حزب الأمة والمأزق الثلاثي (المأزق الأول: الهوية)

تناولي للأحزاب السودانية بالنقد يهدف إلى حثها على الارتقاء بممارستها السياسية ليرتقي الوطن بإرتقاء أحزابه، ولقناعتي بأن دور المواطن يحتم عليه تنبيه الأحزاب إلى الخطوات الواجب عليها اتخاذها لتجسير الهوة بين ما تدعو إليه (برامجها ومنطلقاتها الفكرية) وبين المواطن، طالما أن برامج هذه الاحزاب تكتب بإسم المواطن وتوجه إليه بالإساس – وهذا نهج فعال ومثمر كتغذية العكسية لفائدة الأحزاب ? فالمواطن يوجه الأحزاب بنقده لبرامجها واطروحاتها فتتحسس مواطن الزلل وتصحح اخطائها وبالتالي تتطور وتنال ثقة المواطنيين خاصة في ظل حالة انعدام الثقة الحالية بين معظم الجماهير وكافة الأحزاب ? بإستثناء الواهمون وذوي الحاجات – كما أنني أمارس حقي في الإطمئنان إلى مكنونات هذه الاحزاب ونواياها تجاهي كمواطن أو تجاهنا كشعب ، فالوطن ما عاد يحتمل وجود احزاب تنادي بالديمقراطية جهاراً وتخطط للانقلاب عليها خلف الأبواب المؤصدة، أو تنادي بإسقاط النظام وتسعى في الظلام لترثه أو ترتزق من العمالة له، ومنهجي في ذلك يقوم على تسليط الضوء على مواطن الغموض في اطروحات الاحزاب وكشف التعارض بين مواقفها من ناحية ومنطلقاتها وبرامجها من ناحية اخرى ومطالبتها بالشفافية والوضوح، بل أدعو كافة أعضاء الأحزاب والمثقفين وكل الكتاب لكشف ومعالجة مواطن الخلل في بنية أحزابهم لتقوم بدورها المنوط بها لزاماً ، فكيف نحلم باستعادة الديمقراطية من هذا النظام الدكتاتوري بينما احزابنا السياسية بلا استثناء تحمل جينات الدكتاتورية وتخطط لها في الخفاء ؟ كيف نثق في دعوة الأحزاب للديمقراطية هي لم تسقط من برامجها بذور الدكتاتورية ولم تنتقدها؟
في هذه الحلقة سأتناول ثلاثة قضايا بالغة الأهمية في تقديري وتمثل مأزقاً تاريخياً يجب على حزب الأمه تداركه لتجسير الثقة بينه وبيني كمواطن وهي قضايا الهوية، الإسلام والديمقراطية.
حزب الأمة ومنذ نشأته سنه 1945 قام بتعريف الهوية السودانية على أنها هوية عربية خالصة ، استنادا إلى أن اللغة العربية هي اللغة الرئيسية في السودان، فإنتماؤنا للسان العربي حدد هويتنا في نظر برنامج حزب الأمة ، اما إفريقيتنا فهي (فقط ) بسبب التاريخ والجغرافيا ، فالسوداني تبعا لذلك اصبح – كما تقول النكتة – (لبناني مظلل)، وهذه النظرة في تقديري متهافتة على العرب ولا تليق بنا كسودانيين كصحاب حضارة تميزنا بها عن اخوتنا العرب والافارقة ، ولا تحل مشكلاتنا بل تزيدها تعقيداً ، فاللغة العربية لا تكفي وحدها لحسم هويتنا خاصة وأنها ليست اللغة الأم لعدد كبير إن لم يكن معظم اهل السودان، فجيناتنا الافريقية المميزة تزخر فخورة بتنوعنا وتمددنا في الملامح والصفات الافريقية ، من لهجات ولغات وسحنات سوداء وسمرا و صفرا ، والشعر (القرقدي) الخشن والناعم والأنف المستقيمة قصبته والأفطس وغيرها من صفاتنا التي تؤكد أننا مزيج (سوداني) فريد من الناس ينتمي لبعضه البعض ولسودانيته التي هي خلاصة العناصر الأفرو ? عرب ? نوبية حيث تعايشت كل تلك اللغات والصفات والاوصاف والسحنات في سلام تام ، فجعلت الهوية السودانية مزيجاً لا يذوب في مكوناته بل يأخذ منها جميعاً ويؤلف هوية سودانية خالصة، متسقة مع المكان والزمان ، فلسنا عرباً ألقي بنا في وسط افريقيا، كما أننا لسنا أفارقة اكتسبوا لغة العرب وبعض سحنتهم، فنحن كل هذا وذاك دون استبعاد لبقية الاصول العرقية التي انجبتنا. فحزب الأمة مطالب بمراجعة موقفه من الهوية بجدية شديدة ليخرج من نمط الإستعلاء العروبي الذي لا يلقي علينا إلا بظلال شريرة.
إن الحرب التي اججت الجبهة الاسلامية سعيرها قبل فصل الجنوب انطلقت من استعلاء الهوية الاسلاموعربية ضد الزنجي غير المسلم ، وللأمانة فأنا لم أرى حتى الأن أي خطوط جوهرية فاصلة بين تعريف الجبهة الاسلامية للهوية وتعريف حزب الأمة فكلاهما اعتمد على نفس الوصف العربي الاسلامي ذو الخصوصية في المكان ، فشنت الجبهة الاسلامية حربها المقدسة على العنصر غير العربي من منصة الهوية وما زالت تمارس حرب الابادة القائمة على الاستعلاء العرقي، بل ما زاد الأمر سوءاً انهم ? أي الجبهجية ? واعداد مقدرة من المتعالين استنادا على عرقهم – وهم كثر – يرون في إنفصال الجنوب الحبيب فرصة (طيبة) ليصبح السودان مطابقاً لأوهامهم العرقية وهذا الرأي أكثر أيلاماً للنفس وللضمير وأشد تنكيلا بالدين، فأي بشر هؤلاء وعلى ماذا يستندون ؟ ألم يقرأوا قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) صدق الله العظيم ، فالتقوى هي المعيار وليست العروبة، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، وأحسبهم يتجاهلون بل لا يحبون قول الله تعالى (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) صدق الله العظيم ، فالسودان لن يكون يوماً عربياً خالصا مهما إدعوا وستظل الدماء السودانية مزيجاً يعلو على استعلائهم ويكذب إدعاءاتهم وأهامهم المريضة.
إنني أريد أن اطمئن إلى أن حزب الأمة لا يحمل (جينات) هذا التعالي العرقي والديني لئلا يتورط أبناؤه (العرب) في قتال اخوانهم السودانيين إن استلم حزب الأمة السلطة، وأرى انه قد آن الأوان لحزب الأمة ، نخبته المثقفة ، قيادته وقواعده التعامل مع ادبياتهم بصدق ووضوح وحسم لتجنيب السودان مزيداً من الشتات والفرقة وأن يبطلوا مفعول هذه القنبلة الموقوتة التي وضعوها في برنامج هذا الحزب الكبير ليكون أكثر صدقا وموضوعية في تعريف الواقع بدلا عن ذلك التعريف المضلل للهوية السودانية المحفز للعداء مع الذات ومع الآخر.
في الحلقة القادمة سأكتب عن المأزق الديني والمأزق الديمقراطي إن قدر لنا أن نعود
التحية لك معتصم على الطرح المميز والعلمي باعتبارك مثقف مهموم بالوعي. .الهوية مأزق كبير يدخلنا في ورطة أخلاقية عظيمة. .ننتظر اسهاماتك
هو عليك الله لو ما نحن حقيقة مرضي نفسيين بالعروبة، ال مهدي(الدناقلة) النوبيين دخلهم شنو بالعروبة!
و عليكم الله من متي كانت العروبة مفخر؟
التحية لك معتصم على الطرح المميز والعلمي باعتبارك مثقف مهموم بالوعي. .الهوية مأزق كبير يدخلنا في ورطة أخلاقية عظيمة. .ننتظر اسهاماتك
هو عليك الله لو ما نحن حقيقة مرضي نفسيين بالعروبة، ال مهدي(الدناقلة) النوبيين دخلهم شنو بالعروبة!
و عليكم الله من متي كانت العروبة مفخر؟