يا زول أقيف القصة ما قصة رغيف!

خلف الستار
بلغ سعر العيشة جنيها كاملاً منذ عدة سنين في دارفور والجارتين تشاد وجنوب السودان،ولم تندلع فيهم أي ثورة للجياع رغم الزيادات الدائمة والمستمرة،فدول الجوار لها إستقلاليتها وسيادتها وربما زيادة أسعار الخبز فيها طبيعية لحد ما،لأنها تستورد الدقيق من السودان ويخضع للإجراءات الجمركية وتبعاتها،أما دارفور هي أرض سودانية وهي أقرب للخرطوم من بورتسودان فلماذا نجد فيها الأسعار دائما مضاعفة ومتساوية لدول الجوار دون بقية ولايات البلاد.؟
عقب الزيادات الأخيرة إندلعت مظاهرات متفرقة في بعض المدن السودانية،بقيادة الطلاب وسقط منهم الزبير ابراهيم شهيدا في مدينة الجنينة،وظل الشارع السوداني برمته ساكنا عدا الدعوة التي أطلقها المؤتمر السوداني لقواعده بالنزول للشوارع علي لسان أمينه العام،ومن خلال رصد الحراك الثوري السلمي في الشارع السوداني،نجد المؤتمر السوداني هو الحزب الوحيد الذي يقف في خندق الشعب بصورة فعلية وميدانية،وينتهي به المطاف بالإعتقالات المنظمة لقياداته الحزبية والطلابية إزاء تربص جهاز الأمن بهم،ويبقي الشعب في خانة المتفرج مع أحزاب الفرجه.
هنالك سؤال يطرح نفسه بقوة لماذا يبقي الطلاب هم القوي الوحيدة التي يُنتظر منهم إشعال الثورة؟أوا لم يكن هذا الأمر غريبا في إنتاج ثورة سودانية تُحدث تغييرا جذريا في الواقع!أوليست هنالك أجسام لها رؤية عميقة وفهم أكبر في الفعل الثوري؟أم أن القوي السياسية السودانية أدمنت الفشل وثقافة الإنتحازية؟لماذا تصف أحزاب البيانات مقاومة النظام وإقتلاعه بالإنتحار السياسي!
في تقديري مظاهرات الطلاب ضد إرتفاع أسعار الخبز لن تُحدث ثورة الجِياع المنتظرة؟ولن تحقق امال الأحزاب التي تحلم بالتغيير من منامها؟وكذلك لن تُجسر الطريق للكفاح المسلح الذي أعياهه النضال!وأيضا لن تشفي خليل القوي الشبابية الثورية والحزبية التي تدغدغ الشارع!فالذي يمارسه الطلبه لا يتعدي سوي إحساسهم بالضيق من إنعدام الخبز في وجبة الفطور،لأن الأباء لا يضيفون مليما واحدا لقروش الفطور المخصصه لهم رغم التقشف والغلاء،ومتي ما عادت الأمور لنصابها عادوا الي أدراجهم،علي شاكلة حلم الجيعان عيش! ومتي ما تطورت مسيراتهم عن نطاقها المحدود وسقط شهداء،تم زجرهم من الأسر وأعادوهم جبرا الي للمنازل، لذا لا يمكن زج الإحتجاجات المطلبية المحدودة في خانة الثورة والرهان عليها كطريق لتغيير نظام متمترس الجذور.
والملاحظ أن إندافع بعض الأحزاب مثل المؤتمر السوداني،لقيادة مسيرات مطالب دون خطط إستراتيجية محكمه بالتنسيق مع القوي الحية،لا يُجدي نفعا بل يُفضي به لإستهلاك كوادره وإرهاقهم بالمعتقلات،لأن النظام يجد فرصته الشهية في إستخدام قمعه وكل سطوته مع الحزب الواحد،والأخرون يؤيدون النظام سرا بممارسة الصمت والتواطؤ المصلحي!كما أن بعض أحزاب المعارضة تستمتع بقمع حرك المؤتمر السوداني لأنه ظل يزعج راحة المعارضة بعمله في الشارع،إذن حالة الهيجان المُفرطه مع الشعب المستسلم والمعارضة الكسيحة دون تمعن يُعد مراهقة ثورية ليس إلا.
وطالما فقد الشعب السوداني القاسم المشترك الأصيل،وهو رابط الدم والأرض وحل محلهما رابط المصلحة والقبيلة لن تأتي الثورة!فالقضايا في السودان باتت مختلفة والمهمشين في دارفور،جبال النوبه،النيل الأزرق والشرق يبحثون عن حق الحياة أي كيف يكونوا باقيين علي قيد الحياة،في ظل نظامٍ متغطرس يضربهم بأشد قسوه بقنابل الدبابات والطائرات!وبالطبع أؤلئك لايضعون إرتفاع اسعار الخبز وإنخفاضه في حساباتهم،وفي أغلب الأحوال لايعتمدونه بصورة رئيسية في الغذاء لذا لا يكترسون!لانهم يعلمون تماما ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!
فأولويات سُكان المناطق المذكورة أنفاً تختلف تماما عن مَنْ يصرخون من أجل الخبز!وكيف لا وقد بلغ سعر الخبز عندهم جنيها منذ سنين كُثر!إذن أشكال المعاناة نفسها مختلفة ومتفاوتة داخل الوطن الواحد،والقاسم المشترك بين الشعب الواحد أصبح شبه معدوم!بدليل من يدعون للخروج لمظاهرات رفضا للزيادات،لم يخرجوا يوما واحد حاملين شعارات ترفض جرائم الإغتصاب،التعذيب،التهجير القسري،القتل والإبادة الجماعية التي تمارسها الحكومة مرارا وتكرارا في هوامش السودان.
إذن الشعب الذي أدمن القهر والفشل معا وأصبح همومه محصورة في لقمة العيش،أداء الشعائر الدينية وإدمان عشق الكورة يحتاج لمجهودات جبارة لإعادة إنتاج روح الحياة فية،لأن ماكنات النظام ظلت تعمل ليل نهار في حصر الناس في ثلاثية الأشياء أعلاه،وعندما تحدث أي تغيرات سياسية سالبه تسبب التململ،يتم السيطرة عليها بواسطة تشغيل ماكينة الدين التي يقودها علماء السلطان،فيصيحون ويهتفون مبررين كل المشاكل ناتجه بسبب الإبتعاد عن الدين،والحل الوحيد هو التضرع لله لرفع البلاء،ونحن في نعمة نُحسد عليها ولانريد لشعبنا الإنحدار لمتاهات الربيع العربي وقد رأيتم أين وصلت تلك الدول!ويمضون هكذا في ممارسة غيهم وطغيانهم علي الدين قبل الشعب،والمثير للحزن دائما هو إستجابة الكثيرين لتلك التُرهات،والذين لم يستجيبوا يُخدرون وفي كثير من الأحوال يُفلح النظام في إستغلال العاطفة الدينية الجياشة للشعب،لتمرير أجندته وإخراص الأفواه الصارخه!
فطالما هنالك أليات مُعده مُسبقا من قبل النظام في التعامل مع أي ثورات تندلع لإجهاض الحكم،بالإضافة الي حرصه الشديد في تحديث وتعزيز ألياته كل مره لمجابهة الطواريء،وتلك اللغة هي التي أطالت في عمره،يجب دراسة كل تلك المعطيات وتفكيكها قبل اشعال جذوة الثورة،وإن لم تحذو القوي الحية التي تريد التغيير نحو تقييم الظروف التي مكنت النظام من البقاء الطويل،وتكسيرها ثم صناعة ظروف أخري بديلة تستطيع تحريك الشوارع الساكنه،إبتداءا بخلق مبادرات تهدف الي إتحادات القوي الحية الطامحة في التغيير،ثم الإتفاق علي الحد الأدني للأسس الموضوعية للثورة،وإبتدار حملة قوية لنشر وعي حقيقي في مفاهيم القيم السامية وتعزيزهم في المواطن،وعندما تبلغ لتلك القيم ذروتها يُولد حس الوجدان المشترك والقومية السودانية لدي الشعب،علي سبيل المثال خروج مظاهرات في بورتسودان تضامنا مع سقوط طالب شهيدا في الجنينه برصاص النظام،وخروج مسيرات هادره في دنقلا،عطبرة وشندي تستنكر جرائم الحرب في دارفور وجبال النوبه،وأيضا إندلاع إحتجاجات قوية في ولايات الجزيرة،النيل الأبيض وسنار تدين الإعتقالات والإغتيالات التي تمارس ضد إنسان دارفور،النازحين واللاجيئن بمعسكرات دارفور يرفعون شعاراتهم عاليا تضامنا مع أهالي الجريف ويؤكدون الأرض للجميع،كذلك تظاهرات عارمه في المُدن السودانية نتيجة لإستهداف سودانيين في ليبيا،وخروج الاف السودانيين في الخرطوم إحتجاجا علي إستمرار الحرب في جنوب السودان،رافعين لافتات تطالب بالوحدة،إذن نشر الوعي وتأصيلة في المجتمع يُعد مفتاح النجاح الأول للثورات السلمية والكفاح المسلح،ومتي ما وجد الوعي يُمكن أن يُكتب لثورات الرغيف،الوقود،وغيرهم النجاح،وعندما يتغطي الشعب مرحلة اساسيات الحياة يطمح في ثورة الحرية،العدل،المساواة والدولة الديمقراطية التي تُكفل حق التساوي للجميع في الحقوق والواجبات،وقبل كل هذا لابد من ضرورة الوعي بحق الوجود للجميع والإتفاق علية كأسمي قيمة عليا،فإن لم يتوافق الشعب علي حق الوجود فيما بينهم سقطت بقية القيم الأخري،محدثة الإنقسامات،التفتتات والتشرزمات وحينها يذهبون جُفاءاً مع الرياح الي أزقة التارخ مهد أسلافهم.
صالح مهاجر
[email][email protected][/email]