعتكافه عامرة بالاشراقات الروحية ، والسمو النفسى ، وقد بدا واضحا أن الاستاذ محمود قد أقبل على موضوع كبير وخطير ، وكان الحزب الجمهورى طوال فترة اعتكافه قد توقف نشاطه ، فى حين كان أفراده ينتظرون خروج قائدهم من اعتكافه.
    الحزب الجمهورى يخرج من جديد

    خرج الاستاذ محمود من اعتكافه فى اكتوبر 1951م ودعا الحزب الجمهورى الى اجتماع عام عقد فى 30 اكتوبر 1951م . فى هذا الاجتماع طرح الاستاذ محمود المذهبية الاسلامية الجديدة ، والتى تقوم على الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الشاملة ، ليتجه الحزب الجمهورى من ملء فراغ الحماس الى ملء فراغ الفكر.
    الاسلام والدعوة للسلام

    فى عام 1952م صدر كتاب ((قل هذه سبيلى)) ) وصدر منشور بالانجليزية هو ((Islam, The Way out)) ، وبدأت بذلك حركة واسعة لتأليف الكتب التى تتولى شرح فكرة الدعوة الاسلامية الجديدة وتفصيل مذهبيتها.
    دعا الأستاذ محمود الى الاسلام كمذهبية تبشّر بتحقيق أنسانية الانسان ، عن طريق تقديم المنهاج الذى يحقق السلام فى كل نفس بشرية ، وعلى مستوى الكوكب البشرى ، حيث يُقدم الاسلام فى مستواه العلمى كدعوة عالمية الى السلام. وقد ظلت قضايا الفكر ، والحرية ، والتحليل العلمى للحضارة الغربية ولواقع المسلمين قضايا مطروحة بالحاح منذ أن تنالولها الاستاذ محمود فى المنشور الأول وحتى اليوم.
    فصدر كتاب ((أسس دستور السودان)) فى ديسمبر 1955م ليشرح أسس الدستور الذى دعا له الجمهوريون ، ثم توالى اصدار الكتب حيث صدر كتاب ((الاسلام)) فى عام 1960م ، ثم كتابا ((رسالة الصلاة)) و ((طريق محمد)) فى عام 1966م. وتوجت حركة البعث الاسلامى هذه فى يناير 1967م بكتاب ((الرسالة الثانية من الاسلام)) والذى ُيعد الكتاب الأم للفكرة الجمهورية. وقد توالى بعد ذلك ، وعلى مدى زمنى يمتد الى قرابة العشرين عاما، صدور الكتب التى تتولى تنزيل دقائق العلم بالدعوة الى الاسلام فى مستوى الرسالة الثانية ، وذلك فى كافة مناحى المعرفة ، فصدر فى ذلك جملةً ما يفوق الثلاثين كتاباً ، هذا فضلا عن الكتيبات والمنشورات التى كانت تواكب مستجدات الأحداث برأى فكرى وسياسى سمته الدقة ، والاخلاص ، وقد صدر فى هذا الباب ما زاد على المئتى كتيب ومنشور.
    الدعوة لطريق محمد وتطوير التشريع

    دعا الاستاذ محمود الى تقليد النبى محمد صلى الله عليه وسلم كمنهاج للسلوك الدينى بهدف توحيد القوى المودعة فى الانسان ، من قلب وعقل وجسد ، والتى وزعها الخوف الموروث والمكتسب ، ثم الى تطوير التشريع الاسلامى بالانتقال من الآيات المدنية التى قامت عليها بعض صور الشريعة ، الى الآيات المكية التى نسخت فى ذلك الوقت لعدم تهيؤ المجتمع لها ، حيث الدعوة الى الديمقراطية والاشتركية والمساواة الاجتماعية ، المدخرة فى أصول الدين ، وقد بسط الاستاذ محمود فكرته فى آفاقها الدينية والسياسية والمعرفية بعلمٍ واسعٍ ، وحجةٍ ناصعةٍ ، وصبرٍ على سوء الفهم وسوء التخريج وسوء القصد الذى قوبلت به فكرته من معارضيها ، حتى ذهب يقينه بفكرته واخلاصه لها ، والتزامه ايّاها فى اجمال حياته وتفصيلها، مثلا فريداً فى الدعاة والدعوات.
    المساواة الاجتماعية وحقوق النساء

    كان موضوع المرأة من اهم المواضيع التى عالجها الاستاذ محمود فى فكرته ، حيث دعا الى تطوير التشريع فيما يختص بشريعة الأحوال الشخصية ، والى وضع المرأة من حيث التشريع فى موضعها الصحيح ، بعد أن تعلمت وتسنمت الوظائف الرفيعة ، متجاوزا بذلك القصور الفكرى الذى ظل ملازما للفكر الاسلامى السلفى تجاه وضع المرأة فى التشريع الدينى ، ومتجاوزا دعوات تحرير المرأة التى هدفت لمحاكاة الغرب، ومقدما فهما جديدا مستمداً من اصول الدين ، يقوم على مساواة الرجال والنساء أمام القانون وفى النظام الاجتماعى ، انطلاقا من فكرة تطوير التشريع الاسلامى ، واستلهاماً أكبر لغرض الدين فى الحياة الحرة الكريمة للنساء والرجال على قدم المساواة. وقد كان أكبر تجسيد لدعوة الاستاذ محمود الى تطوير وضع المرأة الدينى هو المرأة الجمهورية نفسها ، فقد دخلت تلميذات الاستاذ محمود من الجمهوريات التاريخ كأول طليعة من النساء تخرج للدعوة الى الدين بصورة جماعية ومنظمة ، فى ظاهرة فريدة ظللتها قوة الفكر وسداد السيرة وسمو الخلق.
    الثورة الثقافية وحركة الحوار والنشر

    أسس الاستاذ محمود بحركة التأليف ، والنشر ، ومنابر الحوار ، وأركان النقاش التى تقام فى الطرقات العامة والميادين والحدائق ودور العلم والأحياء ، ثورةً فكريةً لم ُيعرف لها ضريب فى تاريخ الأديان والافكار! حيث حمل هو وتلاميذه الفكرة الجمهورية الى كل صقع ناءٍ من أصقاع السودان يذهبون الى الشعب حيث يعيش ، يحدثونه عن الدين ، ويحاورونه وينقلون له النموذج الحى للاسلام المجسّد الذى يمشى على قدمين! وقد كانت حركة الحوار الفكرى هذه معالم بارزة فى حياة الشعب السودانى حيث كانت كثير من أركان النقاش فى الجامعات ، وفى الطرقات والأماكن العامة مدارس تعلم فيهل الشعب أدب الحوار ، وأدب الدعوة الى الدين. وقد كان أساليب الدعوة الفريدة حملات الدعوة الخاصة ، حيث كان الجمهوريون يذهبون الى لقاء المثقفين ورجال الدين والمفكرين فى مقابلات خاصة يتم فيها الحوار الفكرى وتعرض الدعوة الى الرسالة الثانية من الاسلام وتقدم لهم فيها نسخاً من كتب الفكرة الجمهورية .
    كان شعار ثورة التغيير هذه هو الكلمة (لا اله الا الله) بعد أن رفعها الاستاذ محمود فى دعوته الجديدة الى مستوً من التحقيق جعلها منهاجا ً لتغيير النفوس. وقد قامت هذه الحركة الشاملة فى مداها ، و المنضبطة فى أدائها ، والفاعلة فى تأثيرها ، على موارد الجمهوريين الذاتية ، والتى يقتطعونها من دخولهم الشخصية ، وعلى العمل التطوعى الذى يكرّس له الاعضاء اجازاتهم وأوقات راحتهم ، وعلى ريع الكتب التى يوزعونها بعد أن يقوموا بطباعتها يدويا ً، فكانت بذلك ثورة شاملة فى معناها ومبناها ، وارهاصا كبيرا بالثورة الثقافية المنتظرة و التى تعيد صياغة الأفراد والجماعات .
    المجتمع الجمهورى

    حرص الاستاذ محمود على تربية تلاميذه على معيشة ما يدعون اليه من قيم الدين ، وكان نهج الفرد الجمهورى فى ذلك هو المعيشة فى (الهنا والآن) ، فى اللحظة الحاضرة ، مشتغلا بتجويد أداء الواجب المباشر جهد الطاقة ، ثم الرضا بالنتيجة أيا كانت ، اذ أنها من الله ، على قاعدة من المراقبة والمحاسبة للنفس ، تنقية وترقية لها نحو معالى المعرفة والسلوك. وقد كانت حركة الجمهوريين اليومية فى الدعوة الى فكرتهم تتم تحت أعين الاستاذ محمود ووفقا لارشاده المتصل ، فى حركة يومية لا تفتر من الجلسات الصباحية والمسائية التى تعقد لتدارس المعانى السلوكية و العرفانية ، ومن حلقات الانشاد العرفانى ، والذكر والقرآن ، ومن الندوات التى تعقد فى منازل الاخوان الجمهوريين ، فضلا عن حركتهم الخارجية.
    المؤامرة!

    لم تتوقف محاولات القوى الدينية التقليدية التى استشعرت الخطر من تنامى تأثير الحركة الجمهورية وسط الشعب السودانى عن الكيد لها بمختلف السبل ، وقد كان القاسم المشترك لكل مؤامرات قوى الهوس الدينى هو محاولة استغلال السلطة لتصفية الحركة الجمهورية واسكات صوتها ، فسعت لدى قادة انقلاب 1958م لايقاف نشاط الاستاذ محمود ، فكان أن استجابت السلطة بقرار ايقاف الاستاذ عن القاء المحاضرات فى الاندية ، غير أن الحركة استمرت فى شكل ندوات مصغرة تعقد فى المنازل ، ويؤمها جمهور كثير ، حتى الغت السلطة القرار لاحقا ، وعاد الاستاذ محمود الى المحاضرات العامة.
    محكمة الرّدة !

    بعد ثورة اكتوبر 1964 م وعودة القوى الطائفية الى السلطة ، تجددت محاولات قوى الهوس الدينى لضرب الحركة الجمهورية ، حيث دبرت مهزلة محكمة الردة فى نوفمبر 1968م ، والتى حكمت على الاستاذ محمود بالردة بعد محاكمة صورية سريعة استغرقت نصف الساعة ! ، ولم يمثل الاستاذ أمامها ، ولم يستأنف حكمها ، تأكيدا لعدم اعترافه بشرعية المحكمة المزعومة ، غير أنه استثمر المحاكمة كفرصة جديدة لمزيد من حملات التوعية عن خطر الهوس الدينى على حرية الشعب ، وعلى حياته أيضاً.
    اصطلحوا مع اسرائيل

    دعا الاستاذ محمود محمد طه ، وفى قمة فوران المد القومى العربى الذى قاده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الى الصلح مع اسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل ، وحل قضية فلسطين عبر التفاوض ! ، مذكرا العرب بأن قضيتهم ليست اسرائيل ، وانما هى اقامتهم على قشور من الدين وقشور من حضارة الغرب ، مما جلب عليهم الخسران المبين. وقد كان هذا الرأى غريبا على كل العرب! اذ أنه قد انبنى على قراءة دقيقةٍ للتاريخ وبصيرةٍ ثاقبةٍ بالمستقبل ، جعلت صاحبه وكأنه آت للعرب من مستقبلهم الذى هم عن رؤيته قاصرون ، غير أن الأحداث قد أيدت رأيه ، وأبانت صدق بصيرته لكل من يرى!
    حادثة الاعتداء على الاستاذ محمود

    فى الثانى والعشرين من مايو 1969م وبمدينة الابيض بغرب السودان ، وبينما كان الاستاذ محمود يحاضر عن الصلاة فى أحد الاندية كدأبه فى حركته المتصلة وسط شعبه ، قام أحد المغرر بهم من المهوسين بالاعتداء عليه بضربه فى رأسه بعصاة كان يحملها ، وقد نقل الاستاذ محمود على اثر الضربة الى المستشفى لتلقى العلاج ، وكان فى هذا الاعتداء دلالة جديدة على النهج الذى اختارته قوى الظلام من أجل النيل من الاستاذ محمود وفكرته ، ويجدر بالذكر أن الاستاذ محمود قد عفا عن الشخص الذى قام بهذا الاعتداء عليه.
    الدستور الاسلامى المزيف وقيام مايو

    فى 25 مايو 1969م قامت حركة مايو المعروفة ، فى لحظة تاريخية دقيقة كانت الاحزاب الطائفية وقوى الهوس الدينى تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى “الدستور الإسلامي” ، ويهدف لتمكين تلك الاحزاب من فرض حكم شمولى يتلفح برداء الاسلام ، ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية ، فأعلن الجمهوريون تأييدهم لحركة مايو باعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودى باستقرار الوطن والشعب ، رغم ادراك الاستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو ، ولقصورها عن شأو الحكم الصالح الذى ظل يدعو له طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايو ملتزما بهذه المرجعية التى تاسست عند قيامها ، لم ينحرف منه الى الدخول فى أجهزة مايو ، او مشاركتها فى تقلباتها السياسية.
    لم تتوقف محاولات الكيد للاستاذ محمود بقيام حركة مايو ، بل ظلت تجرى فى الخفاء ، ففى عام 1975م أصدر مجلس الأمن القومى لنظام مايو قرارا بمنع الاستاذ محمود من القاء المحاضرات العامة، وان ظل تلاميذه الجمهوريون يقدمون المحاضرات وأركان النقاش فى كل مكان دون توقف.
    السجن مرة أخرى!

    فى ديسمبر 1976م واثر اصدار الاخوان الجمهوريون لكتاب ((اسمهم الوهابية ، وليس اسمهم أنصار السنّة)) والذى أثار غضب السلطات الدينية السعودية ، قامت سلطة مايو باعتقال الاستاذ محمود وعددٍ من قادة الأخوان الجمهوريين ، وقامت بايداعهم سجن كوبر ، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يسجن فيها الاستاذ محمود فى عهد حكم وطنى بعد سجون الاستعمار.
    المصالحة الوطنية وسقوط مايو!

    بدأت سلطة مايو تتجه شيئاً فشيئاً الى أحضان القوى الدينية التقليدية .. وبعد دخولها فى المصالحة الوطنية فى العام 1977م اجتاحت القوى الطائفية وحركة الاخوان المسلمين عددًا من أجهزة الحكم المايوى ، وقد أيّد الاستاذ محمود المصالحة باعتبارها حقناً لدماء السودانيين بعد اقتتال ، رغما عن ادراكه للطبيعة الجديدة لمايو بعد دخول قوى الهوس الدينى ، فقد قال عقب المصالحة ((بالمصالحة الوطنية انتهت المرحلة الاولى من مايو ، وبدأت المرحلة الثانية والاخيرة)).
    حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال!

    كانت مشكلة جنوب السودان من أهم القضايا التى اهتم بها الاستاذ محمود فى فكره السياسى ، اذ كانت مشكلة الجنوب احدى قضيتين أخرج من أجلهما الحزب الجمهورى منشوراته التى واجهت الانجليز فى عام 1946 م ، والتى على اثرها تم سجن الاستاذ سجنه الأوّل ، ثم كانت مشكلة الجنوب أيضا هى أحدى القضايا التى من أجلها أخرج الجمهوريون منشورهم الشهير(هذا أو الطوفان) والذى واجه سلطة الهوس الدينى المايوى ، والذى تصاعد الى محاكمة الاستاذ محمود فى يناير من العام 1985م ، وقد ذهبت كلمة الاستاذ محمود الشهيرة (حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال) مثلا على استواء البصيرة السياسية على جادة الحكمة التى تزن الأمور بميزان التوحيد ، وذلك بالاشارة الصائبة الى أن مشكلة الجنوب انما هى بنت افتقار القوى السياسية السودانية الى المذهبية الفكرية الرشيدة ، وركونها الى الفساد السياسى والمكايدة الحزبية ، وهى عين مشكلة الشمال ، ولم ينفك الجنوب عن التأرجح تحت عجلة الاتفاقات التى لا تعقد الا لتنقض بيد القصور السياسى والتخبط الحزبى ، فى تأكيد متصل على مقولة الاستاذ محمود سالفة الذكر.
    الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة!

    فى مايو 1983م أصدر الأخوان الجمهوريون كتاب ((الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة)) والذى واجه النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن عمر محمد الطيب بنقد قوى لقيامه بالسماح لجماعات مهووسة ، ودعاة مشبوهين من خارج القطر ، باستغلال مسجد يتبع له ، وباستغلال أجهزة الاعلام ، فى القيام بحملة رأى الجمهوريون أنها تفتح الباب أمام فتنة دينية لا تبقى ولا تذر ، فقامت السلطة باعتقال الأستاذ محمود، وعددٍ من الجمهوريين من غير أن توجه لهم تهمة، وظلوا فى المعتقل حتى صدرت قوانين سبتمبر 1983م ، والتى نسبت زورا الى الشريعة الاسلامية ، فعارضها الاستاذ محمود وتلاميذه من داخل المعتقل ، ومن خارجه ، ثم تصاعدت وتيرة الأحداث الى اعلان حالة الطوارئ واقامة المحاكم الايجازية العشوائية فى أبريل 1984م لتطبيق تلك القوانين السيئة الاخراج والقصد .
    المؤامرة من جديد !

    فى تدبير مبّيت ومكشوف قامت السلطة باطلاق سراح الاستاذ محمود وتلاميذه فى ديسمبر من عام 1984م ، فى مقدمة لتدبير مؤامرة ضدهم ، ورغم علم الاستاذ محمود بالمؤامرة وحديثه عنها ، الا أنه لم يتردد فى 25 ديسمبر 1984م وبعد اسبوع فقط من مغادرته للمعتقل ، فى اصدار منشوره الشهير (هذا! أو الطوفان!) والذى طالب فيه بالغاء قوانين سبتمبر 1983 م تنقيةً للدين من التشويه الذى ألحقته به ، ودرءاَ للفتنة الدينية ، وطالب السلطة ومعارضيها فى الجنوب الى التفاوض لحل مشكلة الجنوب ، والى ايقاف الاقتتال ، صونا لوحدة الوطن ، وحقنا لدماء أبنائه .. ولم يفت على الاستاذ محمود أن السلطة انما كانت تتربص به ، وتنتظر فرصة كهذه لتقديمه لمحاكمها الجائرة ، غير أن الأمر عنده قد كان ، كما كان طوال سيرته ، امر دين لا مساومة فيه .. و لما كان الدين عنده هو نصرة المستضعفين من شعبه ، فقد نهض الى واجبه الدينى دون التفات للحسابات السياسية ، او الاعتبارات الدنيوية.
    فى يناير من العام 1985م أقام الجمهوريون مؤتمر الاستقلال بدار الاستاذ محمود بأم درمان ، وفى ختامه مساء 4 يناير تحدث الاستاذ محمود عن ضرورة أن يفدى الجمهوريون الشعب السودانى حتى يرفعوا عن كاهله اصر الظلم الذى وقع عليه ، مقدما نماذج من تأريخ التصوف لصور من فداء كبار المتصوفة لشعبهم.
    الكيد السياسى والمحكمة المهزلة

    فى صباح الخامس من يناير 1985م اعتقلت سلطات النظام المايوى الاستاذ محمود محمد طه بعد أن كانت قد اعتقلت عددا من الجمهوريين قبله ، ليتم بذلك تنفيذ التدبير المعد سلفاً لمحاكمة الاستاذ محمود والجمهوريين أمام المحاكم التى شكلها النظام من خصوم الجمهوريين من قوى الهوس الدينى.
    فى يوم الاثنين 7 يناير 1985م قُدّم الاستاذ محمود وأربعة من تلاميذه للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ ، برئأسة حسن ابراهيم المهلاوى ، فأعلن الاستاذ محمود محمد طه رفضه التعاون مع المحكمة ، بعبارات خلّدها التأريخ فى سجل الشرف ، واضعا المحكمة ، والقانون الذى تحاكم به ، والسلطة التى تأتمر بأمرها فى موضعها الصحيح من أنها مجرد أدوات لقمع الشعب وأسكات صوت الأحرار من أبنائه.
    فى يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة المهزلة حكمها المعد سلفا بالاعدام على الاستاذ محمود وتلاميذه الأربعة ، لتغطى سماء البلاد موجة من الحزن والذهول.
    فى يوم 15 يناير 1985م أصدرت محكمة الاستئناف المزعومة برئاسة المكاشفى طه الكبّاشى حكمها المتوقع بتأييد حكم المحكمة المهزلة ، بعد أن قامت بتحويل الحكم من معارضة للسلطة واثارة للكراهية ضدها ، الى اتهام بالردة ، لتتضح ملامح المؤامرة أكثر .
    فى يوم الخميس 17 يناير 1985م صادق الرئيس جعفر نميرى على حكم الاعدام ، بعد أن أوسع الفكرة الجمهورية تشويهاً ، ونصب نفسه قاضيا على أفكارها ، فاتجهت الانظار الى سجن كوبر بالخرطوم بحرى فى انتظار تنفيذ الحكم.
    ابتسامة على حبل المشنقة!

    عند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م ، الموافق للسادس والعشرين من ربيع الآخرة من عام 1405ه ، صعد الاستاذ محمود درجات السلم الى المشنقة تحت سمع وبصر الآلاف من الناس ، وعند ما نزع الغطاء الذى كان يغطى رأسه قبيل التنفيذ، انكشف وجهه عن ابتسامة وضاءة لفتت الأنظار، فانفتحت بموقفه الاسطورى هذا ، وبابتسامة الرضا تلك ، دورة جديدة من دورات انتصار الانسانية على عوامل الشر فى داخلها وفى الآفاق.
    فى السادس من أبريل 1985م سقطت سلطة مايو أمام انتفاضة الشعب السودانى ، وفى 18 نوفمبر 1986م أصدرت المحكمة العليا السودانية حكمها بابطال أحكام المحكمة المهزلة ومحكمة الاستئناف المزعومة بحق الاستاذ محمود. وقد أعلنت منظمة حقوق الإنسان فيما بعد يوم 18 يناير يوما لحقوق الإنسان العربي ..

  8. منقول

    مستند الإتهام الأول والذي بموجبه حكم على الأستاذ محمود والأخوان الجمهوريين الأربعة بالإعدام شنقا حتى الموت

    (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .. واعلموا أن الله شديد العقاب)
    صــدق الله العظيم

    غايتان شريفتان وقفنا ، نحن الجمهوريين ، حياتنا ، حرصا عليهما ، وصونا لهما ، وهما الإسلام والسودان .. فقدمنا الإسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة ، وسعينا لنرعى ما حفظ الله تعالى على هذا الشعب ، من كرايم الأخلاق ، وأصايل الطباع ، ما يجعله وعاء صالحا يحمل الإسلام إلي كافة البشرية المعاصرة ، التي لا مفازة لها ، ولا عزة ، إلا في هذا الدين العظيم ..

    وجاءت قوانين سبتمبر 1983 ، فشوهت الإسلام في نظر الأذكياء من شعبنا ، وفي نظر العالم ، وأساءت إلى سمعة البلاد .. فهذه القوانين مخالفة للشريعة ، ومخالفة للدين ، ومن ذلك أنها أباحت قطع يد السارق من المال العام ، مع أنه في الشريعة ، يعزر ولا يحد لقيام شبهة مشاركته في هذا المال .. بل إن هذه القوانين الجائرة أضافت إلى الحد عقوبة السجن ، وعقوبة الغرامة ، مما يخالف حكمة هذه الشريعة ونصوصها .. هذه القوانين قد أذلت هذا الشعب ، وأهانته ، فلم يجد على يديها سوى السيف ، والسوط ، وهو شعب حقيق بكل صور الإكرام ، والإعزاز .. ثم إن تشاريع الحدود والقصاص لا تقوم إلا على أرضية من التربية الفردية ومن العدالة الاجتماعية ، وهي أرضية غير محققة اليوم ..

    إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد ، وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب و ذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب .. إن من خطل الرأي أن يزعم أحد أن المسيحي لا يضار بتطبيق الشريعة .. ذلك بأن المسلم في هذه الشريعة وصي على غير المسلم ، بموجب آية السيف ، وآية الجزية .. فحقوقهما غير متساوية .. أما المواطن ، اليوم ، فلا يكفي أن تكون له حرية العبادة وحدها ، وإنما من حقه أن يتمتع بسائر حقوق المواطنة ، وعلي قدم المساواة ، مع كافة المواطنين الآخرين .. إن للمواطنين في الجنوب حقا في بلادهم لا تكفله لهم الشريعة ، وإنما يكفله لهم الإسلام في مستوى أصول القرآن ( السنة ) .. لذلك فنحن نطالب بالآتي :-

    1- نطالب بإلغاء قوانين سبتمبر 1983 ، لتشويهها الإسلام ، ولإذلالها الشعب ، ولتهديدها الوحدة الوطنية..

    2- نطالب بحقن الدماء في الجنوب ، واللجوء إلى الحل السياسي والسلمي ، بدل الحل العسكري. ذلك واجب وطني يتوجب على السلطة ، كما يتوجب على الجنوبيين من حاملي السلاح. فلا بد من الاعتراف الشجاع بأن للجنوب مشكلة ، ثم لا بد من السعي الجاد لحلها ..

    3- نطالب بإتاحة كل فرص التوعية ، والتربية ، لهذا الشعب ، حتى ينبعث فيه الإسلام في مستوى السنة (أصول القرآن) فإن الوقت هو وقت السنة ، لا الشريعة (فروع القرآن) .. قال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم : (بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود غريبا ، كما بدأ ، فطوبى للغرباء ?? قالوا: من الغرباء يا رسول الله ؟؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها). بهذا المستوى من البعث الإسلامى تتحقق لهذا الشعب عزته ، وكرامته ، ثم إن في هذا البعث يكمن الحل الحضاري لمشكلة الجنوب ، ولمشكلة الشمال ، معا? ??? أما الهوس الديني ، والتفكير الديني المتخلف ، فهما لا يورثان هذا الشعب إلا الفتنة الدينية ، والحرب الأهلية .. هذه نصيحتنا خالصة ، مبرأة ، نسديها ، في عيد الميلاد ، وعيد الاستقلال ، ونرجو أن يوطئ لها الله تعالي أكناف القبول ، وأن يجنب البلاد الفتنة ، ويحفظ استقلالها ووحدتها وأمنها .. وعلي الله قصد السبيل.

    أم درمان
    25 ديسمبر 1984م
    2 ربيع الثاني 1405هـ
    الأخـــــوان الجمهوريون

  9. السلام عليكم ورحمه الله تعالي وبركاته ثم اما بعد
    نقول للجهات الامنيه جزاكم الله عنا خير الجزاء ولو وجتم طريقه لهدم هذا المركز فامضوا ولاتخافوا في الحق لومه لائم والله الاكبر من كل متكبر معكم واذكركم بقوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)

    والله من وراء القصد

  10. الاخ حبيب شكرآ لك على هذا النقل المفيد لكن لفت انتباهى مقولة محمود محمد طه ان الشريعة لا تندرج ضمن اصول القران بل تندرج ضمن الفروع.

    وحسب فهمى البسيط ان الاسلام مكون من ثلاثة اقسام اساسية هى العقيدة – فقه العبادات والأخلاق والمعاملات- الشريعة

    والشريعة فى حد ذاتها تنقسم الى اصول وفروع

    لذا اعتقد ان السنة والشريعة يمشيان بطريق متاوزى ولا يصلح احدهما دون الآخر

    ولا اعتقد ان هذه الامور تحتاج الى تفكير أو مفكر فى الاسلام لعمل اخراج لها حسب هواه

    والثابت فى اقوال العلماء ان الشريعة ينبغى التدرج فى تطبيقها . اذآ تطبق ثم يتدرج فى تطبيقها اما انكارها او تاخيرها فيدخل الشخص فى متاهة ويجعله متهم بترك اساس من اساسيات الاسلام والتى لا فيها جدال.

  11. هذا جزء من مقال كتبه الاستاذ محمود محمد طه عام 1978 في عهد الرئيس المخلوع والمقبور نميري بعد أن تحالف مع جماعة الاخوان المسلمين فيما عرف بالمصالحة الوطنية :
    ( من الأفضل للشعب أن يمر بتجربة حكم جماعة الأخوان المسلمين ، إذ لا شك أنها سوف تكون مفيدة للغاية فهي سوف تكشف لأبناء هذا البلد مدى زيف شعارات هذه الجماعة والتي سوف تسيطر على السودان سياسيا واقتصاديا ، ولو بالوسائل العسكرية ، وسوف يذيقون الشعب الأمرّين ، وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل وسوف تنتهي هذه الفتنة فيما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا ……. )

  12. للاستاذ محمود افكار جريئة فيما يخص الايات المكية والمدنية والاصول والفروع وشريعة القرن السابع وشريعة القرن العشرين ومكافحة للاستعمار وشجاعته ودفاعه المستميت عن المرأة وحقوقها وزهده وورعه وتواضعه وثقافته وعلمه الغزير الذي لا يشق له غبار . بس لدي سؤال شغل بالي طويلا ولم أجد له اجابة شافية هو : اقام الاستاذ محمود محمد طه محاضرة كبيرة بمدينة رفاعة امها جمع غفير من الناس من كل حدب وصوب وأذن مؤذن صلاة المغرب وقتها. فأنهي المحاضرة علي أن يواصل بعد الصلاة . فقامت كل هذه الجموع الغفيرة لأداء صلاة المغرب ولكنهم تفاجأوا بأن الأستاذ محمود محمد طه لن يؤمهم بل ولن يصلي معهم مما أدي لتساؤلهم أين الاستاذ ؟؟ لماذا لا يصلي بنا ويؤمنا ؟؟؟؟ فأجابهم المقربون منه بأنه لن يصلي معهم لأن له صلاة خاصة به تسمي صلاة ( الأصالة ) لا يصليها الا الانسان ( الأصيل ) الذى هو ( محمود محمد طه) مما جعل الدهشة ترتسم علي وجوه الجميع !!!!! فأرجو شاكرا ممن لديه معرفة بهذه الصلاة وفلسفتهاأو أي شيئ عنها أن يمدنا بها علي صفحات راكوبتنا الجميلة هذه وربنا يتجاوز عنا وعن سيئات الأستاذ محمود ان كان مسيئاوأن يحسن اليه والينا ان كان محسنا وكنا ويزيد في حسناته وحسناتنا .

  13. للتاريخ والحقيقة نقولها كان البيان شجاعا ومفيدا اذا استجاب له السلطان وزبانيته الذين هم الان يحكمون السودان بنفس الفهم فالى اين يريدون ان يذهبو بالسودان وقد اغتيل المفكر محمود لا بسبب افكاره بل لانه قال كلمة الحق في وجه سلطان جائر وللاسف هولاء القوم لايعرفون الاسلام بل يفهمون حب السلطة والتسلط وسرقة المال العام وانتهاك الحرمات هولاء بلاء نسال الله ان يقينا شرورهم فقد شوهو الدين ومزقو البلاد وفتقو النسيج الاجتماعى يا اهل السودان علاج مرض البلاد في اقتلاع هولاء المنافقين من البلاد مكانهم مزابل التاريخ ورسالة لشيخ الترابي هل نسيت انك اكبر المتامريين في اغتيال الشيخ وتذكر اننا لن ننسي انك سبب بلاء وتمزيق السودان فانت راس الحية التى يستوجب قطعها

  14. يا جماعة أنا عندي تعليق خارج النص بس ما تضحكوا !

    أعجبت بنظافة الدار من جوة وبرة..ما شاء الله, تشجير وسلة قمامة وبلاط لامع وملايات جديدة..يندر تلقى ليك مكان عام نضيف في بلدنا اليومين دي..واللا رايكم شنو ؟

    تحية واحترام للمسئول عن نظافة الدار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..