الشجن الاليم ..!

اثنان وستون عاما من تاريخ الانعتاق من قبضة المستعمر مرت على الدولة السودانية وهى لازالت مثقلة بالهموم والانتكاسات واهنة الارادة “هشة” البنية تتشاكس رموزها ومكوناتها السياسية والفكرية والاجتماعية فيما بينها على رقعة من السلطة .
كانت هذه الفترة المنقضية من عمر الانعتاق السياسي كفيلة بان تعيد بلادنا الى المربعات الاولى فوثيقة الحكم مثلا باتت ورقة ممزقة ربما فشلت معها كل محاولات الرتق “والترقيع” من المؤتمرات والمبادرات “والائتلافات” التي تعقد ثم تنفض دون ان ترسي على مرفأ هادي وآمن , اما القضية الاقتصادية التي تبدو وكانها الاكثر تعقيدا فهى لازالت عصية على المعالجات منذ ذلك التاريخ لان النخبة السياسية التي ورثت الحكم الانجليزي انشغلت بنزاعاتها وخصوماتها السياسية واهملت القضية الاقتصادية ولهذا ظلت هذه المعضلة تتوارثها الاجيال السياسية جيلا بعد جيل والى يومنا هذا مما يشي الى ان هذا الاستقلال لم يكن كامل الارادة وهذا ما جعل القضية الاقتصادية مكبلة في قيودها القديمة .
صحيح ان الانعتاق السياسي والاداري من دولة المستعمر يفتح المسارات امام الحركة الوطنية واداراتها الحاكمة في ان ترسم خرطها السياسية في سبيل الوصول الى الصيغة المثلى والمرضية لكافة المكونات السودانية , لكن وكما ذكرنا ان هذا الانعتاق لم يخاطب جذور الازمة الاقتصادية ولم يخرجه كذلك من مكبلاته وقيوده الخارجية وبالتالي لم يتجاوز الاقتصاد السوداني “واقعه” كونه اقتصادا لا يلبي سوى قضية معاش الناس ولذا لا تحكمه استراتيجيات او رؤي فكرية فظل هكذا كسيحا رغم الانعتاق السياسي منذ اكثر من ست عقود من الزمان , بل ظلت انظمتنا السياسية والعسكرية تتباري في “مسارح” السلطة وتدخل الدولة السودانية في متاهات الحلقة الجهنمية عبر عمليات تغيير قسري ما بين عسكر ونخبة سياسية ورجال فكر وعقائديين .
كانت حصيلة جهدنا في ادارة الشان الاقتصادي ديونا خارجية تثقل خزينة الدولة باكثر من 47 مليار من الدورالات فظلت هذه الديون بمثابة “صكوك” دولية تشهر في وجهنا وتعترض طريقنا كل ما حاولنا رفع هامتنا امام الاخرين ,فانعكس ذلك فقرا وتراجعا كبيرا وفي معدلات معاش الناس , وحتى قطاعاتنا الانتاجية ربما فشلنا تماما في زيادة معدلاتها او تحقيق اي قيمة اضافية علىها عبر صناعات تحويلية , ولهذا تفلح الدولة في ايقاف مسلسل الانهيارات في مشاريعنا ومصانعنا الانتاجية ولكننا وبكل اسى ننظر لكل هذه المصانع والمشاريع وهى تتساقط وتتوقف ويصبح قطاعا كبيرا منها كما الهياكل او الجثث المتناثرة في العراء , ولهذا فان الاستقلال الذي يجب ان نحتفي به ونرفع له “القبعات” هو الاستقلال الذي يحيل احزاننا ومواجعنا القديمة الى فرح ووعد وبشرى ويبعث الروح من جديد في كل هذه الجثث المتناثرة !.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..