إيه الدبارة وما العمل..؟!!

أخشى أن تظن الحكومة وطاقمها الاقتصادي حين يطالعون الكم الهائل من النكات والقفشات والمقاطع الساخرة من انعدام الخبز والدقيق ومضاعفة أسعاره، تظن أنها قد وفرت بفشلها بيئة ملهمة للخيال الشعبي ليطلق عنانه ويحلق عاليا في سماوات الإبداع قبل أن يهبط بهذا المنتوج الغزير من النكات والرسائل التي هي في الواقع (ترقص حروفها مذبوحة من الألم).
ما نراه من ردود الفعل الرسمية والاستجابة الضعيفة المتكاسلة لنداءات الأزمة وسبل المعالجة يجعلنا نشك فعلا في أن بعض الوزراء والمسؤولين شعروا بأنهم ربما أسعدوا الشعب السوداني بهذه الموازنة (المهببة) وطالما أن المواطن يتبادل النكات والمقاطع الساخرة فإن ذلك يعد مؤشرا على امتصاصه الصدمة وتحمله وتجاوزه لمرحلة (العيشة بجنيه)..!!
هذا غير صحيح وغير صحيح أيضا أن تفاعلات الناس مع أزمة الخبز هي تفاعلات ذات غرض سياسي أو تقودها قوى المعارضة لأن الشارع السوداني يعرف تماما أن قوى المعارضة هذه أضعف وافشل من طاقم الحكومة الاقتصادي نفسه.
القضية ليست قضية موقف سياسي للمواطن بل هو موقف عملي وموضوعي يبحث عن إجابة عملية لكيف يحصل المواطن على سلع ضرورية لحياته لأكله وشربه؟.. هذه ليست خاضعة لموازانات ولا تحليلات ولا أبعاد خارجية للأزمة كما يظن من يعتقدون بأن ضعف التحرك الحكومي لمعالجة الموقف الاقتصادي ناتج عن امتلاك الحكومة لمخارج آمنة من الضغط الداخلي عبر التصعيد الذي يحدث الآن مثلا في ملف العلاقات مع مصر فيقول البعض إن هذه القضايا الخارجية تفتعلها الحكومة السودانية لتخفيف الضغط الداخلي.
وهذا كلام ساذج لأن إرادة التأزيم المصري للعلاقات مع السودان لا تخطئها عين متابع أو مشاهد لما يصدر من جانب مصر من هجوم إعلامي وسياسي على السودان وهذا موضوع آخر وطويل لكن لا علاقة له بدور الحكومة في توفير الخبز وضروريات المواطن الاستهلاكية وضبط فوضى السوق.
هو فشل متكرر وعجز متجدد عن توظيف إمكانات البلد وقدراته.. من وضعوا موازنة 2018 بخيال فقير وخيارات مؤلمة عليهم تقديم إجابة واضحة: كيف سيكون بإمكان المواطن وفقا لإمكاناته ودخله المحدود أن يعيش؟، أي: ما هو تصورهم حول خيارات المواطن وتدبيره للحصول على لقمة العيش وعلى خبز الحياة دعك عن قناعات المواطنين ومواقفهم وولائهم السياسي أو غيره لأن تلك قضايا أخرى.
من وضعوا موازنة 2018، بانصياع تام لإملاءات صندوق النقد الدولي هل كانوا يريدون تحقيق انتصارات صورية خارجية للاقتصاد السوداني على حساب المواطن في موازنة عقيمة بدأت فصولها الأولى بعواصف وأعاصير لا يتحملها عود بلادنا الاقتصادي الواهن؟.
هناك دول في أوضاع افضل بكثير من السودان وموجودة في منظومة الاقتصاد الدولي لكنها لا تقبل في الكثير من الأحيان إملاءات صندوق النقد الدولي بالكامل ولا تنصاع لأوامره كما تريد حكومتنا أن تفعل وهي أقل الدول المستفيدة من صندوق النقد الدولي برغم عضوية السودان المبكرة في هذا الصندوق لكن حاجز الديون القديمة ظل يحرم السودان من الاستفادة من مميزات عضويته في صندوق النقد الدولي باستثناء المشورات الفنية.
وليست تلك المشورات والتوصيات الفنية لصندوق النقد ملزمة لنا أو واجبة التنفيذ لو كانت تترتب عليها نتائج وخيمة كالتي بدأت تدهم المواطن مباشرة بعد إجازة هذه الموازنة الكارثية.
مطلوب المراجعة للموازنة والتراجع أيضا ومطلوب التصحيح.. ومطلوب المزيد من تقليص الإنفاق الحكومي.. مطلوب الاستغناء عن كل ما هو غير ضروري من بنود الإنفاق.. مطلوب الكثير من الواقعية في التعامل مع الظروف الحالية ومعالجتها.. مطلوب إعلان حالة طوارئ حاسمة غير ظالمة في الأسواق..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.

اليوم التالى

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..