معراج سيدي الرئيس:ضياع الفشقة4

اشرقت الشمس من ناحية (بلاشورا).. معلنة ميلاد يوم جديد.. الضباب القاتم يرخي سدوله على اراضي الفشقة المنكوبة.. قليل من رزاز المطر يداعب الارض الطينية المخمرة التى احتلها مستعمرات أرضة أبوكنداي العنيدة.. اشجار الكوك العملاقة وبعض شجيرات اللالوب والعرديب والسدر والجوغان تحيط بالمكان.. قرود ابو تكة وحدها التى تحوم على مبعدة من خليفة بعشوم داخل خندقه الذي كان في يوم ما قبل عقود ولت يحمي القائد الانقليزي ويلفريد ثيسيجر من غدر أعداءه الطليان.. يسمع لاذاعة الغبش كالعادة.. والتى بدورها تبث مقطوعة (الكابريشيو الأسباني) لنيكولاي كورساكوف.. تعلم خليفة بعشوم من حياة الجنقو الغابرة أبان عمله في اقليم التيقراي ان القناص الصابر هو من يكسب أخيرا.. وتعلم أيضا من رواية (لن أخون السهول) ان القناص يجب ان يحمى ظهره اولا قبل ان يحمى صدره..
رأي خليفة بعشوم أربعة أشخاص قادمون يشقون حقول الليمون الخاصة بالمزارع بيينة قبر قيدوم ..تذكر مقولتة للعمدة شيخ خريف الممثل السامي للسيد الرئيس في القلابات.. عندما قال له ذات يوم ممطر وعاصف وهما يسيران سويا أمام بار أرسوم علماية: أربعة يخربشون ويلحقون بالغ الضرر الفتاة العذراء والقطة الوديعة وشجر الليمون وقرارات السيد الرئيس الارتجالية أمام تجمع عام..
بعدما فجوا شجر الليمون حاول ان يتبين ملامحهم عرف أولهم درًجي ماركوس زوج قديست أدًيسو.. وثانيهم كان الراعى المختطف طرفة سعيد بالسديري المميز.. أما الثالث فعرفه حال قربه منه انه نوقوسي كمانت.. اما الرابع فلم يعرف البتة..
كانوا جميعهم عزل بدون سلاح كما قضى اتفاق أبو زعفة.. خرج خليفة بعشوم من خندقه ونحى سلاحه جانبا..
صاح نوقوسي كمانت بترحاب شديد باسطا زراعيه: أبًاتي قودينجا سلام نو..أي (صديق والد السلام عليكم )..
لم يرد عليه السلام..كان خليفة بعشوم متجهم الوجه ورسم على خدوده تجاعيد صارمة مثل جاكوب والتز المشهور بالرجل الهولندي..
واصل نوقوسي كمانت قائلا وهو يشير الى رابعهم: اعرفك بـ يوهانس مسفن..
قال خليفة بعشوم باستغراب: هذا الرجل الذي يفترض أن يأخذ بلدات شرق القلابات…
– نعم.. هذه الحقيقة ..
– اترك يوهانس مسفن الان.. ماذا تريد من بلادي..
– هذه بلادك هي لك.. لا احد يستطيع ان يمسها بسوء.. حذرت جميع رجالي من مغبة الاساءة اليك.. وطالبتهم بتلبية اي مساعدة تطلبها في الحال.. باختصار ارضك هي لك لا احد يستطيع ان ينتزعها منك..
– انا لا اصدق ما يقوله الشفتة..
– خليفة بعشوم انا لست شفتاوي.. لقد علمتني ثلاثة قواعد في هجوم خور براميل القاعدة الثالثة تقول انني ان صرت شفتاوي سأموت فطيسة.. لقد تركت أي عمل خارج نطاق القانون فأنا لا أريد أن أموت فطيسة..أريد ان تكون لحياتي قيمة وأثر..
هجوم خور براميل وقف عنده نوقوسي كمانت كثيرا.. لم يكن حدثا عاديا.. ان يفر شفتاوي يحمل السلاح أمام رجل اعزل.. حتى الفحامي عبد الكريم نيانق كان يراقب المشهد عن كثب من تايته (كوخه) المبللة بالمطر.. غيًر الصورة التي رسمها في مخيلته عن شجاعة وبسالة قاطعى الطريق..
– أتريد ان تخدعني بمثل هذا الكلام المعسول..
– خليفة بعشوم يجب ان تثق بي ..انظر حولك هؤلاء الذين يحمول البنادق والمدافع هم رجالي.. لو انني اريد بك سوء لكنت انهيت امرك عند ابو زعفة.. عندما سلمك درجي ماركوس السلاح كان حولك اكثر من عشرة من رجالي رغما عن ذلك شددت عليهم الاوامر الا يطلقوا عليك النار مهما كانت الظروف والمبررات.. أليس كذلك يا درًجي؟ ..
أجاب درًجي بنبرة احترام: فعلا يا (أبًاتي خليفة).. عندما سلمتك السلاح والنقود وغفلت راجعا الى دياري اُلقى علي القبض من قبل رجال نوقوسي كمانت كانوا كثر لم اُحصهم.. لكننا سويا أنا وأنت لم نعرهما انتباها..
قال نوقوسي كومانت وهو يستنشق النسمات المعفرة بالندى: القلابات والمتمه ليستا بهما اسرار كل معلومة مطوية مُملكة للكافة.. كل الاسرار تنفجر من براكين (مومسات جنقرة).. ثم تختلط مع سحب المامتوس الغاضبة ليراها الكافة .. كل تحركاتك كانت عندي.. انا الان لست شفتاويا قاطع طريق كما تعتقد..
– اذا لم تكن شفتاويا فماذا تكون..
– انا الان زعيم قومية الكمانت.. كما تعلم نحن الكمانت مضطهدون في الحبشة ذاتها ليس لدينا اراض أو بلدات.. لا تعليم ولا صحة ولا سلطة لذا ثرنا ضد حكومة الحبشة نفسها.. أنني اقود شعبي لما هو أفضل لهم.. انني مثل (جومو كنياتا) للكينيين..
– لماذا تاخذ بلدات ليست بلداتك .. مادام انت رجل ثائر..
– البلدات جميعها لله.. هذه الاراضي ان لم اخذها أنا فيساخذها غيري من الاحباش.. لقد كنت انت صادقا عندما وصفت الاحباش بانهم مثل الرجال البيض يريدون انتزاع اراضي الغبش الذين شبهتهم انت بالهنود الحمر.. فانا أولي بهذه الارض من غيري.. ألم يكن والدي نقا كومانت يصادق الغبش.. ألم أعش أنا واترعرع في بلاد الغبش.. أليس هذا الواقع يعطيني الاولوية والافضلية دون غيري..
ثم اردف نوقوسي كومانت بعدما افرغ في قليلا من (الماج) في جوفه: لقد علمتني في هجوم خور براميل ثلاثة قواعد لن أنساها مطلقا.. وفقا للقاعدة الثانية ان احترم أصدقاء والدي.. مع كل احترامي لك.. ماذا حدث للهندي تتانكا لوتاك الذي شبهت نفسك به.. ماذا حدث لأرضه التي اُنتزعتْ منه عنوة.. رغم مقاومته العنيفة والمشرفة.. (أبًاتي) خليقة بعشوم بلادك كانت ايضا ستنتزع وان ياخذها غيري.. لقد ادرك الاحباش ان رئيسكم يريد ان تظل الحدود الشرقية هادئة دون صخب أو ضجيج.. فهو لا يريد للمعارضة المسلحة ان تجد لها موطيء قدم في الفشقة لتقلق مضجعه..
وقدم لنا تنازلات كبيرة في سبيل ارضاءنا .. كانت هذه اشارة خضراء بان نأخذ ما نشاء من الاراضي.. فلا تلمنى أنا.. بل لم السيد الرئيس الذي منحنا الاشارة الخضراء.. أنا لم اخذ هذه الأراضي عنوة وقسرا.. انما منحني لها السيد الرئيس من اجل الحفاظ على كرسي الرئاسة.. هذا هو العقد غير المكتوب الذي تم بيننا نحن الاحباش وبين السيد الرئيس..
– أتعني ان السيد الرئيس لو كان حازما معكم لما تجرأتكم وغزوتم اراضينا وبلداتنا..
– بالطبع (أبًاتي) لما تجرأنا واخذنا شبرا من أراضي الفشقة.. حولنا نحن الاحباش عدة دول لماذا لم نغزو اراضيها .. هل اراضي الغبش دون سواها بها سُكر وتلك الاراضي ليست بها سُكر..
ظل نوقوسي كمانت يرمق عبد الكريم نيانق المتعثر الخطى وهو يشق حقول الليمون الخاصة بالمزارع بيينة قبر قيدوم ثم واصل حديثه قائلا: الاراضي التى بها السُكر هي الاراضي التى بها رؤوساء مستعدون لبيعها مقابل جلوسهم على سدة الحكم.. هى الاراضي التى تجلب امثالنا من الاصقاع لاخذها بقوة السلاح ..
كان الراديو الذي تركه خليفة بعشوم داخل خندق القائد الانقليزي ويلفريد ثيسيجر لا يزال يعمل.. جلبت ريحا خفيفة تصريحا للسيد الرئيس وهو يخاطب الفلاحين البسطاء ويطالبهم بزراعة الشطة فقط دون سواها من المحاصيل.. وذلك من اجل أن يذوق الشعب المنكود والمغلوب على أمره طعم (الحارة).. كأن السيد الرئيس لا يعلم ان (الحارة) التي أذاقها للشعب خلال عقود من حكمه غير كافية..
[email][email protected][/email]