“الشدرة ما برميها إلا عِرِيقاً فيها”

حبوباتنا وأجدادنا لديهم مثل شهير يضربونه للتعبير عن أن الخلل الداخلي هو الأبلغُ أثراً، والأكثرُ فاعلية في حدوث الانهيار والسقوط وشتات الأمر والتفكك، فكل القلاع المنيعة لن تؤتى إلا من ثغرة الخلل الداخلي… والمثل الذي يتداوله أسلافنا الحكماء هو:” الشدرة ما برميها إلا عِرِيقاً فيها”… بمعنى أن “الشجرة” بكل قوتها ورسوخ جذورها الضاربة في باطن الأرض لن تسقط إلا إذا كان هناك خللاً داخل هذه الشجرة، وبمعنى أكثر دقة ووضوحاً أن الشجرة لن تسقط أرضاً إلا إذا يبس أحد “عروقها” وتآكل وأحدث خللاً في تماسكها وقوة رسوخها في الأرض، وهذا ما يسهل مهمة الرياح والعواصف في طرح الشجرة أرضاً… وينسحب هذا المثل على تصدعات المباني فلن تنهار المباني والصروح إلا بفعل التصدعات الداخلية التي تكون بمثابة المؤشرات القوية لانهيارها… وبالطبع ينسحب الأمر على الأسر، والجماعات، والتنظيمات والأحزاب، والأنظمة، إذ تفعل الخلافات والنزاعات فيها ما تفعلة التصدعات في المباني، و”العرق اليابس” في الشجرة الوارفة..

في محيط الأسر تظل الأسرة أو العائلة متماسكة عصيةً على خصومها وغرمائها، وما أن ظهرت عليها الخلافات وتنازعتها الصراعات تفرقت أيدي سبأ، وكان ذلك مؤشراً قوياً لزوال أمجادها… وعلى مستوى الأحزاب والكيانات السياسية والتنظيمات تُمثل الخلافات والصراعات الداخلية علامة فارقة في ضعف الأحزاب وتفككها وسيكون ذلك أيضاً مؤشراً قوياً للنهاية.. والأمر نفسه ينطوي بشكل عملي على الحكومات والأنظمة الديكتاتورية والليبرالية على حد السواء، عندما تنتاشها سهام الخلافات الداخلية والصراع على المناصب والمواقع ونحوها…

إذا أسقطنا هذه القاعدة وهذه المعايير الموضوعية على حزب الحكومة الآن سنجد أن المؤتمر الوطني الذي يسيطر على السلطة بأغلبية ميكانيكية في مجلس الوزراء والبرلمان والمجالس التشريعية الآن يعيش ذكريات الصبا ويسترجع أمجاد ثلاثة عقود مضت يحنُ إلى ماضيها، كما يفعل “الشيخ ” الضعيف الذي تتلبسه حالة من “النوستالجيا” ولم يعد يشجيه أمر سوى الحنين إلى الماضي، وقد أقعده الضعف على نحو يعجز معه على حسم خلافات “الأبناء” في المحليات الولايات والمركز، ومركز المركز “زاتو”…

لقد ظل حزب المؤتمر الوطني طوال الأعوام الماضية عصياً على خصومه بالداخل وأعدائه بالخارج، لكنه بالطبع لن يستطيع اليوم الصمود طويلاً أمام الخلافات الداخلية التي تشتعل “علناً” في مؤسساته بكثير من الولايات، و”سراً” بالمركز، وعلى نحو “مكتوم” داخل الدوائر الضيقة. ولعل ما يرشح هنا وهناك في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، يعزز هذه الفرضية التي أشرتُ إليها… وهذا يعنى أن “شجرة” المؤتمر الوطني اليوم يبدو أن “عريقاً” فيها هو ما سيطيح بها، فلا مظاهرات ولا عدوان خارجي ولا حصار اقتصادي، الخلافات الداخلية هي التي ستتولى الأمر بنفسها و”الشدرة ما برميها إلا عِرِيقاً فيها”.. هكذا هي إرادة الله في الكون، وهكذا دورة الحياة والتأريخ وحقائق الأشياء… اللهم هذا قسمي فيما أملك…

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..