الحركة الاسلامية وعصارة الكذب المهين

السودان … محنة العقل والفعل ( 3 )

أنشأ حسن البنا حركة الاخوان المسلمين في مصر في 1928 م وعمل جاهداُ على نشر دعوته فوصلت السودان عبر الطلاب والتجار السودانيين القادمين من مصر وبذلك تعددت مسارات الوصول ولم يتم التنسيق الكافي لتوحيد جهود هؤلاء النفر لأنشاء فرع الاخوان بالسودان . في العام 1948 بعث حسن البنا برسالة الى علي طالب الله عينه كمراقب عام للإخوان في السودان . في 1949 نشأت حركة تسمي نفسها حركة التحرير الاسلامي حيث انها جاءت كرد فعل على نشاط الشيوعيين وحتى الاسم كان مستوحى من الشيوعيين ومن هنا بدأت خيوط المنافسة بين الاسلاميين والشيوعيين . بدأت حركة التحرير الاسلامية كحركة مستقلة عن الاخوان ولكن سريعا ما تقاربت مع حركة الاخوان المسلمين ذات الترسانة الفكرية الاقوى فتم التأثير عليها واحتوائها ليتم تسميتها رسميا باسم حركة الاخوان المسلمين في اغسطس 1954 وبالطبع كانت تحت تأثير الحركة الام في مصر من الناحية الفكرية على الاقل .
تقوم عقيدة الاخوان المسلمين على أن الاسلام دين و دولة , الاسلام صالح لكل زمان ومكان , تحقيق الخلافة الاسلامية بان يصبح المسلمون تحت امرة خليفة يعيد مجد الخلافة ( وحدة الأمة ) وحسن البنا يعتبر نفسه المؤهل لقيادة الأمة الاسلامية ولذلك عمل على توصيل حركته الى كل المسلمين . ينطلق البنا من فكر شمولي ويعتبر أن الاحزاب ( شر من الشرور ) . القيادة عند الإخوان نخبوية فحسن البنا يعتقد أن الاسلام لم يطلب اخذ رايي كل الافراد ولكن اكتفى بأهل الحل والعقد ولذلك يغيب العضو في ( الاسرة ) و( الشعبة ) عن المشاركة في صنع القرار وتم تأطير ذلك بسياج عقدي قوي ( من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ) …( من رأى في أميره شيئا يكرهه فليصبر , فأنه من فارق الجماعة شبرا , فمات , فميتته جاهلية ) . كما أن العضو الجديد عليه أن يقسم بالولاء والطاعة .
التحولات الفكرية لإخوان السودان
عندما لمع نجم الترابي في 1964 وتولى قيادة التنظيم حاول جاهدا الانعتاق من الانتماء الفكري والتنظيمي للجماعة الام في مصر وبدأ الخطوات العملية في التخلي عن نهج التربية و اختيار الاعضاء وفقا لمعايير مشددة بالإضافة الى دعوته للعمل في جبهات عريضة فكون جبهة الميثاق كتحالف بين الاخوان والسلفيين والمتصوفة ( التيجانية ) ومن بعدها تسمى تنظيم الاخوان بأسماء متعددة ومتضاربة احيانا .. جبهة الميثاق , الاتجاه الاسلامي , الجبهة القومية الاسلامية , المؤتمر الوطني .
فكرة العمل في جبهات عريضة ذات اذرع شبابية ونسائية وطلابية أتاح للحركة التمدد والوصول لقطاعات مختلفة عبر شروط ميسرة للعضوية لا تشركه في اتخاذ القرار ولكن تدفعه بالعاطفة الاسلامية ليصبح شخصاَ يحمل جينات الولاء والطاعة . كما نلاحظ الارتباط المفرط للحركة باسم الترابي وبمرور الوقت تحول الى قائد مقدس يأمر فيطاع فتم اختزال الحركة ( الحزب ) في شخص الترابي وصارت أقواله وأفعاله هي برنامج الحزب وبذلك صار العضو مقلد وعاطل عن التجديد وعليه الدوران في فلك القائد المقدس لان عدم طاعته تؤدي الى التهلكة وبذلك تم تعطيل العقل .
في رايي أن الترابي قرر الانعتاق من قيد حركة الاخوان المسلمين الام ( تنظيميا ) لأسباب ذاتية وهي طموحاته الشخصية في القيادة والانفراد بها حيث أن الانتماء التنظيمي للإخوان في مصر يترتب عليه الخضوع الكامل , بالإضافة ان ذلك سيجعله في الصفوف الاخيرة في قيادة التنظيم الدولي للإخوان لان بحكم اللائحة تتكون قيادة تنظيم الاخوان الدولي من ثلاثة عشر عضوا , ثمانية منهم يجب أن يكونوا مصريين حيث يقيم المرشد .
أصبح الترابي هو القائد صاحب القداسة المطلقة والمصدر الوحيد للمعرفة والذي عمل بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة للوصول الى السلطة ونستطيع القول أن الترابي يؤدي و يطوي الصفحات والادوار بانتهازية وعقلية لا تعرف حدوداَ للأخلاق والخصومة ووسيلته في ذلك تكوين تنظيم متهافت فكريا ومترهل تنظيميا يسهل التحكم فيه بقدرات خاصة يفترض أنه يمتلكها . كما نلاحظ أن معظم مساعديه ونوابه والذين يختارهم بنفسه لا يبقون في المنصب لمدة طويلة عدى علي عثمان . كما أن ( الحركة الاسلامية ) لا تؤمن بالتعددية والحوار وأرست قواعد مؤلمة في أدب الخلاف حيث انها تمتلك اعلام بدون معايير أخلاقية وتحالفات مع المسلمين وغير المسلمين وذلك من أجل تحقيق الغاية لتي سعى اليها الترابي منذ 1965 وهي توسيع الحركة للوصول الى السلطة والتي تمت في 1989 وهذه الخطوة أدخلت فكر الترابي في امتحان عسير تطاولت فيه الأبنية التنظيمية التي كانت تحت السيطرة وصار لها السطوة الناتجة عن الترهل التنظيمي والضيق الفكري بالإضافة الى توسع قاعدة أفكار سيد قطب و الخميني داخل الحركة الاسلامية فتغلب التيار المتشدد المتأثر بتجربة ايران و أفكار قطب .
الحركة الاسلامية عدو للديمقراطية وحقوق الانسان , تفتقر للتجديد حيث انحصرت ادبيات الحركة في اقوال وافعال الترابي فصار عندهم مجدد وهو في الحقيقة مقلد ويعيد أنتاج القضايا الخلافية في التاريخ الاسلامي مثل حديث الذبابة , امامة المرأة للصلاة , زواج المسلمة من غير المسلم … كما نلاحظ أن الترابي لم يكن يؤمن بالمذاهب الاسلامية السنية ورغما عن ذلك اخترق الوسط السني وتحالف من الطريقة التيجانية في جبهة الميثاق وبعدها توسعت الحركة الاسلامية داخل المتصوفة حيث استخدمها في مواجهة الخصوم , كما ان الحركة تضم تيارات متناقضة .ومن أكبر السلبيات عدم تطور الكادر النوعي وكان دور الكادر هو نقد الخصوم . قامت الحركة الاسلامية بتفعيل جانب السلوك العدواني للعضو ليصبح مهموما بالخصم اكثر من تطوير نفسه وتنظيمه أما من حاول التفكير خارج صندوق الترابي فكان مصيره الاقصاء رمياَ بالجهل والجنون.. .
استغلت الحركة الاسلامية في السودان العاطفة الدينية التي يتسم بها المجتمع و التدين البسيط والسطحي احيانا وتعاملت مع هؤلاء الناس كالقطار الذي يحتاج الى سائق واحد وعدد من المساعدين ومجموعة من ( الكمسونجية ) يقومون بفرض الانضباط وتحقيق الجبايات الفكرية والتنظيمية وكل من يخالف الاوامر يحول الى ( عربة نقل ) توضع عليها الاحمال حتى تتغير شكلا ومعناَ .
نواصل
الحلقة القادمة عن الحزب الشيوعي السوداني
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. والمقولة لولا الاخوان المسلمين لكان الجميع اخوانا
    جماعة الدين غطاء للوصول للسلطة والتمكين للوصول للمال وهو فهم الصهيونية العالمية جماعة لا مبادئ ولا اخلاق فاادوغان تركيا يعبث بالعقول الخاوية ببعض الشعارات باليد وهو حليف للصهاينة والصليبييين ويحكم بالعلمانية انه النفاق

  2. والمقولة لولا الاخوان المسلمين لكان الجميع اخوانا
    جماعة الدين غطاء للوصول للسلطة والتمكين للوصول للمال وهو فهم الصهيونية العالمية جماعة لا مبادئ ولا اخلاق فاادوغان تركيا يعبث بالعقول الخاوية ببعض الشعارات باليد وهو حليف للصهاينة والصليبييين ويحكم بالعلمانية انه النفاق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..