ماهية التحول الديمقراطى وكيفيته

الرأى اليوم

💎الأنظمة المتسلطة تأخذ عدد من الأشكال وفقاً للدراسات السياسية والإجتماعية منها الديكتاتورية العسكرية المباشرة ، وديكتاتورية النظام الشمولى ، وهى توليفة أقرب إلى التحالف بين نخبة عسكرية، ونخبة مدنية مستأجرة ، تشكل حزب شمولى قابض ، يسيطر على مؤسسات الدولة والفضاء المدنى ، ويقوم بعملية إقصاء منظم وتجريف ، لكل القوى التى يعتقد أنها تشكل خطر على منازعته للسلطة .
💎 ينتهى النظام الشمولى ، لحالة موت كامل للعملية السياسية ، و إنفجار المقاومة المدنية السلمية ، فى المركز والمدن ، والكفاح المسلح فى الأطراف يقود هذا المشهد إلى إرتكاب تجاوزات ،و إنتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان هى التى تزيد من تعقيد أزمة النظام الشمولى ، فالإعتقال والتعذيب ،والقتل خارج القضاء، تشكل وقائع مؤسفة ، لكن تصاعدها و إستمرارها ، هو العامل الأساسى ، فى تصاعد وتعقيد أزمة النظام الشمولى، لذلك الحفاظ على تعبئة السجون ودوران المقاصل ، هو جزء من العملية النضالية، التى تكسر الدائرة المغلقة للشمولية عبر التاريخ، لا مفر منها ، فالحرية نور ونار ، فمن أراد نورها عليه أن يصطلى بنارها ،وللشعب الخيار، ولكن طبيعة الاشياء لن تتغير ، لمن يتحدثون عن خوفهم من الدم والتعذيب .
💎شغل مفهوم التحول الديمقراطى المفكرين والباحثين ، خلال الثلاثة عقود الماضية ، وحيث عرفت بعقود الموجة الديمقراطية الثالثة ، التى قادت لتحسين أوضاع الديمقراطية ،وحقوق الإنسان فى معظم دول العالم ، فقد تواضع المفكرون ، على تعريف التحول الديمقراطى أنه ، حالة إنتقال من نظام ديكتاتورى تسلطى ، أو شبة ديكتاتورى (شمولى) ،إلى نظام ديمقراطى أوشبة ديمقراطي ، من خلال عملية سياسية، معقدة خلال مدة زمنية ليست بالقصيرة ،تقود الحكم فى الدولة ، للإختيار الحر ، والشفافية ،والمساءلة وحكم القانون ، وتقود المجتمع المدنى إلى الإزدهار والتطور ،وتوسيع المشاركة ، نتيجة هذا التوجة ، تحسين الوحدة الوطنية فى البلاد ، وإنهاء الحروب ، رفع مستوى حياة المواطنين ،مع تحقيق عدالة إجتماعية، ومساواة بين مكونات المجتمع المختلفة ، فقد لا حظ المفكرون فى العلوم السياسية من خلال الدراسات النظرية والتقييم العملى، للعديد من التجارب الإنسانية ، أن التحول الديمقراطى ، لايخرج عن أربعة صيغ متكررة، فى معظم التجارب العالمية ، خلال المائة عام المنصرمة وهى كالتالى .
💎التحول الديمقراطى من أعلى ، وهو التحول الذى ينتج عن الصراع داخل النظام الشمولى ، حيث تقوده مجموعة إصلاحية ، لدوافع متعددة ، منها الحفاظ على المكاسب ، وفتح أفق جديد للعملية السياسية، لمواجهة إنسداد وأزمة شاملة ، فى هذه الحالة، يقوم النظام بطرح برنامج للتحول الديمقراطى ويسعى لإستيعاب قوى المعارضة الفاعلة فى داخله ، مثل هذا النوع من التحول ،ينطوى على فرصة ومخاطر ، منها أمكانية أن يكون تحرك النظام نحو التحول الديمقراطى تكتيكى لتغيير الظروف ، ومن ثم الإلتفاف والعودة للشمولية ، وإحتكار السلطة ، الفرصة تكون إيجابية، إذا كان هناك توازن فى القوة، بين الحكم ومعارضته والمجتمع المدنى ، إذا كانت هذه القوى فاعلة بالمستوى المطلوب، يمكنها من تحويل مبادرة النظام ، إلى إنتقال وتحول نحو إستعادة الديمقراطية ،وبناء حكم لمصلحة الجماعة الوطنية، وهذه تمثلها معظم تجارب التحول الديمقراطى، فى دول أمريكا اللاتينية .
💎التحول الديمقراطى من أسفل ، وهو التحول الذى تقوده قوى المعارضة السياسية ، من خلال توسلها للحركة الجماهيرية ، ببرنامج فاعل، يفضح سياسات النظام ، ويطرح سياسات بديلة ، تلبى رغبة الجماهير ، وتقنعها بجدوى التغيير ، هذا النوع ، يقتضى جبهة وطنية عريضة متماسكة ، تكسب ثقة عامة المواطنين ، وتتبنى همومهم ، وتمثل آمالهم وتطالعاتهم للمستقبل هذه المعطيات، تحفز تنظيمات الشباب والطلاب والعاملين والموظفين ، وفقراء المدن، والتكوينات المدنية والفئوية فى المجتمع بهدف محدد ، تتقدمة نخبة سياسية منخرطة فى الكفاح وسط الجماهير ، تتعرف عليها وتكسب ثقتها ، هذه القوة تشكل الكتلة الحرجة ، التى تجعل إستمرار الحكم الشمولى مستحيلاً ،ممايقود إلى إنهيارات فى عصبيته ومكوناته الأساسية ، هذا التحول ينهى السلطة القائمة ،ويفتح الطريق لنظام إنتقالى، يتبنى شعارات الجماهير ويزيح النخبة الشمولية بالكامل ويحاكمها، والمثال لذلك تجربة السودان ،فى ثورة أكتوبر و أبريل .
💎التحول الديمقراطى بالقو الثورية ، يبدأ بكفاح مسلح، فى الأطراف الرخوة للبلاد، ويتعاظم بمساندة إقليمية ودولية ، ويواجة نخبة النظام العسكرية ويهزمها ، مما يؤدى إلى إنهيار النظام الشمولى ، وقيام نظام إنتقالى مكانه هذا النوع من التحول ، ليس بالضرورة، يفضى لتحول ديمقاطى كامل ،لأن القوة العسكرية المنتصرة ، ستشكل ميزان القوى فى لحظة التغيير بالضرورة ستفرض أجندتها ، وتسعى جاهدة لتشكيل ملامح التغيير، وفقاً لرؤاه فى أكثر التصورات تفاؤلاً ، وأكثرها تشائماً بداية دورة جديدة من الحرب الأهلية ، فى الصراع حول السلطة، مثال ذلك تجربة التحول الديمقراطى فى دولة يوغندا و أريتريا ، وأثيوبيا.
💎التحول الديمقراطى المتفاوض عليه ، فى مساومة بين النظام الشمولى الحاكم وقوى المعارضة ممثلة للنخبة السياسية فى البلاد ، يحدث هذا النوع من المساومة ، عند توازن القوى بين المعارضة والحكم ، وعند إمتلاك الرعب والرعب المضاد ،حيث يعجز النظام الشمولى ،عن مواجهة تحديات الحكم اليومية ، من طعام وملبس وأمان ، وتعليم وصحة ، وعندما تشعر نخبة النظام بالتهديد للحكم ، ولا تستبعد هبة جماهيرية تعصف بها ، عندها تفكر القوى الحاكمة ، بفهم (تلته ولا كتلته )، فتدخل فى مساومة مع النخبة السياسية ، من خلال تفاوض مباشر أو عبر وسيط ، يقود لتحسين شروط المنافسة السياسية ، و إستعادة الحريات، والحقوق المدنية والسياسية ، من خلال إصلاح دستورى وقانونى ، يقود لمرحلة إنتقالية ، وبرنامج إنتقالى متكامل للتحول الديمقراطى ، هذا النموذج حدث فى تجربة بنقلاديش وباكستان واليمن ، التحول الديمقراطى المتفاوض عليه هو أقل خيارات التحول كلفة ، وأكثرها أماناً للتحول لنظام ديمقراطى كامل ، لكن هذه النتيجة تعتمد على وجود حركة سياسية ،ومجتمع مدنى ، ذو كفاءة وحيوية للصراع الساياسي الذى يفضى للتغيير .
💎هذه هى الخيارات الإجمالية للتحول الديمقراطى من خلال تجارب الشعوب لكل تجربة خصوصياتها وملامحها المميزة ، ولكن تتفق فى العموميات ، فإن طرح التحول الديمقراطى ، عبر هذه الخيارات ، يواجة بتحديات كما أشرنا فى كل خيار ، وإشتراطات التى تحدد نسبة إحتمالات النجاح والفشل ، لكن المعضلة الرئيسية ، هى الجماهير نفسها ، عندما ترى قادتها فى منتصف الطريق للحلول الوسطى ، هناك المتطرفون والمزايدون ، الذين يشتتون تركيز الجماهير ، مما يقتضى لمن يتخذ أى من هذه الأساليب ،تكثيف التفاعل السياسي ،مع الجماهير ليضمن متابعتها و إقناعها ، مع العلم أن معركة الدستور وتطوير القوانين ، ليست من المعارك التى تثير الجماهير ، فهى معارك نخب بإمتياز، معارك الجماهير، هى المتعلقة بحياتهم اليومية ، فى الطعام والعلاج والتعليم والسلام والعدالة الإجتماعية ، لذلك فى إى منعرج لبداية إنفراج سياسي ، يمكن للمزايدون إختطاف الجماهير ، وكشف ظهر عملية النخبة السياسية للتحول الديمقراطى ، التى تبدأ بالإصلاحات القانونية والدستورية .
💎ختامة
الحلول الوسطى ، تشكل حلول لمعظم مشاكل التاريخ ، ولكن طبيعتها ،عدم قدرتها على تحقيق الإجماع حولها ، بين المتطرفين والإنتهازيين دعاة الإستسلام بإسم الواقعية السياسية ، تصبح المهمة عسيرة أمام الموضوعيين ،الحلول البرجماتية، تحتاج لمجهود سياسي مضاعف ،لشرحها وسط عامة المواطنين ، يعادل طاقة تحريك جبل للضفة الأخرى ، أمام تحديات عديدة ، موضوع إنتخابات 2020طرحه لايجب أهماله أو تخوينه ، على القوى الوطنية ، الجلوس والنظر فيه ،بعمق وعقل مفتوح ، مع الخيارات المتاحة الأخرى، هذه مساهمتى فيما أملك، لا أقول أنها الحقيقة أو اليقين، ولكنها مع التداول ، سيخرج لنا الخيار الأصح ، الذى يتناسب مع معطيات المرحلة وموازينها ، و ينير الطريق لشعبنا ، الذى يستحق نظام سياسي ، أفضل مما هو قائم الآن .
صلاح جلال

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..