اسباب الاحباط الذي اصاب الشارع الجنوبي!

يكاد المرء يجزم ان تطلعات الشعب الجنوبي لم تعد كبيرة حول ما يسمي بـ(احياء اتفاقية تسوية النزاع الجنوبي) اقصد الاتفاقية التي يتم ترميمها هذه الأيام بين فرقاء الحركة الشعبية بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا، او على الأقل لم تعد هي نفس التطلعات التي استقبل بها الشعب اتفاقية اغسطس ٢٠١٥، ومن ابرز الاسباب التى ادت الى هذا البرود والاحباط.

١- معرفة الشعب بحقيقة المتفاوضين، فان الذي يجمعهم في طاولة التفاوض هو كيفية تقسيم (كعكة السطلة) التي كانت اساس الخلاف فيما بينهم، مع العلم ان العملية التفاوضية هذه المرة شملت حركات جديدة لم تكن موجودة في المفاوضات السابقة التى انحصرت تقريباً بين ثلاثة اجنحة رئيسية للحركة الشعبية، وهي الحركة الشعبية جناح الحكومة، والحركة الشعبية جناح المعارضة المسلحة التي يقودها ريك مشار، وجناح المعتقلين السابقين بقيادة بقان اموم، وتضاف اليها حالياً اجنحة جديدة نذكر منها على سبيل المثال (أ) الجناح الذي يعرف بجبهة الخلاص الوطني، بقيادة الجنرال توماس سريلو، (ب) الحركة الديمقراطية الوطنية ويقودها الدكتور لام اكول، (ج) الحركة الشعبية جناح النائب الاول لرئيس الجمهورية، (د) توجد بعض حركات مجهولة المصير حتى هذه اللحظة، هل هي مشاركة في العملية التفاوضية ام ستظل خارجها، ومن بينها حركة ابن السلطان عبدالباقي ايي التى تنشط في الحدود الشمالي الغربي للبلاد وتتخذ اراضي دولة السودان المجاورة مقراً لها، بالاضافة الى حركات المناطق الغربية لبحر الغزال وتحديداً في ولايتي (واو ولول) وهي حركات رغم انها شبه مجهولة القيادة، الا انها تقاتل الحكومة في ارض الواقع، وبغض النظر عن مشاركتها من عدمها، الا ان العدد المعلن عنه يكفي لتعقيد عملية الاحياء اكثر، فليس بوسع وسطاء الايغاد والمشرفون على العملية التفاوضية ايجاد مناصب سلطوية تحوي تلك الاجنحة والحركات مجتمعة، وان حدثت، فهذا سيودي الي ترهل وظيفي غير مفيد داخل الحكومة الوطنية المرتقبة في بلد يعيش اسوأ ضائقته الاقتصادية غير المسبوقة، وحتما ستعجز الحكومة من الايفاء بالتزاماتها المالية تجاه جيش جرار من الموظفين والدستوريين الذين اوجدتهم عملية احياء الاتفاقية.

٢- من المرجح ان يؤودي تلويح المجتمع الدولي بسيف العقوبات على المتفاوضين في حال تماطلهم في ابرام الاتفاقية الي ذات النسخة السابقة من الاتفاقية التي تعثر تنفيزها، فلقد اثبتت سياسة “السيف المسلط على الرقاب”، فشلها منتصف ٢٠١٦م في جلب سلام دائم وآمن للفرقاء الجنوبيين، ولا يوجد شيء يشير الى ان المجتمع الدولى قد اتعظ واخذ العبرة من التجربة السابقة، فلا يزال سياسة سيف العقوبات هو النهج المتبع عند الايغاد ومن خلفه دول الترويكا والولايات المتحدة الامريكية. فما الذي يمنع استمرار مسلسل الاتفاقيات المتعثرة والتى يعاد ترميمها الى اجل غير مسمى في جنوب السودان طالما هذه الاتفاقيات تُفرض فرضاً على غير رغبة فرقاء السلطة؟

5ـ انعدام الثقة بين اطراف الصراع يظل واحداً من العقبات التى لا يجب تجاهلها في هذه المعادلة العسيرة، فالثقة غير متوفرة حتي وسط اجنحة حركات المعارضة المسلحة، ناهيك بينها وبين الحكومة، فالحروب الجانبية الدموية التى تخوضها هذه الاجنحة فيما بينها خير دليل على ما اقول. ومن المؤكد ان وسطاء الايغاد سيجدوا صعوبة بالغة في التوفيق بين هذه الحركات قبل التطرق لشانها مع الحكومة، والأخيرة نفسها لها ما يكفي من مشكلات داخلية ومن الصعب جدا التكهن بما يدور تحت الرماد.

٤- احياء اتفاقية التسوية نفسه رغم اهميته للشعب الجنوبي، الا ان نجاحه – هذا اذا افترضنا زوال كل العقبات وتم تنفيزه بسلاسة ويسر (وهذا مستبعد)، سيقف في حدود (وقف الحرب) فقط، ولكنه لن يوقف الأزمة الاقتصادية الطاحنة والضائقة المعيشية التى يشكو منها المواطن الجنوبي، والمعلوم عن الازمة الاقتصادية في البلاد انها افرزت شبكات اجرامية متخصصة في ترصد المواطن في حله وترحاله والايقاع به في اتون المصائب، وهي شبكات تمتهن القتل والنهب والسرقة كوسيلة لجني المال، ويضاف الي ذلك صراع عشائري مميت يعيشها بعض ولايات البلاد، وقد عجزت السلطات للحد من وقوع هذه الاحداث رغم الجهود المبذولة نسبة لقدراتها المتواضعة التى انهكتها الحرب العبثية، والخلاصة هي ان الموت والمعاناة ستظل باقية سواء مع السلام او دونه.

٥- تضارب المصالح الاقليمية والدولية في أزمة البلاد هو الآخر سيقف حجر عثرة وعجينة عكننة في اي عملية سياسية لتسوية النزاع الجنوبي، وربما سيؤدي (لا قدر الله) بالعملية السياسية برمتها الي منحنى آخر غير مرغوب فيه، لان البلاد في الواقع اصبحت ساحة لتصفية حسابات الخصوم الدوليين والاقليميين، فضلاً من ان اغلب اطراف الصراع لها جهات خارجية تستقوى بها.

كل ما سلف الذكر وغيره يفسر هذا الشعور الفاتر لدى الكثيرين وخيبة أملهم في عملية التسوية السياسية المنعقدة في اديس ابابا، ورغم ذلك يظل السلام خياراً واحداً لا بديل له وان طال الزمن، فلابد للجنوبيين ان يتفقوا.

ألقاكم.

سايمون دينق
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..