أزمة السودانيين في الخارج

خلف الستار

للأسف أصبح ما يُفرق السودانيين هو أكثر مما يجمعهم في أي بقعة في الأرض!لأن هنالك الكثير والمثير من الدوافع في الداخل جعلت نبرة التفرقة أكبر من الإجماع،رغم كثرة الشعارات المحفوظة التي ترفع مرارا ولا تجدي نفعا!مثل قوتنا في وحدتنا،الوحدة في إطار التنوع،أكتر شعب طيب أخو أخوان وهلما!وحقيقةً أن تلك الشعارات مليئة بالعديد من المعاني في جوهرها،إلا أنها أفرغت من مضامينها وأصبحت جوفاء في الواقع السوداني،وفي تقديري يرجع الأمر لطبيعة المناخ المحاصر بالأنظمة الإستبدادية ومحمولاتها السالبة،الأحزاب الطائفية التي تستثمر في العاطفة الدينية وتتسلق عبره،الأئمة السفلة ابواغ السلطان والمشايخ الضلاليين تجار الدين،المنظومات الأيدولوجية التي تتبني أيدولوجيا الأصالة العرقية،الحركات السياسية غير المتحررة القابعة في حصون الجامعات و الأحراش،والمناهج التعليمية الداجنة التي تسببت في سرطنة العقول!
الجدير بالذكر أن التغذية الممنهجه بالسموم تتلف الأجسام وتُفسد العقول!فطالما رافد العلم الأساسي الذي يُشكل الإنسان ويُعيد إنتاجة في حقل المعرفة والوعي،أصبحا ملوثا بصورة كُلية إذن ناتج الملوثات لا يُمكن أن يكون صالحا!ما لم يتم إيقاف مصادر التغذية العكرة ومعالجتها جذريا.
ومن خلال تلك المؤشرات بعد فحصها جيدا نجد مخلفات وترسبات عديدة رسخت في المجتمع وأصبحت ثقافة سائدة بصورة عادية!متمثلة في الإنقسامات،التكتلات،العنصره،التصنيف وإدمان التفرقة!وعندما نُحدق مليئا في الأمر نجد للحكومة نصيبها الأكبر في إستيراد تلك الفيروسات،وتعزيز إنتشارها في المجتمعات السودانية عبر حُلفائها المُبطنين من القوي الناعمة والخفية،الي أن بلغت العدوي أقصي درجاتها وإنعكست ذروتها في الحالة المرضية المزمنه المستفحلة في النسيج السوداني.
فمن تأثيرات الناتج أعلاه ثقافة كره الوطن من الشعب،والأسئلة المتكررة {هو الوطن ده قدم لينا شنو عشان نحبوا!؟والله الواحد بحلم بفرصة طلوع بلا عودة!و…}وهذة الوضعية المأزومة انتجت الإنفتاح المريع نحو الهجرة والمهاجر،وكلما تصبح وتُمسي تري بأم عينيك زمرة من شباب الوطن حاملين حقائبهم علي ظهورهم،رأفعين أكفهم مودعيين وملوحين يابلادي سلاااام باي باي خلاااص،في غمرة إحساسٍ مليء بالفرحة وممزوج بالقهقهات رغم غزارة دموع الأمهات والأخوات.
وعلي تلك الشاكلة تُهاجر العقول المُسلحة بالخبرات التي يحتاجها الوطن،وتحط أولي رحالها في أرض الخليج،فيحدث الإصابة بالدهشة من الإمكانيات المهولة في التقدم والتطور والبني التحتية،وتارة أخري بصقعة إحتزازية في الجلد ومكامن الجسد{كاروشه} عند الإستقبال من قبل العُربان البدو بكلمة{فضل ياعبيد حياك الله}فالصدمة تصبح كبيرة وثقيلة علي صفوة عُربان الحزام النيلي في السودان المنحدرين من قريش!فينتفضون كثيرا ويحاولون تبرير ذاتهم علي أن السودان بلد متعدد الإثنيات،ونحن قبائل الوسط والشمال طبعا فيقاطعه الخليجي{ما تقولي ياعبيد عيش شمال وجنوب كل السودانيين سوادين هه،يكرم خاطرك تفضل}والصدمة التانية ترادف المجتمعات الأروبية والإمريكية في إستمارة الألوان عندما يؤشر السوداني في موقع العرب مستحيا من هويته الإفريقية!فسرعان ما يندهشون ويلتفتون يمنة ويُسري ماهذا هل أنت عربي؟فيتفاجأؤن عُربان السودان المستعربين عندما يشير إليهم الموظف بإعادة التأشير في موقع الزنوج،فيفعلون مكرهون وعندما يخرجون يتعللون بعبارة {والله الخواجي ده قاصدنا عديل}في محاولة سخيفة لجبر الخاطر والعودة للنسب النبيل!وهنا يكمن أزمة الهُوية السودانية.
فقطعا يختلف بيئة عُربان الخليج التي تستهلك الكوادر العلمية وتستنفذ قدراتها في مجالات شتي أغلبها لا تضيف جديدا للمغترب السوداني،رغم تأقلمه جبرا وتكيُفه إضطرارا مع الذُل والهوان بسبب المعايش الجبارة!ولكن البلدان الإمريكية والأروبية تختلف من حيث نظرتها للإنسان القادم من العالم الثالث،فيضعون دوما أمامه فُرص النجاح عبر بوابة التعليم في شتي المناحي للمهاجرين واللاجئين مجانا،ويأكدون أن التطور والتكنولوجيا التي جذبتكم عبر مغامرات الصحاري الحارقة،والبحار القاتلة لم يأتي إلا بالعلم والتعلم!ولكن السودانيين لايُبالون وأغلبهم لا يسلكون دروب المعرفة،بل يمضون نحو أهواءهم الذاتية الموروثة وهي ممارسة أي نوع من الأعمال لجني المال،والصعود مباشرة لقفص الزواج لتحقيق المتعة وهزم سيكلوجية الكبت،فالكثيرون ينجحون في نيل مأربهم البسيطة التي لا تتجاوز أساسيات الحياة،ولكنهم يكتشفون فجأة كالعادة حالة التورط الكبيرة التي لا يُمكن الإنفكاك منها،وهي ساعات العمل الطويلة،غياب العطلات،التحول لألات ميكانيكية دائمة،الإبتعاد عن الأسرة،ضعف الإدخار،وإدمان النوم ومن غلبته الحيلة يعود راكعا لمربع الإنتكاس مدمنا للعطالة المُهلكة،ومعتمدا في قوته علي الإعانات التي تقدمها الدولة.بالإضافة الي الأزمة الكُبري التي سوف تستفحل في مُقبل الأيام،وتتفجر برأكينها التي تتصارع في جوف كل بيت الأن!وهي تكمن في تربية الأبناء من قبل الدولة وفقا لمنهج محدد وإستراتجية ثابتة تعزز إنتمائهم،ثقافتهم وحسهم الوطني لبلدهم الجديد.فبوابة الصراعات الداخلية سوف تُفتح بمصراعيها إزاء هذا الإنتاج الجديد،لأن السوداني يريد أن يري إبنه نسخة كربونية من شخصيته دون أن يُعطره ويبذل أي جهد لذلك،وعندما يكتشف العكس ويري أبنائه يخضعون فقط لسلطة القانون التي لا تستثني أحد تدب النقاشات ويحدث إنشطار وإنحلال في الأسرة،وحينها يعود لمعاتبة نفسه ونلعن الغربة مُستندا علي وصية حبوبته،القائلة:{يا وليداتي الغربة ما فوقا خير بتحوشك من أهلك وناسك وبضيعكم وبضيع وليداتكم}وإثر هذا الوضع المزري قد يحمل البعض ما تبقي في أدراجه ومطلقا ساقية للريح ملبيا نداء حبوبته بعد فوات الأوان.
وتؤكد التجارب أن الذين لا يملكون خياراتهم الخاصة،أي حق التصرف في الوقت لتحقيق التوازن الذاتي،يُعانون الكثير من الضيق النفسي،الضجر والإرهاق الدائم لذا لايحسنون التعامل مع طبيعة الأشياء الجميلة،فالبعض يصبح متشائما علي الدوام والبعض الأخر يتجمد ذهنيا وجسديا ويتحولون لكائنات مُدمنة الخمول!يفتقدون إحساس التوافق الداخلي الطوعي ويكاد لا يتفقون البته في أمرٍ يصب في مصلحتهم العامه!وهذا يتجسد في طبيعة تكوينهم للأجسام الصغيرة ذات الإنتماءات الضيقة التي لا تتجاوز إطار القبيلة والمنطقة،فالسؤال الذي يطرح نفسة ما المخزي من التخندق وراء القبائل؟وأنتم موجودين في بلدان مُعافية لا يعرف أحدكم إسما لقبيلة وإن مكث عشرات السنين!
فحركة المجتمعات البشرية وصيرورتها في عملية التطور تبدأ من الأسرة،العشيرة،القبيلة،المنطقه،الولاية،الإقليم،ثم الدولة التي تُشكل الوجدان الوطني والهوية المشتركة،عبر مزيج التنوع الزاخر من الأمم التي تقطنها،وهي تنصهر وتتشكل في قوالب مختلفة بمحمولاتها الثقافية منتجة الحضارة،وفي ذات الوقت تظل جميع المكونات محتفظة بخصوصيتها الخاصة،في إطارها المحدد وتجد دعما كاملاً ورعاية من الدولة التي تُعلي شأن الثراء في التنوع.
إذن المنطلق أعلاه ينسب أي فرد خارج وطنه لوطنه فقط،ويُعرف السودانيون بهويتهم الوطنية فقط لبقية الشعوب من باب القياس،والقاسم المشتركة الذي يحتويهم جميعا هو الجالية السودانية فقط.أما الروابط مثل جبال النوبة،دارفور،كردفان،النيل الأزرق،جبل مرة ،أبناء النوبة،الزغاوة،الفور،المساليت،البجه و…الخ ليست لها ضرورة في إعادة إستنساخاها مرة أخري في أروبا وأمريكا،خصوصا أن الغالبية العظمي من المهاجرين من أبناء المناطق المهمشة،وطالما نفس ظروف المعاناة المشتركة في السودان جمعت كل المهمشين في بيئات أخري جديدة،يجب أن لا يتم نقل الحالة المرضية الداخلية للخارج،فالسؤال هنا كيف يتم محاربة حكومة التمييز والتفرقة العنصرية في الخرطوم؟طالما الشعب السوداني في الخارج يُطبق سياسات النظام علي نفسة!فما الدافع وراء التكتلات والتقوقع في خنادق القبلية؟وماذا يُجني من التقسيمات العرقية والمناطقية!ولماذا تقمسنا وتصنفنا السياسة طالما جميعنا معارضون؟هل نكذب علي أنفسنا ونتباهي بأننا نحارب النظام وأبواغه،وندعي المثالية والثورية ونحن لا نستطيع التخلص من الفيروسات السامة التي حقنوها في أجسادنا وعقولنا!متي نخرج من غيبوبة التخدير والتبنج الكُلي؟ونعيد النظر بعينٍ فاحصة لتصرفاتنا وسلوكياتنا التي تفتقر للعلمية،أوليس من باب أولي تحطيم كل الأغلال والقيود الذي وضعها النظام بصورة محكمة لتدمير الشعب؟هل تعتقدون أن صناعة العشرات من الأحزاب الكرتونية والحركات البالونية تستعطف ود المجتمع الدولي!؟ألا تدرون أن القوي الدولية كلها تضحك متكيفة من القدرة الخارقه لحكومة الكيزان السفلة في سيطرتها علي الشعب سنينا عددا؟فحالة التناغم بين الحكومة والمجتمع الدولي لم يأتي إلا بخواء خانة المعارضة والشعب،وتظل صراعات المصالح تتقاطع مع من هو أقوي بغض النظر عن منهجه وممارساته القمعية!
في تقديري الخاص إن الحقيقة المره الأليمة التي يرفضها الكثيرين،هي إدمان الفشل المستمر من المعارضة والشعب!وإن لم يكن كذلك لم تُعمر الحكومة ربع قرنا من الزمان،وتدخل للربع الثاني متجه لليوبيل الذهبي في الحكم بذات السياسات القديمة،إذن إن لم يكن هنالك صحوة حقيقية من الشعب مع نفسه نقدا بناءاً بتجرد،ترميماً وإصلاحا،وتجاوزا للتعاطف الأعمي مع الذات والمعارضة النفعية،لن يتغير الحال وسنظل أضحكوكة متجددة للشعوب عبر أفعالنا وسلوكياتنا التي تجاوزها العالم والتاريخ،ومساخر الحكومة السودانية المنبطحه التي تهدر قيمة وطننا الحبيب بجلب العار والعهر السياسي لن تفارقنا علي الإطلاق طالما باقين في سدة الحكم!فالصبر علي الحال العوج ما بيبقي حل وحقا تحرسوا ولا بجي،وإن لم نفسح لعزمنا مبتغاه ونضهد أباطيل الطغاة كي نقول مانشاء ونكون مانقول فعلا علي محيط الواقع السوداني أينما كنا،فالنار مجمرة الغضب والجمرة بتحرق الواطيها.

صالح مهاجر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. التخندق فى حفرة القبيلة ..
    نوع من الهروب والإنهزام النفسي..
    بل الاحباط الصارخ..
    وكابوس الوهم وهم العرق النقى ..
    والوجاهة وتضخم الذات ورفع عارضة الشخصنة
    وواقع يلفحنا بالحقائق ما لنا إلا الانفصام والكسل والتسكع وادمان الصعوط او التطرف والكجور والدجل والسرقة والهنبتة ..
    وتبنى الحق الإلاهى ويوم القيامة يقول له يا عمر كل تمام ويا الاصول العربية العباس راجوكم فى باب الجنة تعرضوا والبقية ؟؟؟
    اصحوا يا وهم الدنيا طارت ..
    والمصيبة والصدمة بعد ان قام الشباب عبر التواصل والشبكة الاخطبوطية امام الحقيقة المجردة اننا كنا فى وهم الاجداد وشلوخ الافارقة ماركة مسجلة لذلك الهروووووب باى ثمن او الموت بشتى اشكالة فى الصحراء او عرض البحر او الانتحار..او الادمان ؟؟؟ظ
    هذا ينطبق تماما مفهوم بعض قبائل نساءها يسترن الوجهه ولكن لن تتورع عند قضاء حاجتها ان تبدو عورتها لان عورتها غير معرفة لشخص معين ..
    هكذا طالما ان مستور تحت غطاء القبيلة لا يضير ..محدودية الطموح مختزلة فى اطار الاسرة والقبيلة..
    اغتالوا الوطن الشامخ..
    كما قالوا اهلنا فى الشرق هل يتلم ويختلط الدم بالدم..
    الله يعلم ..
    ولكن مثل كل حركة التاريخ والتغيرات نتيجة الحروب والازمات وهنا ازمتنا كبيرة((الهوية))والوطنية ضاعت كما ضاع دماء الشهداء بين ايادى كلاب الحراسة..
    سوف يحل محل السودانيين اشتات من دول شتى خليط سوريين وحبش وغرب افريقيا وما يسمى بالمهمشيين الذين نحن الغالبية فى مجتمع جديد تمحوا ملامحه ويظهر خلق جديد ويكون السودان الاول والثانى تاريخ فسودان بجينات اجتماعية غريبة..
    الله يستر ..وقتها حتى من صنعوا هذا المعادلة ستصيبه اولا ..وكل هذا خوفا من المحاكمة يباع الوطن ما هو الفرق من حرق اسماعيل باشا وهرب وترك العقب نكل بهم ..الاجدى يركز ويفدى القبيلة..وبرضو يمجد…حتى التاريخ منحاز وعنصرى…متى نعترف متى نواجهه الحقائق؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..