بعيدا عن سودانير

عجبت ايما عجب حين قرأت عن شكوي وزيرة التربيه والتعليم العالي والتي صارحت بها الحضور في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الدراسات العليا التاسع بجامعة النيلين بخصوص سرقة طلبة الجامعات للبحوث العلمية من الانترنت وأماكن اخري. اكثر ماجعلني متعجبا ان تلك الشكوي لم يقدمها احد غيرها اذ انه من الطبيعي ان تقدم شكوي كهذه الي المجلس الوطني بواسطه جهه اخري ثم تستدعي الوزيرة للإجابة عليها.
عادة ماتمر السرقه في البحوث العلمية بدون مساءله في ثلاثه حالات. اذا لم يكن المشرف من الذين يشتمون رائحتها وترتجف أصابعهم عند اكتشافها، اوعندما يريد سيادته غض الطرف عنها تنفيذا لاوامر من جهة عليا. ثالثا، قد يصعب اكتشافها اذا كان المشرف (مسطحا) بخصوص المراجع المستعملة في موضوع البحث اوفي مكان تواجدها بالدوريات اوالمواضيع او الكتب او الجرائد والمجلات وغيرها، فهل كل المشرفيين علي البحوث في جامعاتنا الان لديهم الخبرات المتراكمة والتي من خلالها يمكن تحديد إن كانت هنالك سرقة ام لا؟ غير متناسين ان هنالك بعض البحوث قد يتعدي عدد كلماتها الأربعين الف كلمه. إذن فجرم السرقه يقع علي عاتق المشرف قبل الطالب.
الوزيره مخطئه في شكواها للمؤتمر من هذه الظاهره لكونها السبب الاساسي وراءها وذلك لعلمها التام ان معظم المشرفين علي البحوث في الجامعات غير مؤهلين. ودونكم الخطاب الذي تم تداوله اخيرا في مواقع التواصل الاجتماعي والذي تمت طباعته في مكتبها وممهورا باسمها كدليل قاطع لتعيين احد منسوبي المؤتمر الوطني كأستاذ جامعي دون ان يكون حائزا علي المؤهلات المطلوبه لتلك الوظيفه.
الإشراف علي البحوث ياساده يحتاج الي اساتذه اكفاء لديهم حصيلة معرفيه لاحدود لها في مجال تخصصهم بصفه عامه وفِي المواضيع التي سيشرفون عليها بصفه خاصة. مثلا اذا افترضنا ان موضوع البحث هو (القاعدة المعرفية لاستعمال تقنية المعلومات في تدريس اللغة الانجليزية)، فلابد للاستاذ المشرف ان يكون ملما بالمواضيع الذي كتبت عن (اللغة الانجليزية) و(تقنية المعلومات) معا حتي لا تفوت عليه معلومة ادرجها الطالب غير صحيحه او بلامصدر. ويجب عليه ان يتفهم ايضا ان موضوع هذا البحث هو (القاعدة المعرفية) وليس تقنية المعلومات او اللغة الانجليزية. كما لا بد له ان يكون علي المام تام بمادة البحث العلمي لانها القاعدة التي يستند عليها في تقيمه لأي بحث.
مخطئ من يظن ان اخطاء البحوث العلميه تكمن في عدم إعطاء اصحاب الاقتباسات حقوقهم وحسب، فهذه الجزئية لوحدها لا تعتبر كافيه في تقييم البحث. إذ يرتكز تقييم البحث وصحته علي طريقة كتابة الأفكار وتدوينها علميا من حيث كتابة المراجع داخل النص او في الخاتمة وتسمي هذه الجزئية بال Documentation وتحتاج لتدقيق مخبري من المشرف حتي يتثني له ضمان صحة كتابة الاقتباسات والمراجع والمحافظة علي حقوق اصحابها علي ان يتم ذلك دون الإغفال عن الشكل العام بأدق تفاصيله المتمثله في النقاط والشولات وفتح الأقواس وغيرهما.
شكوي السيدة الوزيرة من سرقه الطلاب للبحوث فتح الباب علي مصراعيه لبعض الاسئله الصعبه. ماذا تقصد سيادتها بالسرقة هل كانت تقصد سرقة البحوث (بضبانتها) ام عدم الاحتفاظ بالحق العلمي لاصحاب الاقتباسات المختارة في بعض الاجزاء؟ وهل اكتشفت هذه المعلومة بنفسها ام عبر تقارير وردت اليها من الجامعات؟ وإذا صح ذلك، هل اكتشاف الجامعات لهذا الجرم الأكاديمي تم بواسطة الأساتذة ام ان بعض الطلبه قاموا طواعية بالوشاية بزملائهم وأساتذتهم؟ وأخيرا، منذ متي بدأت هذه السرقات؟ ويهمنا جدا معرفة الإجابة علي السؤال الأخير حتي نوثق للوقت الذي توقف فيه إنتاجنا البحثي الحقيقي في جامعاتنا.
علي أية حال، نحن في أزمة اكاديميه حقيقية لسبب بسيط وموضوعي وهو ان لصوص البحوث في الماضي هم من يشرفون عليها الان.