كما كان لفيدبو الأحفاد وقعا قاسيا، كان للبمبان طعما مواسيا

قضيت اليومان الماضبان فى حالة حزن وغم شديدة، فقد آلمنى فيديو الأحفاد الذى تم تداوله حلال الأيام الماضية، الشيء الذى ادخلني فى حالة تشبه الاكتئاب. آلمنى الفيديو مرتان؛ الأولى بصفتى خريجة أحفادية معتقة،قضت فى الاحفاد ردحا من الزمن، امتد من فترة الأربع سنوات الأولى التى حصلت خلالها على دبلوم كلية الأحفاد الجامعية( لم ترفع وقتها لجامعة بعد )ومن ثم الى فترة الترفيع التى قاربت العامين، نلت بعدها درجة البكالوريوس. وبعد سنوات طويلة جدا ، عدت للأحفاد مرة ثالثة ملتحقة بمعهد الجندر لأنال درجة الماجستير العام 2007.تلك السنوات الطويلة شكلت فترة مقدرة من حياتى، تلقيت خلالها كما من العلوم والمعارف والخبرات ( الأحفادية )، عاصرت خلالها مديران للجامعة. اولهما البروفيسور يوسف بدري علبه رحمة الله ورضوانه. وهو رجل صاحب اسلوب ادارى متفرد، عالم، له من المآثر والصفات، ما يعجز القلم عن تسطيرها.كما عاصرت اثناء فترتى الترفيع والماجستير، البروفيسبر قاسم بدرى، وله ايضا الكثير من الميزات والمآثر التى كاد ان يقضى عليها ذلك الفيديو. وقد كانت مؤسسة الأحفاد ولا تزال صرحا عظيما يرفد المجتمع السودانى بخريجات متميزات ذات طابع متفرد.اكتسبن ذلك التفرد من رؤيا ورسالة الجامعة، ومن خلال منهجها الذى يتمحور قدر كبير منه حول قضايا المراة والمجتمع. وتبعا لذلك فقد ادخلت الجامعة رحلات الإرشاد الريفى التى تقضى خلالها طالبات السنة الثالثة او الرابعة ما يقارب الاسبوع فى الريف السودانى شرقا وغربا، شمالا وجنوبا.يقدم فيها النصح والإرشاد الغذائى والصحى مع رسائل وارشادات حول العادات الضارة فى المجتمع والفحص الطبى. وقد نظمت اول رحلة ارشاد ريفى فى العام الاكاديمى79/80 الى ريف النيل الابيض. وكنت وقتها ضمن اول دفعة من الطالبات تلتحق بتلك الرحلات.ولا تزال الرحلات مستمرة الى اليوم. وفى اطار الاهتمام بقضايا المرأة، ادخلت جامعة الاحقاد ومنذ عقود منهجا للدراسات النسوية women studies تخضع له جميع الطالبات بمدارس الجامعة المختلفة. تبع ذلك انشاء معهد لدراسات السلام / النوع والتنمية. وعليه فإن جامغة الأحفاد ارتبط اسمها بقضايا المرأة وظلت على الدوام معلما بارزا من معالم المؤسسات التى تهتم بذلك. ومن هنا جاء ذلك الهجوم الشرس على رئيس الجامعة بروفبسير قاسم بدري، الذى ظهر على شريط فيديو يكيل الضرب بقسوة على طالبات داخل حرم الجامعة. وحسنا فعل بروف قاسم بتقديمه ذلك الإعتذار الذى كان مطلوبا وبشدة حتى تصحح تلك الصورة المقلوبة التى بدت للجميع. واظن ان الجامعة ستسير قدما لتعديل تلك الصورة ابضا وستجرى المراجعات المطلوبة هنا وهناك.
احزننى الفيديو مرة ثانية لكونى إمرأة لا ترضى الضيم او العنف ولا التسلط. وقد حزنت على المؤسسة العملاقة التى تجاوز عمرها الخمسين عاما ، وخشيت ان يصيبها سؤا بسبب ذلك السلوك المرفوض وغير المبرر . وأستعير هنا ما قاله الشاعر المجيد التجانى يوسف بشير فى المعهد العلمى لأقول: ( هى معهدى ولئن حفظت صنيعها؛ فأنا بنت سرحتها التى غنت لها). فالاحفاد يهمنا همها، ونخشى عليها من التدهور، وسنظل نحن كاحفاديات على ذلك ابدا. لكننى بالتأكيد لن اقول كما قالت بعضهن ممن فاضت بهم العاطفة واخذتهن العزة بالاثم :( نحن راضيات بالدق؛ ابونا وبيخاف علينا )..وهن بذلك القول ، شاركن فى قلب الصورة الأحفادية الناصعة. وكان حريا بهن رفض العنف والتسلط والقهر وان جاء من رئيس الجامعة. حزنت قبل ذلك كله لفتيات فى عمر الزهور بتن ليلتهن تلك مقهورات. وما افظع القهر والتسلط ! فالعنف يولد القهر..وقد عملت الأحفاد وغيرها من مؤسسات ونساء ناشطات لوقف ومواجهة العنف ضد النساء، فهل يعقل بعد ذلك كله ان تقبل طالبات الأحفاد الضرب؟!
فى غمرة احداث الأحفاد تلك وفى غمرة الحزن والغضب والحزن ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعى انباء موكب يسيره الحزب الشيوعى الى رئاسة ولاية الخرطوم لتسليم مذكرة تندد بالغلاء وترفض ميزانية التجويع التى تبنتها ااحكومة قبل أيام.عزمت على المشاركة فى ذلك الموكب، وضعت لنفسى لافتة داخلية تعبر عن انتمائى : ( زولة من سواد الشعب ) زولة اكتوت بويلات نظام الانقاذ. خرجت من البيت بترحال، احمل لافتتى تلك فى عقلى وقلبى،.سرنا عبر شارع النيل ومن ثم دلفنا منه الى شارع القصر حيث نقطة التجمع التى بدت لى مفرغة من الحشود وكانت هناك عربات للشرطة محملة بالجنود..وقد ارتكز عدد منها على الركن الشمالى الغربى من حديقة الشهداء المطل على شارع الجامعة. نزلت بالقرب من بنك الخرطوم، رأيت أعدادا من النساء والرجال مشتتين هنا وهناك ( يظهر ان رجال الأمن عملوا شغلهم فى تشتيت الحشود) واحترت عندها الى اين اذهب ! تلفت يمنة ويسرة فرأيت على يمينى حيث اقيف ثلة من النساء ينهامسن، فانضممت اليهن دون تردد. ومن ثم اخذنا طريقنا الى شارع الجمهورية الذى جاءتنا منه هتافات عالية. كانت هناك مجموعة مقدرة من المتظاهربن الذين تفرقوا فى الأنحاء .انحشرنا وسطهم مرددين هنافتتهم متبوعة بالتصفيق : سلمية …سلمية؛ لا للغقر ولا للجوع؛ حرية. …حرية. . وبقدرة قادر وجدت نفسى اقود الهتافات مع من كانوا بجانبى. كانت عربات الشرطة تقف على يسار المتظاهرين مررنا بعدد منها ، سرنا متقدمون نحو الغرب عكس اتجاه السير. كان منظر العشرات من المواطنين ( الفريجة ) على برندات السوق الافرنجى، وآخرين على اسطح البنايات غريبا بعض الشيء.هآنذا كما عشرات غيرى قادتنى قدماى من مكان بعيد الى حيث التظاهره..وهؤلاء الفريجة لا بفصل بيننا وبينهم شيء، لم تأخذهم الهاشمية، او شظف العبش الذى كان باديا على الوجوه من الانضمام الينا ! بالتأكيد وعلى طريقة د. البونى هناك حاجات تانية حاميانى. سار المتظاهرون متقدمون نحو الغرب وسط العربات، تتعالى هتافاتهم التى ارهقت الحناجر. ومن دون سابق انذار دوت فى المكان اصوات طلقات الغاز المسيل للدموع، التى اطلقها الجنود بكثافة امام المتظاهرين.فغطت سحائبه الأنحاء. هنا انفرط عقد الجمع وتشتت المتظاهرون على الشوارع الجانبية.لاحظت ان عددا من النساء بحانبى اخرجن منادلا قطنية مبللة بالخل وضعنها على وجهوهن حماية لهن من غاز البمبان. ولعدم المامى بالمهارات اللازمة للمظاهرات لم احمل مثله ، فاسقط فى يدى.لامس الغاز المنتشر حولنا عيونى ،فشعرت بحرقة تشبه لسعة موية النار. ووصل بعضا منه الى حلقى فكان مرا كالعلقم. ركضت ومن معى هربا من البمبان الى شارع جانبى وانا امسك بيد احداهن من ذوات المناديل الملونة.فقد كانت قدرتى على الابصار معدومة. وصلنا الى حيث ست شاى لديها عددا من المقاعد اتخذناها محلسا للراحة. اخذت من جيريكانة بلاستيك، قليلا من الماء على (كوز قديم بالى) وشرعت فى صب الماء على يدى لاغسل وجهى فصاحت احداهن قائلة: ( ما تغسلى وشك بموية..الموية بتهيج البمبان ) توقفت عن ذلك الفعل واسترحتا قليلا، تفرقنا بعدها كل الى حال سبيله.كانت اعداد النساء المشاركات فى ذلك الجزء من المظاهرة كبير الى حد ما. رايت عددا من الوجوه المعروفة، سيدات جليلات واحدة منهن يبدو انها قد تخطت السبعين من العمر..كانت تمشى متوكأة على عصاة طبية، خفت لحظة التدافع البمبانى ، ان يصيبها مكروه. يا لجمالكن ايتها السيدات الرائعات ! لم يثنيكن كبرا ولا وعكة صحية او خوف من اعتقال او ضرب ! تشاركن فى المظاهرات بالشوارع ، تدرسن الطلاب فى مدرجات الجامعات، وتنمقن الحروف والمعانى فى دور الصحف، تعقدن ورش العمل والسمنارات فى منظمات العمل المدنى، تطبخن الطعام فى البيوت وترعين الصغار! والله انها لعظمة ما بعدها عظمة..ويا لجمال وطنا تناضلن انتن لاستاعادته من ايدى البغاة. هذا المشهد المهيب، اراح عينيى، اسرى بروحى، سر قلبى وازاح ذلك الاكتئاب الأحفادى بعيدا.. عدت ادراجى للبيت، يكسى ثيابى رائحة البمبان، تمتيت لو ان لى قوارير افرغ فيها بعضا من ما ضاح فى الأنحاء من غاز البمبان، اوزعه عطرا لسبدات بلادى ..وساهدى قارورة منه لاولئك الفتيات المقهورات.
[email][email protected][/email]
يا لك من امراة متماسكة
احييك
يا لك من امراة متماسكة
احييك