الدولار والقرار .. مرة أخرى

كانت كل التعليقات على قرارات الدول العربية والاسلامية منفردة ومجتمعة على قرار ترامب ، انها مجرد كلام وان جاء هذه المرة أكثر قوة وحدة ، واننا فى انتظار الافعال التى ستجبر الولايات المتحدة واسرائيل على موقف آخر ! وقد لاحظت فى مقالاتى السابقة عن الموضوع، ان اختلافات اساسية قد حدثت فى المواقف ، بالدرجة التى اشعرت البلدين بالعزلة التامة ، ربما لأول مرة فى تاريخ القضية ، وهذا فى حد ذاته تطور كبير لابد من استغلاله لحل القضية من الجذور . وأذكر هنا دليلا على العزلة ، ماحدث فى الجمعية العمومية للامم المتحدة ، حيث تكلم المندوب الاسرائيلى وختم حديثه بدعوة الجميع للوقوف فى ذكرى اليهود الذين ماتوا فى الهولوكوست ، فوقف من وقف وأبى من أبى . غير ان مندوبة كوبا ردت على هذا ، بان هذا هو داب اسرائيل ان تستعطف الناس بمناسبة وبدون ، ثم انه ليس من حق احد غير رئيس الجلسة ان يطلب وقوف الاعضاء . ثم طلبت من الرئيس ان يدعو الاعضاء للوقوف لذكرى من مات من الفلسطينيين بيد اسرائيل ، فوقف الكل تقريبا مع تصفيق حاد استمر لمدة من الزمن !
ولكن تبقى الحقيقة فى السؤال الذى ينتظر الرد ، ثم ماذا بعد ؟
وللرد أورد أولا الحقائق البارزة التالية :
– الادلة لاتحصى لكل ذى عينين من ان الولايات المتحدة فى أضعف حالاتها ، وليس ادل على ذلك من وجود السيد ترامب فى البيت الابيض ، وهو الذى اصدر حتى الآن مايزيد على الالف تصريح كاذب ، على حد قول أحدى الصحفيات الامريكيات . هذا بالاضافة الى ماذكرناه فى عدة مقالات سابقة عن الضعف الاقتصادى بأدلة من أقوال أهلها .لذلك فليس انسب من هذا الوقت للضرب .
– ان بيد الدول العربية والاسلامية الكثيرمن الاوراق ? خصوصا فى الجانب الاقتصادى- مايمكن ان يكون مؤثرا جدا ، لو استخدم بطريقة مناسبة وفى الوقت المناسب .
– انه ، لكى تتمكن البلدان العربية والاسلامية من استخدام هذه الاوراق ، فلابد من تغييرات اساسية فى البنية السياسية لهذه البلدان , وهنا دور الشعوب . اما اذا استمر الوضع فى البلدان العربية على ماهو عليه من انظمة شمولية ، تجعل الامور بيد أفراد أو جماعات يقولون ما لايفعلون ، فلن تراوح هذه القضية وغيرها منطقة الشعارات والهتافات . ولتوضيح الصورة أكثر فى هذا الجانب الاساسى اليكم مثالين :
أولا : النموذج التركى :
فى اليوم الذى يعقد فيه مؤتمر القمة الاسلامية فى تركيا بدعوة من اردوغان ، يزور وفد اقتصادى تركى مكون من 120 عضوا دولة اسرائيل لبحث تطوير العلاقات بشكل استراتيجى ملخصه : رفع التبادل التجارى من حوالى 4 مليارات من الدولارات الى 10 مليار خلال الخمس سنوات القادمة . فهل تظنون ان تركيا اردوغان ستكون قادرة على لمس هذه العلاقات بأى شر ؟ ولعل افضل رد على هذا التساؤل ، هوماجاء على لسان السيد يؤاف غالنت ، عضو المجلس الوزارى الاسرائيلى المصغر ، تعليقا على تصريحات اردوغان النارية ،حيث قال :( لاشئ حقيقيا .. لأنه يخرج من حين الى آخر بتصريحات انطلاقا من مصالح .. لكن عندما يصل الامر الى حدود التطبيق العملى فان لتركيا مصالح أخرى ) !
ثانيا :النموذج الخليجى :
يقدر اقتصاديون مختلفون الاموال والاستثمارات العربية فى الخارج تقديرات متفاوتة، غير ان الارقام التالية ربما تعطى صورة تقريبية لما عليه حقيقة الامر :
تقول هذه الارقام ان الاموال العربية المودعة فى البنوك الامريكية تقدر بحوالى 700 مليار دولار وان الاستثمارات تبلغ حوالى 680 مليارا ، وهو مايساوى 12.8% من جملة الاموال العربية فى الخارج . بينما تبلغ نسبة الموجود فى اوروبا حوالى 34.8% . أما الرقم الصادم فهو الاستثمارات فى البلدان العربية والتى تقدر بحوالى 10 مليارات من الدولارات !
فهل من عاقل يظن ان الدول العربية ? الخليجية ? قادرة على أخذ موقف جاد وحاد حيال امريكا تحت هذه الظروف الضاغطة ، خصوصا بعدما حدث من تجميد ارصدة لايران والعراق والكونغو على طريقة الكاوبوى ! البلدان تتخذ مواقفها بناء على المصالح فى الاساس ، وليس أدل على ذلك من موقف بلدان مثل انجلترا والمانيا من الازمة الخليجية ، أفلا ترون ؟!
لهذا انتقل الى النقطة الهامة الثانية : وهى ضرورة التغيير السياسى فى البلدان العربية ، وهو أمر بدأت تستشعر ضرورته حتى بعض قيادات تلك البلدان ، كما يحدث الآن بالمملكة السعودية . لابد من نظام يسمع فيه صوت الشعوب ، ويكون فيه الحاكم هو القانون ، حتى تطمئن رؤوس الاموال للاستثمار دون خوف من الامراء أو اخوان الرئيس أو أجهزة الامن ذات قانون فوق القانون !
وبهذا فلا يظن أحد ان المعركة بسيطة أو قصيرة الامد . فليس من الممكن سحب الاموال بين عشية وضحاها ، ولا أحداث التغيير السياسى بين يوم وليلة ، ولكن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة ، واشعال شمعة خير من لعن الظلام ألف مرة !
هناك ايضا وفى المجال الاقتصادى أمر هام اشرت اليه بشكل عابر فى المقالات السابقة ، وهو ضرورة مساعدة السلطة الفلسطينية لتبقى قوية ، بل ولتنمو وتتطور ، وهو مافعله داعمو اسرائيل ولا يزالون يفعلون ، ومن فلوسنا ! خصوصا وان الولايات المتحدة واسرائيل قد بدأتا بالفعل ضغوطهما الاقتصادية على السلطة الفلسطينية ، بل وحتى على الامم المتحدة بعد ان دمغتها ممثلة امريكا بانها متحاملة ضد اسرائيل . بالامس طلبت الولايات المتحدة نخفيض ميزانية المنظمة بمقدار ربع مليار من الدولارات !
لدى مقترح بسيط وسهل التطبيق فى مجال دعم الدولة الفلسطينية ، بل ويشمل بقية الدول العربية ، خصوصا منها ذات الموارد الطبيعية غير المستغلة بسبب عدم توفر المال . المقترح هو انشاء مشروع يماثل مشروع مارشال ? تحت أى مسمى مناسب للموضوع، تساهم فيه الدول والافراد من العالمين العربى والاسلامى لتفيذ خطة تنموية يضعها الخبراء فى هذه البلدان .
وليطمئن كل من سيشارك فى تمويل الخطة ، فانها ، مثل مشروع مارشال ، لم تكن خطة عطاء لله ، فهذا ليس موجود فى عرف الرأسمالية ، ولكنها ذات عائدات كبيرة ، وليس اقتصادية فحسب . فمشروع مارشال كان هو مسمار جحا الذى جعل امريكا القطب العالمى الثانى ، ثم الاوحد ، ثم يعود الآن مع التدهور المشهود ، لتصبح واحدة من عدة اقطاب فى طرقها للغروب المحتم . فأليس من المهم ان يكون لنا دور هذه المرة فى هذا التشييع المهم ؟!
فمارايكم ، دام فضلكم ؟ مع رجائي الا تكون البداية بالاختلاف على تسمية المشروع !