الدولار “الاخطبوط” ..!

نبض المجالس
وسيد اللبن الذي يتنقل بين شوارع وازقة احياء الخرطوم وبيوتاتها “الصغيرة” لتسويق ما يحمله “حماره” من البان هو ايضا يتخذ من (جنون الدولار) قضية وتبريرا لاقناع ربات البيوت لرفع سعر الرطل عنده بمتوالية هندسية من ستة جنيهات الى عشر جنيهات ولا عزاء لغير القادرين .
وسيد اللبن هذا ليس هو تاجرا تقليديا او معزولا من محيطه الاقتصادي المضطرب او انه غير متاثرا بالمشهد الكلي في الاسواق ولكنه يتعاطي بشكل كبير مع توجهات البوصلة الاقتصادية التي لا ندري حتى الان الى اي وجهة ستقودنا اذا استمر عجزنا وفشلنا في ايجاد بدائل اخرى .
من الواضح ان مصطلح “الدولار الجمركي” اصبح من اكثر المصطلحات الاقتصادية “شيوعا” في الفكر الاقتصادي الذي تدير به الحكومة واقعنا الحالي بكل تقطعات وازماته ليس لان خبراؤنا في الاقتصاد انتجوا لنا عبقرية جديدة باسم هذا الدولار الجمركي عبقرية تخرجنا من كل هذا البؤس لا ان تعمق جراحاتنا واحزاننا , ولكن وبكل اسف ربما ان هذا الدولار “المتجمرك” اصبح كما الاخطبوط او “الآفة” التي استشرت بامراضها ومساقطها السالبة ليس فقط على مستوى السلع والمنتجات العابرة للحدود وانما حتى علي مستوى مستهلكاتنا “البسيطة” فاصبح “سيد اللبن” وبائع الطعمية وستات الشاي وسائق الركشة وغيرهم يتحدثون ويثرثرون كثيرا في مجالسهم الخاصة والعامة ويتابعون على راس كل ساعة سعر الدولار خارج قنواته الرسمية , وربما اليوم او غد سيحدثنا اطفال الاورنيش عن زيادات جديدة في تكلفة “طلاء الاحزية ”
وهكذا تتسع مظلة التاثيرات السالبة على الاسعار بالاسواق ومع ذلك تابى وزارة المالية الا وان تمارس سياسة ” دفن الروؤس في الرمال” وتبقي على سعر الدولار الجمركي في جنونه بالرغم من اتساع قاعدة الرفض لهذه السياسة من كل القطاعات الانتاجية .
اما وزارة المالية فهى لم تشأ تسبح بحمد ميزانيتها وتحاول انتاجها وكانها بشرى ووعد جديد للسودانيين وهي لا تقر بان كل ما اتخذته من سياسات وقرارات او موجهات في الموازنة الجديدة وبهذا تنفي عن نفسها ربما في عناد بانها هى التي اشعلت (الثقاب) في الاسواق بنيران الجشع الامر الذي انعش حركة السماسرة والوسطاء فكانت الفوضى تضرب باطنابها بلا اخلاق ولا دين ولا حتى قانون , وبالتالي لم يكن مجديا ان تلجا الحكومة الى سياسة اطفاء هذه النيران بالاسواق عبر فكرة الحركة التعاونية او اسواق البيع المخفض فهى خيارات قديمة ثبت فشلها وعدم جدواها امام (طوفان الاسعار) .
يحدث كل هذا في (المشهد القتصادي) في السودان رغم ان هناك وزارة خاصة بالتجارة بكل جيوشها الجرار من الموظفين “الافندية” والمتبطلين والكمبارس داخل مكاتب الدولة يتلقون رواتبهم “وحوافذهم” وامتيازاتهم الخاصة من عائدات دافع الضرائب.